يقتلون أبناءهم لتقديمهم قرابين للجان.. متى ينتهى هوس التنقيب عن الآثار بمصر؟
الأحد، 26 أغسطس 2018 02:00 م
كثير من الناس يبحثون عن تحقيق الثراء السريع عن طريق التنقيب عن الآثار، أو تهريب القطع الأثرية التى نقب عنها آخرون إلى الخارج، وهناك أيضا من يبحثون عن الثراء السريع بالتوسط فى صفقات بيع وتهريب القطع الأثرية النادرة والكنوز والكتب والوثائق التاريخية إلى من يملك المال سواء داخل أو خارج البلاد.
مئات الحالات من التنقيب عن الآثار أسفل المنازل القديمة، وبالأماكن التى تقع بمحيط المعابد والمتاحف المنتشرة فى ربوع مصر، تحدث يوميا، وتكتشف الشرطة العديد منها، وتضبط المتورطين فيها، سواء متلبسين بقطع أثرية تم استخراجها بالفعل جراء التنقيب، أو بحوزتهم أدوات الجريمة مثل «أدوات الحفر، والأحبال، والسلالم، ومواتير رفع المياه، وأدوات نقل الأتربة والمخلفات الناتجة عن التنقيب، أو بعض المواد التى يعتقد أنها تساعد فى فتح المقابر الفرعونية»، إلى جانب ضبط دجالين أو مشعوذين أو خرائط قد يستخدمها هؤلاء فى الوصول لمكان الأثر.
ومازلت ظاهرة التنقيب عن الآثار تنتشر يوما بعد يوم، خاصة بعد فترة الإنفلات الأمنى التى تزامنت مع ثورة 25 يناير 2011، والتى نهب خلالها المنقبون ومافيا الكنوز الأثرية أكثر من ثلث آثار مصر، بحسب عالم الآثار العالمى الدكتور زاهى حواس، حيث كانت آخر وقائع التنقيب عن الآثار فى محافظة الفيوم، حيث تم ضبط 7 متهمين بالتنقيب عن الآثار بمنطقة الكنز الأثرية بقرية هوارة.
كما ألقت أجهزة الأمن بالقليوبية، القبض على تشكيل عصابي يضم 8 أفراد، بتهمة التنقيب عن الآثار أسفل منزل بعمق 8 أمتار بحارة درب السوق فى قرية ميت حلفا، فيما لقى شخصين مصرعهما، وأصيب ثالث بجروح وكدمات، أثناء أعمال التنقيب عن الآثار بإحدى قرى كفر الشيخ، حيث انهالت عليهم الحفرة، كما تم ضبط أخصائية اجتماعية و5 عمال استعانت بهم للتنقيب عن الآثار أسفل منزلها فى محافظة أسيوط بعد اعترافهم بالواقعة أمام جهات التحقيق.
ويرتبط بظاهرة التنقيب عن الآثار فى مصر عدة خرافات وخزعبلات، حيث يطلب الدجالون أو النصابون الذين يوهمون ضحاياهم بأنهم على بعد خطوات قليلة من تحقيق حلم الثراء السريع، من أجل فتح مقبرة معينة، أو الوصول لقطعة أثرية ما، أن يذبحون طفلا صغيرا أو حديث الولادة، بزعم تقديمه قربانا للجان الذى سيقوم بفك ما يسمونه «الرصد الفرعوني»، إلى كما يطلبون الأموال الكثيرة فى سلسلة لا تنتهى من الابتزاز والخداع بزعم سماح الجان بدخولهم إلى تلك المقابر الوهمية والحصول على ما بداخلها من قطع أثرية، ومن ثم تحقيق حلم الثراء المزعوم.
وفى هذا السياق أيضا، ألقت أجهزة الأمن بسوهاج القبض على تشكيل عصابى من 3 أشخاص أثناء تنقيبهم عن الآثار داخل منزل بمركز دار السلام، وبالفحص عثر رجال الأمن على جثة طفلة لم يتعد عمرها 9 سنوات بها آثار ذبح، وبالتحرى حول الواقعة، تبين أن الطفلة المقتولة ابنة أحدهم، كما تبين أنه ذبحها بعد أن أوهمه أحد المشعوذين بتقديمها قربانا للجان الذى سيفتح لهم المقبرة.
