في ذكرى تنصيبه حاكمًا.. قصة خيانتين أودتا بحكم آخر السلاطين في تاريخ مصر

الخميس، 11 أكتوبر 2018 05:00 م
في ذكرى تنصيبه حاكمًا.. قصة خيانتين أودتا بحكم آخر السلاطين في تاريخ مصر
طومان باي
كتب: مايكل فارس

فى 11 أكتوبر عام 1516 تم تنصيب المملوك الأشرف أبو النصر طومان باي، سلطانًا على مصر خلفًا لعمه السلطان قانصوه الغوري، الذي قتل في معركة مرج دابق فى سوريا أثناء محاربته السلطان العثماني سليم الأول.

الغازي سليم الأول حين سمع بخبر تنصيب طومان باي، أرسل رسالة يطالبه بتبعيته للباب العالي مقابل إبقائه حاكما على مصر، إلا أن الأخير رفض، وقتل رسله فاشتعلت الحرب بين المماليك الشراكسة و العثمانيين، لتكون نهايتها بداية صفحة سوداء جديدة فى التاريخ المصري.

بداية حكم طومان باي

تولى طومان باي الذى ولد 24 أغسطس 1516 وتوفي  15 إبريل 1517، حكم مصر عقب مقتل عمه السلطان الغوري بموقعة مرج دابق – بحلب فى سوريا-  حيث عينه نائباً له قبل خروجه لقتال العثمانيين، وبعد قتله اتفق الأمراء المماليك على اختياره سلطاناً لمصر؛ فى البداية  امتنع وما لبث أن قبل بعد أن أقسم له الأمراء على المصحف بالسمع والطاعة وعدم الخيانة.

طومان باي
طومان باي

رسالة سليم الأول وخيبة الأمل

أرسل سليم الأول رسله لطومان باي يطالبه بتبعية مصر للخلافة العثمانية مقابل إبقائه حاكما، إلا أنه رفض، ومعني ذلك الدخول فى حرب، حيث سعت الخلافة الجديدة لضم مصر بعد أن أسقطت حكم المماليك فى سوريا، فطالب الآمراء بالخروج لقتالهم ولا ينتظر مجيئهم إلى مصر، ولكنه اصطدم بتخاذل المماليك، واستهانتهم بخطورة الموقف، وعدم تقديرهم للمسئولية فقرر جمع الجنود والأهالي القادرين على القتال معا لقتال العثمانيين الذين كانوا سيأتون عبر محافظة المنصورة حاليا – الريدانية عصر المماليك – وأعد العدة لذلك.

جيش المماليك  vs العثمانيين

خرج طومان باي إلى الريدانية وتحصن بها وحفر خندقاً على طول الخطوط الأمامية، وجمع جيشا يقدر ما بين 70- 90 ألفا من الجنود نصفهم من أهالي مصر وجمع 200 مدفع ثقيل من الفرنجة ووضعها في الريدانية والهدف منها هو مباغتة العثمانيين عند مروره والانقضاض عليه وحفرت الخنادق وأقيمت الدشم لمئة مدفع وكذلك الحواجز المضادة للخيول على غرار ما فعله سليم الأول في معركة مرج دابق، فى المقابل جهز سليم الأول جيشا مكون من 150 ألفا من الجنود، إضافة لمدافع أحدث وأخف وزنا من مدافع المماليك، وكانت نقطة التفوق الكبرى استخدامهم للبنادق.

الخيانة الأولى وحرب الريدانية

خطة المماليك تنحصر فى الانقضاض على العثمانيين فى الريدانية لذا أقاموا كل تحصيناتهم فيها، إلا أن الأمير المملوكي جان بردي الغزالي، خان طومان باي، وأبلغ الخطة إلى والي حلب المملوكي خايبر بك، الذي دخل بخدمة العثمانيين ، فأرسلها إلى  السلطان سليم الأول، مشيرا عليه بالالتفاف على جيش المماليك، من خلف الريدانية، وهو ما حدث بالفعل حيث اتجه السلطان بجيشه سائرًا نحو العادلية ليوحي باتجاهه بعدها إلى الريدانية ثم التف ليأتي خلف جيش المماليك ورمى بكل ثقله على المماليك بالريدانية من الخلف، وكانت المواجهة الشرسة فى   يناير 1517.

