موت جون ماكين.. رحل حامل قنابل النار وجالب السلام إلى فيتنام
الأحد، 26 أغسطس 2018 10:00 م
ودع العالم صباح اليوم أحد اهم الساسة الأمريكيين، وهو جون ماكين، صاحب السيرة الذاتية المثيرة للإعجاب حينا، وللجدل فى أحيان أخرى، عن عمر يناهز 81 عاما، بعد أن أعلنت أسرته قبل يومين أنه توقف عن تلقى العلاج من سرطان المخ الذى أعلن إصابته به فى يونيو من العام الماضى، إلا أنه ظل محتفظا بمقعده فى مجلس الشيوخ حتى اللحظة الأخيرة من حياته، وظل أيضا مشاركا فى العديد من الفعاليات.
ولعل أبناء المنطقة العربية يعرفون جون ماكين فى موقفين، الأول هو ترشحه فى انتخابات الأمريكية عام 2008 عن الحزب الجمهورى، فى مواجهة مرشح الحزب الديمقراطى باراك أوباما، والذى استطاع اقتناص المقعد منه، والثانى هو موقفه من "ثورات الربيع العربى"، والذى رأى فيه الكثيرين موقع جدل هام، خاصة وأنه زار المناطق التى تسيطر عليها مجموعات معارضة فى سوريا، وطالب بإمدادها بالسلاح، على الرغم من ارتباطها الضخم بجماعات إرهابية مسلحة مثل تنظيم جبهة النصرة، وكذلك موقفه المناهض لثورة 30 يونيو.
لكن قبل نحو 50 عاما كان ماكين ملء السمع والبصر فى الولايات المتحدة الأمريكية، إذ أنه كان نجل أدميرال البحرية الأمريكية، الذى أسقطت طائرته عام 1967 فوق العاصمة الفيتنامية هانوى، إبان حرب فيتنام، على الأرجح لولا الكثير من المصادفات فإن الموت كان ينتظر جون ماكين فى اثناء هبوطه من الطائرة المشتعلة، فقد تسببت طلقات المدفعية المضادة للطيران من إصابته بشدة، حيث كسرت قدماه، وذراعيه، وعدد من ضلوعه، وسقط أيضا فى بحيرة بالقرب من العاصمة، ما يعنى أنه كان على وشك الغرق.
لكن الاقدار ساقت له عدد من المزارعين الذين انتشلوه من البحيرة، وسريعا أحاط الحشد الغاضب بالسيناتور الأمريكى واوسعوه ضربا، ما أدى إلى أصابته بكسر آخر فى الكتف، على الأرجح كان جون ماكين سيلقى حتفه بسهولة فى هذه اللحظات، إذ وصل إلى المستشفى وتبين للأطباء صعوبة معالجته، لكن بمجرد أن تم معرفة حقيقة من هو وكون والده أدميرال البحرية الأمريكية صدرت الأوامر بمعالجته لكن دون إعطاؤه مسكنات.
كتب القدر والصحة الجيدة لجون ماكين الحياة، وعلى الفور بمجرد استعادته الوعى استخدم جون ماكين كآلة للدعاية الفيتنامية المضادة للحرب، وظهر أكثر من مرة فى شرائط دعائية فيتنامية يعترف فيها بعمليات القاء قنابل النابالم الحارقة على أماكن مدنية، وعن جرائمه، وفى احيان اخرى استخدم اظهار مدى إصابته لبث روح الضعف فى الجيش الأمريكى.
وضع جون ماكين فى زنزانة فردية، وفى المرات القليلة التى رآه المرافقون له فى المعتقل اعتقدوا انه لن يصمد،فقد الرجل 23 كيلو جرام من وزنه، تحول شعر رأسه إلى الأبيض الفاتح، لكنه استطاع الصمود،وتحول فى بلده إلى رمز لقضية "الأسرى الأمريكيين" هذه القضية التى ستطيل وبشدة من توقيت الحرب الأمريكية الفيتنامية، إذ أعلنت الولايات المتحدة الأمريكية استعدادها لسحب قواتها من فيتنام بمجرد الإفراج عن الأسرى الأمريكيين، لكن فى المقابل فإن فيتنام الشمالية رفضت هذا الطرح وطالبت بسحب القوات أولا وبعدها الإفراج عن المسجونين، وظلت مشكلة أيهما يكون أولا عالقة لنحو 3 سنوات كاملة أضيفت لعمر الحرب، ولأعداد الضحايا بالطبع.
فى أثناء وجوده فى السجن تولى والد جون ماكين منصب قائد القوات الأمريكية فى فيتنام، وعرضت هانوى كبادرة سلام الإفراج عن جون ماكين وحده، لكن الإدارة الأمريكية رفضت هذه المبادرة وطالبت بالإفراج عن الجميع.
فى عام 1973 توصل الفيتناميين والأمريكان أخيرا إلى اتفاق هدنة ينهى الحرب، تم توقيعه فى باريس، وبالفعل رضخ الأمريكيين وسحبوا القوات أولا فتم الإفراج عن الجنود المحتجزين ومن بينهم جون ماكين الذى عاد إلى بلاده مصابا بشدة وظهر فى لقاء مع الرئيس الأمريكى ريتشارد نيكسون وهو يسير على عكازين.
بعد 9 أعوام أخرى فى الجيش الأمريكى ، قدم جون ماكين استقالته ليتقدم إلى انتخابات الكونجرس الأمريكى، وبالفعل انتخب لمجلس الشيوخ عن ولاية أريزونا عام 1982، وكانت أول مبادراته بالتعاون مع محارب سابق آخر من الحزب الديمقراطى المنافس هو "جون كيرى" فى مسألة إعادة العلاقات الأمريكية الفيتنامية، وبالفعل شارك جون ماكين فى انهاء كل المساءل العالقة بين البلدين وعلى راسها معرفة مصير 2500 مفقود امريكى وإعادة رفات الجنود المفقودين، وبالفعل زار جون ماكين فيتنام فى عام 1987 أى بعد 20 عاما من سقوط طائرته، حيث زار الموقع الذى سقطت فيه الطائرة، وزار زنزانته، وعلى مدار الأعوام التالية زار جون ماكين فيتنام لأكثر من 20 مرة، وفى عام 2000 اصطحب أسرته ليريهم مكان أسره.
وبوصول الرئيس الأمريكى بيل كلينتون إلى الحكم تم اتخاذ اولى الخطوات فى إعادة العلاقات الأمريكية الفيتنامية، حيث تم افتتاح سفارة امريكية فى فيتنام، وكان الرئيس الأمريكى باراك أوباما اول رئيس امريكى يزور فيتنام بعد الحرب، معلنا للعالم أن هذه الزيارة هى دعوة للسلام وإنهاء كل المنازعات عديمة الجدوى فى العالم.