المسكوت عنه.. ماذا قال القانون المصري عن التصدي لزنا المحارم بـ«تراضي الطرفين»؟
الأربعاء، 05 ديسمبر 2018 09:00 م
«زنا المحارم بالتراضي».. جريمة جديدة على المجتمعات العربية والإسلامية - بحسب مراقبون - عجز القانون المصرى عن مناقشتها أو التصدى لها، تلك الأزمة التى فجرتها واقعة اتهم فيها شخص بمعاشرة شقيقته بالإسماعيلية وإنجابه طفلا منها، الأزمة الحقيقية تمثلت فى الموقف القانونى للمتهمين عقب إصدار النيابة العامة قرار بإخلاء سبيل المتهمين على ذمة القضية لبلوغ الأخت السن القانوني وبسبب رضاءها وعدم إكراهها أو اغتصابها، وةذلك فى المحضر رقم 5720 إداري مركز أبو صوير.
وعادة ما يشعر الإنسان بالصدمة فور سماعه عن حادث يمثل «جريمة الزنا»، نظراَ لكوننا نعيش في مجتمعات شرقية تأبى مثل هذه الجرائم المخلة بالشرف والأعراف ناهيك عن كونها تعد من «الكبائر» في جميع الديانات السماوية، إلا أن الأكثر قسوة ومرارة حينما تسمع عن حادث «زنا محارم»، بينما يكون الأمر أكثر قسوة وإيلاماَ من هول الصدمة حينما تعلم أن «زنا محارم» كان بـ«التراضى بين طرفيه».
السؤال الذي يطرح نفسه في مثل هذه الحالات الغريبة عن مجتمعاتنا، كيف لبشر أو إن صح التعبير «ذئاب بشرية» يرتكبوا هذا الفعل تراضياَ على الرغم من كونهما من دم ولحم واحد؟، ورغم أنهما مؤتمانين على عرضهما، ما يشير إلى أن المجتمعات العربية في منحدر يجب الانتباه له، كما أن هناك سؤال أخر لماذا لا تغلظ العقوبات بخصوص هذا الجُرم؟.
النيابة العامة بالإسماعيلية، أخلت سبيل الشاب المتهم بمعاشرة شقيقته، والإنجاب منها سفاحاً، وذلك بعد اعتراف المتهم أمام النيابة، أن ذلك كان برضا شقيقته، في المحضر رقم 5720 إداري مركز أبو صوير، فى الوقت الذى كان من الطبيعى أن تأمر النيابة العامة بحبسهما، وتأمر بغلق منزلهما لحين الفصل في الدعوى تحقيقا لمبدأ الردع العام.
تكييف العقوبة ممارسة الفجور
من جانبه، يقول الخبير القانونى والمحامى محمد الصادق، أن المتهمين مارسا الفجور ويجب تطبيق مواد القانون رقم 10 لسنة 1961 عليهما، والذي يوجب حبس المتهمين من 3 أشهر ولمدة لا تزيد على 3 سنوات، مؤكداَ أن المادة 9 فقرة ج من القانون تنص على: «يعاقب بالحبس بمدة لا تقل عن 3 أشهر ولا تزيد على 3 سنوات كل من اعتاد ممارسة الفجور أو الدعارة وعقب ضبط الشخص يجوز إرساله لتوقيع الكشف الطبي ويجوز الحكم بوضعه مؤسسة عقابية بعد العقوبة».
المتهمون - وفقا لـ«الصادق» - في تصريح لـ«صوت الأمة» اعتادا ممارسة الفجور لمدة طويلة وبرضا الفتاة، وهو ما يوجب معاقبتهما بعقوبات القانون المشار إليه، حيث أن المادة 12 من القانون ذاته توجب غلق المكان المستعمل في ممارسة الفجور أو الدعارة، خاصة وأن المادة 10 تنص على: «يعتبر محلا للدعارة أو الفجور كل مكان يستعمل لممارسة دعارة الغير أو فجوره ولو كان يمارس فيه الدعارة أو الفجور شخص واحد»، وهو ما ينطبق على تلك الواقعة.
إخلاء سبيل المتهمين
عن إخلاء سبيل المتهمين، يقول أشرف فرحات، الخبير القانونى والمحامى بالنقض، إن النيابة العامة صاحبة الحق في إخلاء سبيل المتهمين خلال عملية سير التحقيقات، لأن الحبس الاحتياطي هو إجراء احترازي وليس بالضرورة عقوبة، ولا يعني إخلاء سبيلهما أو براءتهما أو انتهاء القضية، لكن هناك مبررات للحبس الاحتياطي تقدرها النيابة العامة، منها أن المتهم يخشى هروبه أو التأثير على شهود أو تهديد خصوم أو العبث بالأدلة، وهي مبررات قد تكون النيابة رأت عدم توافرها في المتهمين وبالتالي أخلت سبيلهما لحين التصرف في القضية وإحالتها للمحكمة بمواد قانون معينة، فهي لا تزال في مرحلة «التكييف القانوني» للواقعة.
ويُضيف «فرحات» فى تصريح خاص، أنه يجب تغليظ عقوبة جرائم «زنا المحارم» حتى ولو كانت بالتراضى ووضع تشريع خاص لمثل هذه الوقائع، لتصل إلى «الإعدام شنقًا»، لمواجهة الظاهرة وإنهاءها والقضاء عليها داخل المجتمع المصرى قبل أن تتفاقم، باعتبار أن عقوبة الأشغال الشاقة المؤبدة غير كافية.
إن القانون المصرى-بحسب «فرحات»- شدد عقوبة مواقعة أنثى بغير رضاها بالأشغال الشاقة المؤبدة، طبقًا لنص المادة 267 من قانون العقوبات التى تنص على أن العقوبة تكون مستحقة: «إذا كان الفاعل من أصول المجنى عليها أو المتولين تربيتها أو ملاحظتها، أو ممن لهم سلطة عليها أو مديرها أو كان خادمًا بالأجرة عندها أو عند من تقدم ذكرهم».
أن العقوبة طبقًا للمادة 268 تنص على:« أن من هتك عرض إنسان بالقوة يعاقب بالسجن من 3 إلى 7 سنوات إذا كانت المجني عليها لم تبلغ سن 16 عامًا، ويجوز أن تصل العقوبة إلى 15 سنة أشغالًا شاقة»، مؤكداَ أن تلك الجريمة أخلاقية، ومن أبشع الجرائم الإنسانية التي تهدد أمن الأسرة والمجتمع، وتخالف عاداتنا وتقاليدنا-هكذا يقول «فرحات».
جريمة غائبة عن القانون
بينما، أكدت الدكتورة سها حماده عمران، الخبير القانونى والمحاضر بجامعة حلوان، أن المحكمة فى مثل هذه الوقائع تستعمل أقصى عقوبة، ولا تنظر إلى أي نوع من التخفيف، أو مراعاة ظروف المتهم، مضيفة أن القانون يعاقب الأب الذى يعتدى جنسيًا على ابنته بالسجن من 10 إلى 15 سنة دون رأفة.
ووفقا لـ«عمران» فى تصريح خاص لا يوجد فى التشريع والقانون المصرى نص يعاقب من يقترف هذه الجريمة النكراء إلا فى حالة واحدة، وهى هتك العرض للقصّر بالقوة»، ورددت قائلة: « للأسف مجتمعنا عاجز بسبب غل يد رجال القانون عن معاقبة هؤلاء، وجعلهم عبرة لمن يمارسون هذه الأفعال، فجرائم الزنا بوجه عام متعلقة بالشكوى، فلا جريمة بغير من يقوم بالشكوى سواء كان الزوج أو الزوجة.
وعن الجانب النفسى
وعن الجانب النفسى، قالت المحاضر بجامعة حلوان، أن وسائل الإعلام الخاصة والمرئية منها جزءًا من المسئولية، مؤكدة فى الوقت نفسه أنها أصبحت تلعب دورًا كبيرًا فى انتشار مثل هذه الجرائم الخطيرة بتقديمها برامج وأغانى إباحية تداعب الغرائز وتنميها لدى بعض الأفراد غير الأسوياء، حيث أن أفلام الرذيلة والسموم التى تدس فى الدراما، ونشر الأفلام غير العربية التى تعتبر ممارسة مثل هذه الأفعال شيئًا طبيعيًّا، هذه كلها دوافع لارتكاب الجريمة، وفى الوقت ذاته يتم الإفلات من القانون بسهولة، حيث أن الخلافات الأسرية بين الأزواج الناجمة عن عدم تنظيم الأمور الجنسية والتى تعد أبرز دوافع الخيانات الزوجية سواء مع ابنته أو غيرها.
