مراعاة للآداب والنظام العام.. جلسات محاكمة المتهم بين العلنية والسرية
السبت، 01 ديسمبر 2018 01:00 م
المبدأ العام الذي يحكم جلسات المحاكمة هو العلانية، وعلي هذا تجمع التشريعات الحديثة فإذا كان من اللازم في المرحلة السابقة علي مرحلة المحاكمة أن يجري التحقيق كله أو بعضه في سرية، فإنه لا يوجد ما يدعوا إلي الاستمرار في هذه السرية بعد أن استكمل التحقيق عناصره، وأصبحت الدعوى في مرحلتها النهائية.
فى التقرير التالى «صوت الأمة» رصدت مسألة جلسة المحاكمة وإشكالية وقوعها بين العلنية والسرية مراعاة للنظام العام أو الآداب، ومدى قانونية الأمر فضلاَ عن المقصود بالعلانية والسرية الخاصة بالمحاكمات.
علنية الجلسات
يقول محمد الصادق، الخبير القانونى والمحامى، إن جلسات المحاكم علنية إلا إذا قررت المحكمة جعلها سرية مراعاة للنظام العام أو الآداب، وفي جميع الأحوال يكون النطق بالحكم في جلسة علنية، وهذا ما أكدته أيضا المادة (286) من قانون الإجراءات الجنائية في صدرها بتقريرها أن : «يجب أن تكون الجلسة علنية».
والمقصود بالعلانية- وفقا لـ «الصادق» في تصريح لـ «صوت الأمة»- أن تكون قاعة الجلسة مفتوحة أمام من يشاء من الجمهور حضور المحاكمة، فليس المقصود بها أن تجري المحاكمة بحضور الخصوم فيها فهذا أمر لازم حتى ولو أمرت المحكمة بسماع الدعوى في الجلسة سرية عندما يجوز لها ذلك، وتقرير العلانية للجمهور علي هذا النحو يجعل الرأي العام رقيباً علي إجراءات المحاكمة، فيدعم الثقة في القضاء والاطمئنان إلي عدالته ويدفع القضاة أكثر إلي الحياد والتطبيق السليم للقانون، فضلا عما تثبته العلانية من طمأنينة في قلب المتهم فلا يخشى من انحراف الإجراءات أو تأثير في مجريات الدعوى أو علي الشهود.
ومبدأ العلانية يجب مراعاته بالنسبة لجميع إجراءات المحاكم، فيشمل التحقيقات والمرافعات وإصدار الأحكام سواء في ذلك الأحكام الفاصلة في الموضوع أو تلك السابقة علي الفصل فيه، فإذا تم أي من هذه الإجراءات في جلسة سرية في غير الأحوال الجائزة فيها ذلك قانونا فقدت المحاكمة قاعدتها الأصلية، وكان ذلك سببا في بطلان ما تم فيها من إجراءات ويتعين أن تثبت المحكمة في محضر الجلسة وفي الحكم علانية الجلسة وإذا جرت المحاكمة في عدة جلسات فلا يكفي أن تثبت العلانية في الجلسة الأولى أو في جلسة النطق بالحكم، وإنما يجب أن يتضمن محضر كل جلسة إثبات أن العلانية قد روعيت أثناء إجراءات نظر الدعوى والحكم فيها، كما تقضي بذلك المادة (303 إجراءات جنائية)- بحسب «الصادق».
ويجوز للمحكمة مع ذلك مراعاة للنظام العام أو محافظة علي الآداب أن تأمر بسماع الدعوى كلها أو بعضها في جلسة سرية أو تمنع فئات معينة من الحضور فيها، وقد ترك القانون تقرير سماع الدعوى في جلسة سرية للمحكمة وخاضع لتقديرها، متى رأت أن مراعاة النظام العام أو المحافظة علي الآداب يقتضي ذلك فلا سلطان لأحد عليها وليس من حق المتقاضين أمامها مناقشتها في ذلك.
وإذا كان الأصل هو علانية الجلسات والسرية تبطلها قانوناً، وأجازة القانون لها مراعاة للنظام العام أو الآداب وارد علي خلاف الأصل، فإن جلسات المحاكمة لا تنقلب سرية إلا بحكم يصدر من المحكمة، فلا يكفي قرار رئيس الجلسة، ويجب أن يصدر هذا الحكم في الجلسة علنية، وأن يكون مسبباً، ويكفي لتسبيبه أن تستند المحكمة إلى واحد من الاعتبارين اللذين قررتهما المادة (68) إجراءات جنائية، وهما مراعاة النظام العام أو المحافظة علي الآداب دون أن تكون ملزمة بأن تبين تفصيلا أسباب إخلال العلانية بالآداب، أو النظام العام-هكذا يقول الخبير القانونى.