لم تكن تلك الواقعة الأولى من نوعها، ففى العام الماضى، أقدم عامل على ذبح ابنة جاره التى لم يتعد عمرها الـ7 سنوات، وذلك بعد أن أوهمه دجال أيضا بضرورة تقديمها قربانا للجان الذى سيفتح له إحدى المقابر الفرعونية، ومن ثم الحصول على ما بداخلها من قطع أثرية، لتحقيق حلم الثراء السريع.
حكايات وقصص كثيرة لا تنتهى حول هوس التنقيب عن الآثار بمصر من أجل تحقيق حلم الثراء السريع دون أدنى جهد أو مشقة، وحول تلك الأزمة التى تهدد أمن الدولة القومى، قال اللواء محمد نور الدين، مساعد وزير الداخلية الأسبق، إن حلم الثراء السريع يوقع بضعاف النفوس فى شباك النصابين، خاصة الذين يتمكنون من مداعبة غريزة الطمع لدى البعض، ومن ثم النصب عليهم والاستيلاء على أموالهم بمزاعم كثيرة أشهرها تحقيق ثروات طائلة وسريعة بالتنقيب عن الآثار.
مساعد وزير الداخلية الأسبق، أكد أيضا تعدد وسائل النصب وإقناع المواطنين بالتنقيب عن الآثار، مشيرا إلى أنه بعد أن كان ذلك يتم من خلال رسائل مجهولة عبر الهاتف المحمول تخبرك بالعثور على قطع أثرية، ظهر مؤخرا جهاز جديد يستغله النصابون فى إيهام ضحاياهم، خاصة بالمناطق الشعبية، بقدرة ذلك الجهاز على كشف الآثار قبل البدء فى التنقيب، مشيرا إلى أن سعره الذى يتراوح بين 25 ألف جنيه وحتى 50 ألفا يسهل مهمة النصاب.
وأشار اللواء محمد نور الدين، مساعد وزير الداخلية الأسبق، إلى اطمئنان النصاب لعدم إبلاغ ضحيته أجهزة الأمن خشية المساءلة القانونية، موضحا أنه خلال فترة عمله مديرا لأمن الأقصر تم ضبط العديد من قضايا التنقيب عن الآثار، مشيرا إلى أن التحقيقات فى بعض تلك القضايا كانت تكشف عن أن البعض يذبح طفله ليقدمه قربانا للفراعنة، بعد أن يوهمه الدجالون بفعل ذلك للحصول على الكنز، مؤكدا أن ذلك يعتبر قمة الجهل والتخلف والبعد عن الدين.
وعلى صعيد آخر، قالت الدكتورة فوزية عبد الستار، أستاذ القانون الجنائى، إن ظاهرة التنقيب عن الآثار انتشرت فى المجتمع إلى درجة تستدعى سرعة دراسة وتحليل أسبابها، مؤكدة أن القانون وحده لا يكفى للتصدى لتلك الجريمة، مشددة على ضرورة الوقوف على الأسباب التى أدت لانتشار هذه الظاهرة، ومن ثم البدء فى مرحلة المواجهة والعلاج.
أمين عام الاتحاد العام للأثريين العرب، الدكتور محمد الكحلاوى، شدد أيضا على ضرورة وضع الدولة لخطة مكبرة تشترك فيها وزارات الآثار والداخلية والثقافة، إلى جانب مؤسستى الأزهر والكنيسة، لمواجهة ظاهرة التنقيب عن الآثار، من خلال توعية المواطنين بخطورة تهريب آثار الدولة للخارج، إلى جانب توضيح مدى خطورة الآثار السلبية الأخرى للظاهرة
أمين عام الاتحاد العام للأثريين العرب، أوضح أيضا أن عدم وعى المواطنين بخطورة تلك الظاهرة يتسبب فى انتشارها، ووقوعهم ضحية للنصابين والدجالين المتخصصين فى مجال النصب بزعم التنقيب عن الكنوز الأثرية، مشددا على ضرورة سرعة مواجهة تلك الظاهرة لما لها من مردود سيئ على أمن المجتمع، خاصة لأن الأمر يتعلق بالأمن القومى للبلاد وآثارها.
