وقت الشدة يظهر معادن المصريين.. هكذا تراجعت معدلات الجريمة أثناء حرب أكتوبر
الجمعة، 05 أكتوبر 2018 05:00 م
تُعد الحروب فى الغالب هى التجربة الأكثر مقدرة على ترك أثرا فى مصير الدول والبصمة على الأرض، حيث يظهر من خلالها معادن الرجال ومدى قدرة صلابة الشعوب فى مواجهة الأزمات، فالدولة بكل ما تملكه من عناصر ومقومات بشرية أصبح علي المحك.
الشعب المصرى بكافة مستوياته يحتفل خلال ساعات بالذكرى الخامسة والأربعين لانتصارات أكتوبر 1973، حيث تُدشن تلك الإحتفالات إبتداءً من الغد حتى نهاية الشهر، إلا أن السؤال الذى يطرح نفسه خلال تلك الإحتفالات، كيف كان حال الجريمة فى مصر أثناء تلك المعركة الحاسمة، ومدى قدرة الشعب على الخروج من النكسة التى تعرض لها.
تنكشف الأخلاق في ساعة الشدة
وفى الحقيقة فإن المثل العربى القديم قال: «تنكشف الأخلاق في ساعة الشدة»، بينما المثل الشعبى يقول: «وقت الشدة تبان معادن الناس»..وهو عادة ما يتردد على ألسنة المصريين وقت الشدائد والمحن، فالظروف الصعبة دائما هى تجمع الناس أو الشعوب بكل توجهاته على قلب رجل واحد، وهو الأمر الذى بدوره حدث فى حرب السادس من أكتوبر 1973.
الشعب المصرى برمته تذوق حنق ومرارة هزيمة 67 التى أُطلق عليها بعد ذلك «النكسة» أو بمعنى أصح «نكسة 67»، التى جعلت الشعب يلتف حول قيادته العسكرية والنظر للهزيمة على أنها مسألة حياة أو موت، وذلك بهذف الخروج من ويلات النكسة وعنق الزجاجة، فقد وصلت آثار صدى «نسكة 67» إلى الخارجون عن القانون و المجرمون.
اقرأ أيضا: حرب أكتوبر شاركت فيها جميع الأطياف.. 6 حكايات مخلوطة بالدم لنجوم الفن من أرض الميدان
المجرمون يعلنون توبتهم
ملحمة «حرب 6 أكتوبر» والعاشر من رمضان شارك وساهمت فيها طوائف الشعب المصرى بمختلف التوجهات والمذاهب وعلى رأس هؤلاء كان الخارجون عن القانون والمجرمون الذين أعلنوا مجتمعين توبتهم فى تلك الفترة عن طريق التوقف عن ارتكاب أى جرائم أو مخالفات قانونية من شأنها أن تكون نقطة سوداء في تلك الحقبة الزمنية.
سجلات الأمن العام والأجهزة المعنية في فترة حرب 73، ذكرت أن مؤشرات معدل الجريمة تراجعت تراجعا مذهلا خلال حرب أكتوبر، الأمر الذي كاد معه أن تخلو سجلات الجرائمة من الجرائم الجنائية، فقد كشفت السجلات حينها أن المحاضر والبلاغات بأقسام الشرطة والنيابات خلت خلال الأيام الثلاثة الأول من الحرب من تسجيل سوى الجرائم المعروفة لدى أجهزة الأمن بـ«الجرائم العارضة».
احصائيات الجريمة فى الحرب
والذى وضح جلياَ خلال حرب أكتوبر بالنسبة لـ«الجريمة» أنها تميزت بعدة سمات أبرزها أن الجنايات الكبرى في الفترة التي بدأت من 6 وحتى يوم 21 أكتوبر قد انخفضت عن مثيلتها في العام السابق من 95 جناية عام 1972 إلى 71 جناية في أيام الحرب وبنسبة كبيرة هي 26%، وطبقاَ للتسجيلات فقد تراجعت أرقام جنايات السرقة الكبرى من 11 جناية في الفترة نفسها من العام السابق إلى 7 جنايات وبنسبة 40%-حسب سجلات الأمن العام .
اقرأ أيضا: كيف اعتمدت الصهيونية على القوة لاغتصاب فلسطين؟.. مذكرات الجسمي تجيب (الحلقة 2)
فيما انخفضت جرائم السرقة الصغيرة انخفاضا يزيد عن 35 % في ذات المدة، وفيما يتعلق بجرائم النشل اليومية فقد سجلت انخفاضا يزيد على 45 % عما كانت عليه قبل الحرب، وخلال اليوم الثاني للقتال وهو يوم 7 أكتوبر خلت مدينة القاهرة من جرائم النشل، وبالنسبة لجرائم القتل فانخفضت أرقام جرائم القتل والشروع فيه خلال هذه الفترة بنسبة 25% عن معدلها في العام الذي سبق الحرب.
بينما ذكرت السجلات الأمن العام في ذلك التوقيت تسجيل 63 محضر جناية قتل وشروع فيه مقابل 82 جناية في عام 1972، ومن خلال بيانات وزارة الداخلية فإن الجرائم السياسية والجنائية قد اختفت مع الطلقة الأولى لحرب أكتوبر، حيث أن وزارة الداخلية وقتها لم تتلق أية إخطارات أو بلاغات تمثل مصدر خطورة.
انضمام المجرمين للمقاومة الشعبية
من جانبه، يقول الدكتور أحمد الجنزورى، أستاذ القانون الجنائى والمحامى بالنقض، إن الأغلبية العظمى من البلطجية واللصوص خلال تلك الفترة العصبية عادة ما كانوا ينضمون لحركات المقاومة الشعبية، وذلك طبقا لما كشفت عنه الإحصائيات والتقارير الصادره عقب المعركة.
الخارجون عن القانون-بحسب «الجنزورى» فى تصريح لـ«صوت الأمة» تمكنوا خلال حرب 73 من تشكيل جبهة مقاومة قوية نتج عنها أثار سلبية للعدو لأنهم كانوا يتعاملون معهم بطريقة حرب العصابات التى تشبه حروب الشوارع، ما أدى الى تكبد العدو خسائر فادحة.
اقرأ أيضا: حكايات وأسرار من محبرة الجمسي.. "الجنرال المخيف" يروي مذكراته عن حرب أكتوبر
حال الشعب وقت الحرب
فيما أكد الدكتور أحمد مهران، أستاد القانون العام ومدير مركز القاهرة للدراسات السياسية والقانونية، أن مسألة تراجع معدل الجريمة وقت حرب 73 يرجع للعديد من العوامل النفسية والإجتماعية للشعب المصرى الذى تظهر فيه بشكل واضح التضحية والإثار والتسامح فى الشدائد والأزمات، وها ما كشفت عنه احصائيات وتقارير وزارة الداخلية التى سجلت عدم وجود بلاغات أو محاضر لمدة 3 شهور قبل الحرب وبعدها واكتملت المدة حتى نصف نوفمبر.
ووفقا لـ«مهران» فى تصريح خاص فإن الجريمة تراجعت فى حرب أكتوبر 73 نتيجة الشعور بالحس الوطنى لدى المصريون بضرورة تغييب المصلحة العامة وتجميد الخلافات الشخصية، ولذلك كانت المجالس العرفية داخل الأحياء والقرى هى التى تقوم بحل النزاعات القائمة، فعلى سبيل المثال لا الحصر لم تسجل حالة سرقة واحدة رغم أن أصحاب المحلات كانوا يتركون محلاتهم فى العراء دون حراسة فى أوقات الغارات لتكاتف الشعب.
جُل ميزانية الدولة المصرية فى تلك الفترة كانت تذهب للجيش المصرى، ما أدى إلى اقتسام لقمة العيش بين المصريين ببعضهم البعض خاصة أهل السويس والإسماعيلية، لإن هذه الأسباب متعلقة بالدفاع عن الأرض والشرف فعندما انتهت الحرب انتهى معها الإيثار والإخاء والتكافل الإجتماعى التى كانت موجودة فى الشدائد-هكذا يقول «مهران» .