سرية الجلسات
وعن سرية الجلسات، يقول المستشار القانوني محمود البدوي المحامي بالنقض والدستورية العليا، ورئيس الجمعية المصرية لمساعـدة الأحداث وحقوق الإنسان، يقصد بالسرية منع الجمهور من دخول قاعة الجلسات، والجمهور هنا هو كل فرد ليست له علاقة بالدعوى المطروحة علي المحكمة، ولهذا فالسرية لا تسري بالنسبة للخصوم ووكلائهم، فلهؤلاء أن يحضروا الجلسة السرية بغير حاجة إلي قرار من المحكمة، وإلا أخلت المحكمة بحقوقهم في الدفاع، كما لا تنصرف السرية إلا علي سماع الدعوى أي إجراءات التحقيق النهائي وسماعه مرافعة الخصوم، فلا تمتد إلى ما يسبق ذلك من إجراءات كتلاوة أمر الإحالة أو تقرير الاتهام وسؤال المتهم عن البيانات الخاصة بشخصه لأنها إجراءات لا تنطوي علي خطر يمس النظام العام أو الآداب، كما لا تمتد إلي الإجراءات اللاحقة كالنطق بالحكم الذي يجب دائما أن يصدر في جلسة علنية ولو تمت إجراءات سماع الدعوى في جلسة سرية، وكل حكم يصدر في جلسة سرية يكون باطلا.
ويُضيف «البدوي»، في تصريح خاص، أن السرية تعني منع الجمهور من حضور جلسات المحاكمة، وهذا المنع إما أن يكون بنص القانون، أوبقرار من المحكمة بناء علي منحها هذه السلطة من قبل القانون بذلك، إلا أن هذه السرية قد تكون جزئية، كما هو حاصل الأن في محاكمة القرن، ويمكن أن تقتصر السرية علي اجراء واحد أو أكثر من اجراءات الدعوي مثل سماع شاهد مثلا، كما تقتصر السرية علي منع بعض الأفراد من حضور الجلسات، إلا أن السرية لا تنصرف الي المتهم أو دفاعه، أوالشهود أو المحامين المترافعين وغير المترافعين، حيث لهم الحق دائما في حضور الجلسات، فالسرية تنصرف إلي الجمهور فقط.
يعد حظر النشر لجلسات المحاكمة إجراءا وجوبيا تبعيا لسرية جلسات المحاكمة، بيد إن حظر النشر المترتب علي السرية يعد استثناءا علي الأصل فيجب ألا يتم التوسع فيه، وبذلك فانه لا يرد إلا على الإجراءات التي تتخذ بعد صدور قرار المحكمة بجعل الجلسات سرية، لذلك فقد نص قانون العقوبات المصري في المادة 189 على: «الحظر لا يشمل موضوع الشكوي أو نشر الحكم»، ولقد حصرالمشرع المصري الأسباب التي تستطيع المحكمة بموجبها أن تقرر سرية المحاكمة، حيث حصرتها المادة 268 من قانون الاجراءات الجنائية لسببين اثنين: الأول مراعاة النظام العام، والثاني المحافظة على الأداب- وفقا لـ «البدوى».
إن اصطلاح النظام العام ومثله الأداب، التي جعلت منهما معظم التشريعات الوطنية أسبابا للسرية ،هما مصطلحان يتسمان بالسعة والمرونة، ويتداخل المصطلحان فيما بينهما في كثير من الحالات حتي يظهر أن أحدهما عنصرا من عناصر الآخر، و بالرغم من غموض مصطلح النظام العام والأداب إلا أن بعض الفقهاء يعرفون النظام العام بأنه مجموعة الأسس التي يقوم عليها كيان الجماعة، سواء كانت هذه الأسس سياسية أواقتصادية أو مالية أواجتماعية، ولا شك أن مفهوم النظام العام يمتد ليشمل حماية مصلحة العدالة، وهي ذات الغاية التي جاءت العلانية من أجل الوصول اليها، فإذا كانت العلانية من شأنها الاضرار بسير العدالة فإن النظام العام يقتضي الحد من هذه العلانية-بحسب «البدوى».
إن ابعاد العلانية وتقرير السرية لا يكون الا لمصلحة عامة أعلي منها، علي هذا فاذا تبين من ملابسات الدعوي ، ومما دار في الجلسات السرية من مرافعات أن فرض السرية لم يكن له ما يبرره، كانت الاجراءات التي تمت في الجلسات السرية باطلة، و هذا البطلان يتعلق بالنظام العام، لان المصلحة التي تفوت نتيجة انتهاك مبدأ العلانية لا تخص الخصوم وحدهم، بل تتصل في المقام الأول بحسن سير العدالة، و ختاما، فان ما يمكن اعتباره من النظام العام في مجال الحد من علانية الجلسات متروك لتقدير المحكمة تزنه بميزان المصلحة العامة للمجتمع و الدولة.