واستطردت: معظم حالات اعتداءات الآباء على بناتهم لا تصل للقضاء وتبقى طى الكتمان لسنوات لوعى الفتاة بأنها إذا فضحت الأمر ستدمر الأسرة فهى تعى تأثير كشف السر على الأسرة فتفضل السكوت إلى أن تكبر وتتزوج أو تهرب، مطالبة بعمل ندوات توعية مشتركة بين الأزهر والإعلام ووزارة الثقافة ومنع البرامج الخادشة للحياء وعدم بثها على شاشات التلفاز، والعمل على ترسيخ قواعد الدين لدى الأفراد.
وأكدت أن التعاون بين المجتمع المدنى والدولة يجب أن يكون من خلال تبنى احدى هذه المناطق العشوائية ووضع استراتيجية واضحة لمواجهة كل الامراض التى تنتج عن هذه المناطق.
يمكن تلخيص «أسباب تفشي هذه الظاهرة» في المجتمع في النقاط التالية:
1- ضعف الوازع الديني أو انعدامه.
2- فشل المدرسة في التربية على القيم و الأخلاق وغياب دور الأسرة في التوعية.
3- إغراق السوق بالخمور والمخدرات وسهولة تعاطيها.
4- الإعلام الإباحي من فضائيات متخصصة في ذلك وانتشار المواقع الإباحية.
5- تراجع دور الأسرة خصوصا دور الأب داخل الأسرة, ضياع مفهوم الأبوة في مقابل مفهوم الصديق بحيث تسعى عدد من النظريات التربوية الغربية إقناع المربين بأن أهم عنصر مساعد على تربية الأبناء هو الذي يعتمد الصداقة بين الأباء و الأبناء إلى درجة يغيب معها مفهوم الأبوة مطلقا بالبيت, ففي غياب توازن بين أن يكون الأب صديقا تارة و أبا تارة أخري قد يؤدي إلى سلوكيات جنسية شاذة و منحرفة, حيث نبه عدد من الخبراء التربويين إلى بعض المفاهيم الدخيلة في فنون التربية التي تصور أن سلطة العائلة تكمن في يد من يملك مالا مهما كان زوجة أو بنتا أو أختا أو إبنا و هذا ساهم في بناء أسرة هشة غير مترابطة شكلت مناخا خصبا لسلوكيات منحرفة منها زنا المحارم.
فهل بعد انتشار هذه الأسباب في دواليب الحياة اليومية للمجتمع المصري نستغرب انتشار جرائم زنا المحارم و ارتفاع وتيرة تزايدها يوما بعد آخر.
رأى الدين
بينما يرى مراقبون من علماء الدين الإسلامي أن زنا المحارم حرام شرعًا، ومن أكبر الكبائر التى نهى عنها الله سبحانه وتعالى، ووعد فاعلها بالعقاب العظيم، حيث أن حدوث هذه الفاحشة يبدأ من خلال التحرش الذى يكون فى أول الأمر غير مقصود، كالنظرة إلى أماكن العورة، الأمر الذى يجر إلى أمور أكبر، وهى المعاصى التى تثير الغرائز لفعل هذه المصائب، حيث يكون الفرد فى حالة لا يفرق فيها بين المرأة الأجنبية وبين أمه أو أخته.
وضع أبناء زنا المحارم
كما إن أطفال زنا المحارم، لا يتم تسجيلهم بأي أسماء تابعة للأب أو الأم، بل تتكفل به الدولة، حيث تقوم وزارة التضامن الاجتماعي بإيداعه في أحد دور الأيتام، وهنا تتولى مسئوليته من الإنفاق عليه، واختيار اسم له، ويتم معاملته معاملة الأيتام.
يشار إلى أن المستشار ياسر أبو غنيمة المحامي العام لنيابات الإسماعيلية، قرر إخلاء سبيل «أحمد. ح»، المتهم بمعاشرة شقيقته (ف) 22 عاما، وإنجاب طفل سفاح منها، وذلك في المحضر رقم 5720 إداري مركز أبو صوير.
واعترف «أحمد ح» 24 عاما، المتهم بمعاشرة شقيقته «ف»، أنه عاشرها معاشرة الأزواج وأنجب منها طفلا بعد أن عاشرها طيلة عام ونصف، كانت تقيم معه داخل منزله الخاص.
وأكد المتهم في اعترافاته أمام إسلام الجوهري رئيس نيابة المركز وأبو صوير، أنه كان يعاشرها برضاها وليس غصبا عنها، وإنه خلال إقامة العلاقة المحرمة بينهما اكتشف حملها ولم يطالبها بالإجهاض أو التخلص منه حفاظا عليه وعلى حياتها.