حرب المماليك والعثمانيين

سليم الأول يدخل القاهرة

لم يستطع طومان باي رغم استبساله وصمود جيشه أمام العثمانيين، إلا ان مدافعه الثقيلة تم تحيدها تماما بسبب وجودها فى الخطوط الأمامية وهي ثقيلة لا يمكن تحريكها عكس المدافع الحديثة التى استقدمها السلطان سليم الأول ويمكن تحريكها فى جميع الاتجاهات، إضافة لاستخدام البنادق وكثرة الجنود، فاضطر طومان باي للانسحاب ليدخل سليم الأول القاهرة.

سليم الأول يدخل القاهرة
سليم الأول يدخل القاهرة

ودخل سليم الأول القاهرة، في موكب حافل يتقدمه القضاة وأحاط به جنوده يحملون الرايات العثمانية الحمراء، ثم حدث ما كان يتخوف منه فقد باغتهم طومان باي في بولاق، وجرت معارك طاحنة في أزقة المدينة بين الجنود العثمانيون من جهة، والمماليك ومعه الأهالي المصريون من جهة أخرى، لتستمر المعارك من ثلاث إلى 4 أيام ويقدر المؤرخون أن ضحايا تلك المعارك قدروا بـ 50 ألف من الطرفيين، إلا أن استخدام العثمانيين للبنادق حسم الحرب حيث أمطروا بها المماليك والمصريين من على المأذن وأسطح المنازل ليهرب طومان باي إلى بنها جنوب القاهرة بعدما رأى عدم تمكنه من الاستمرار بالمقاومة، أما باقى الأمراء فاستسلموا بعد أن تعهد لهم سليم الأول بالآمان.

الجنود العثمانيين
الجنود العثمانيين

خيانة شيخ العرب

حاول طمان باي عدة مرات لقاء الجيش العثماني ولكنه فشل، وكان أخرها فى منطقة وردان  - إمبابة حاليا- واستخدم أساليب الكر والفر القديمة التى انتهجها المماليك ولكن قواته هزمت أمام القوة الهائلة والبارود العثماني، فهرب طومان باي ولجأ إلى شيخ العرب حسن بن مرعي، لما له من أفضال عليه منها أنه أخرجه من السجن إبان حكم عمه السلطان قانصوة الغوري، وطلب منه القسم بعدم خيانته وتسليمه إلى العثمانيين، ورغم قسمه خانه ووشى به ليفاجئ بالأتراك يحاوطونه ويسلمونه لسليم الأول.

إعدام طومان باي

أعجب السلطان سليم الأول بشجاعة طومان باي الذى كبده خسائر فادحة في حروب الكر والفر، لدرجة أنه فكر فى العفو عنه، إلا أن باقي الأمراء المماليك حذروه بأنه لو ظل على قيد الحياة فلن يهنأ له بال، فقرر إعدامة على باب زويلة، حيث قص المؤرخ المصري محمد بن إياس الحنفي تفاصيل الإعدام في كتابه الشهير ‏‏«بدائع الزهور في وقائع الدهور» والذى كان شاهد عيان على الواقعة حيث قال: «عند باب زويلة توقف ركب السلطان الأسير طومان باي.. كان في حراسة 400 جندي من الانكشارية.. وكان مكبلاً فوق فرسه.. وكان الناس في القاهرة قد خرجوا ليلقوا نظرة الوداع على سلطان مصر.. وتطلع طومان باي إلى (قبو البوابة) فرأى حبلاً يتدلى، فأدرك أن نهايته قد حانت.. فترجل.. وتقدم نحو الباب بخطى ثابتة.. ثم توقف وتلفت إلى الناس الذين احتشدوا من حول باب زويلة.. وتطلع إليهم طويلاً.. وطلب من الجميع أن يقرؤا له الفاتحة ثلاث مرات.. ثم التفت إلى الجلاد، وطلب منه أن يقوم بمهمته»، وعلقت جثته 3 أيام ثم دفُنت في قبة السلطان الغوري، لتتحول مصر بعد موته لولاية تابعة للباب العالي العثماني.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق