حفظ النفوس مقدم على أداء العبادات "جماعة".. كيف أجابت دار الإفتاء على غلق الصيدليات لأداء الصلاة؟
الأربعاء، 05 سبتمبر 2018 10:00 ص
تلقت دار الإفتاء المصرية، سؤالا حول حكم الإسلام في قفل الصيدلية وقت الصلاة لأكثر من نصف ساعة وترك الحالات المَرَضِيَّة دون أن توجد بين الصيدليات صيدلياتٌ مُناوِبة؟ وهل يجوز للصيدلي أن يؤدي صلاته في مكان عمله ويتابع صرف الدواء للمرضى أصحاب الحالات الحرجة؟
وقال الدكتور شوقي علام، مفتي الجمهورية، إنه من المقرَّر شرعًا أن علاج المرضى وإنقاذ المصابين وإغاثة الملهوفين والمنكوبين من الواجبات الأساسية على المسلمين؛ لأنها تعد أهمَّ الضروريات المقاصدية الخمس التي قام على أساسها الشرع الشريف، وهي ضرورة حفظ النفس؛ حيث إنها تدخل دخولًا أساسيًّا فيها.
أضاف، أن ضرورة حفظ النفس هذه هي حقٌّ لله تعالى أوَّلًا قبل أن تكون حقًّا للعباد، ولذلك ارتقت الشريعة بها من الحقوق إلى الواجبات، ومن أجل ذلك حرَّم الله تعالى الانتحارَ وإيذاءَ الشخص لنفسه وإهلاكَهُ لها، فقال جل شأنه: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ۞ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرًا﴾ [النساء: 29-30]، وقال تعالى: ﴿وَلَا تُلْقُواْ بِأَيۡدِيكُمۡ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾ [البقرة: 195].
واستكمل: وعلى ذلك: فكما أن أداء العبادات من حقوق الله تعالى على عباده، فإن حفظ النفوس أيضًا من حقوق الله تعالى على عباده، غير أن حفظ النفوس يزيد على أداء العبادات بأنه يجمع بين كونه حقًّا لله تعالى من جهة، وبين كونه حقًّا للعباد من جهةٍ أخرى؛ قال الإمام العز بن عبد السلام في موضعٍ آخر من "قواعد الأحكام" (1/ 173) تَحْتَ فصلٍ عقَدَهُ بعنوان: [الفصل السادس فيما يتقدم من حقوق الرب على حقوق عباده: وليس تقديمُ إنقاذ الغَرْقَى وتخليص الهَلْكَى على الصلوات من هذا الباب، وإنما هو من باب تقديم حق الله وحق العباد على الصلوات]
ويقول الشيخ محمد بن علي بن حسين مفتي المالكية بمكة المكرمة في عصره في "تهذيب الفروق والقواعد السنية في الأسرار الفقهية" (2/ 200-201، ط. عالم الكتب): [إذا تعارضت الحقوق قدم منها أحد ثلاثة أنواع على ما يقابله: النوع الأول: ما جَعَلَه صاحبُ الشرع مُضَيَّقًا -مِن حيث إن التضييق يُشعِر بكثرة اهتمامه به- يُقدَّم على ما جَوَّز للمكلَّف تأخيرَه وجَعَله مُوَسَّعًا عليه، ومن ذلك تقديم ما يُخشى فواتُه على ما لا يُخشى فواتُه وإن كان أعلى رُتبةً مِنه، وله نظائرُ كثيرةٌ في الشريعة.. ومنها: تقديم صَوْن النفوس والأعضاء والمنافع على العبادات؛ فيُقَدَّم إنقاذُ الغريق والحريقِ ونحوِهِما -إذا تَعيّن ذلك عليه- على الصلاة ولو كان فيها أو خشي فوات وقتها] اهـ.
وعليه: فإنَّ على مجموع الصيدليات في هذه القرية أن تنظِّم فيما بينها نوباتِ العمل المُستمِرِّ ليلَ نهار؛ بحيث لا يخلو وقتٌ من العدد المناسب من الصيدليات التي تقوم بأداء هذا الفرض الكفائي، واستقبال الحالات الحرِجة والمفاجِئة، والتي قد تتدهور بالتأخير القليل؛ فإنّ ذلك مِن باب فروض الكفاية التي إذا عمل بها البعضُ سَقَطَ عن الباقين، وإن تركوها كُلُّهم أثِموا جميعًا، وليعلموا أن هذه المُناوَبةَ نوعٌ مِن الرباط في سبيل الله.
وهذا هو ما ينص عليه القانون المصري رقم (127) لسنة 1955م في مادته الثامنة والثلاثين التي تحدد مواعيد العمل بالصيدليات وما يتبعه من الإجازات السنوية والراحة الأسبوعية والأعياد الرسمية ونظام الخدمة الليلية بقرارٍ يصدره وزير الصحة العمومية بعد أخذ رأي نقابة الصيادلة؛ بحيث لا تقل ساعات العمل اليومية عن ثماني ساعات، وبحيث يضمن وجود عدد من الصيدليات مفتوحة في جميع الأوقات.
وبناءً على ذلك، فإنه لا يجوز شرعًا اجتماع جميع الصيدليات على الإغلاق وقت الصلاة، ولا سيما لوقتٍ طويل يفوت بمروره إنقاذ من أشرف على الهلاك أو خِيفَ من تَدَهْوُر حالته الصحية؛ لأن في ذلك فواتَ حفظِ النفوس الذي هو مقدَّمٌ في الشرع الشريف على أداء العبادات جماعة، ويجب تعيين إحدى الصيدليات في المنطقة الواحدة لتقوم بواجب توفير حوائج المرضى، وبذلك يسقط الإثم عن الباقين، وإلَّا أَثِم الجميع بترك الواجب، كما أنه يجوز للصيدلي أن يؤدي صلاته في مكان عمله ويتابع صرف الدواء للمرضى.