ومن الناحية القانونية نجد أن المادة 41 من قانون حماية الآثار رقم 117 لسنة 1983، والمعدل بالقانون رقم 3 لسنة 2010، والقانون رقم 61 لسنة 2010، تنص على أنه «يعاقب بالسجن المؤبد وبغرامة لا تقل عن مائة ألف جنيه ولا تزيد على خمسمائة ألف جنيه كل من قام بتهريب أثر إلى خارج مصر أو اشترك فى ذلك، ويحكم فى هذا الحالة بمصادرة الأثر محل الجريمة والأجهزة والأدوات والآلات والسيارات المستخدمة فيها لصالح المجلس».
فيما نصت المادة 42 من نفس القانون على أنه «يعاقب بالسجن المشدد، وبغرامة لا تقل عن خمسين ألف جنيه ولا تزيد على مائة ألف جنيه كل من سرق أثراً أو جزءاً من أثر أو اشترك فى شيىء من ذلك سواء أكان الأثر من الآثار المسجلة المملوكة للدولة أو المعدة للتسجيل أو المستخرجة من الحفائر الأثرية للمجلس أو من أعمال البعثات والهيئات والجامعات المصرح لها بالتنقيب، ويحكم فى هذا الحالة بمصادرة الأثر والأجهزة والأدوات والآلات والسيارات المستخدمة فى الجريمة لصالح المجلس».
كما تنص المادة 42 من القانون أيضا على أنه «يعاقب كل من هدم أو أتلف عمداً أثراً منقولاً أو ثابتاً أو شوهه أو غير معالمه أو فصل جزءاً منه عمداً أو اشترك فى ذلك، أو أجرى أعمال الحفر بقصد الحصول على الآثار دون ترخيص أو اشترك فى ذلك بالسجن والغرامة التى لا تقل عن مائة ألف جنيه، ولا تزيد على مائتين وخمسين ألف جنيه، إذا كان الفاعل من العاملين بالمجلس الأعلى للآثار، أو من مسئولى أو موظفى أو عمال بعثات الحفائر، أو من المقاولين المتعاقدين مع المجلس أو من عمالهم».
أما المادة 42 مكرر من القانون فتنص على أنه «يعاقب بالسجن المشدد وبغرمة لا تقل عن مليون جنيه ولا تزيد على مليونى جنية كل من سرق أثراً أو جزءاً من أثر مملوك للدولة، وتكون العقوبة السجن لمدة لا تجاوز 5 سنوات والغرامة المنصوص عليها فق الفقرة الأولى لكل من قام بإخفاء الأثر أو جزء منه إذا كان متحصلاً من أيه جريمة، وفى جميع الأحوال يٌحكم بمصادرة الأثر والأجهزة والأدوات الآلات والسيارات المستخدمة فى الجريمة لصالح المجلس الأعلى لللآثار».
فيما تنص المادة 43 من نفس القانون على أنه «يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن ثلاث سنوات ولا تزيد على خمس سنوات وبغرامة لا تقل عن عشرة آلاف جنيه ولا تزيد على خمسين ألف جنيه كل من نقل بغير إذن كتابى صادر من المجلس أثرا مملوكا للدولة أو مسجلا أو نزعه من مكانه، حول المبانى أو الأراضى الأثرية أو جزءا منها إلى مسكن أو حظيرة أو مخزن أو مصنع أو زرعها ، أو أعدها للزراعة أو غرس فيها أشجارا أو اتخذها جرنا أو شق بها مصارف أو مساقى أو أقام بها أية إشغالات أخرى أو اعتدى عليها بأية صورة كانت بدون ترخيص طبقاً لأحكام هذا القانون، زيف أثراً من الآثار القديمة».
اقرأ أيضا:
بعد العثور على مدينة أثرية في المنيا.. كيف تتصدى الدولة لمافيا الكنوز التاريخية؟
حكاية تقديم قرابين من البشر لشيطان الطلسم: الرصد والتنقيب عن الآثار
مواقع مزعومة لتعليم التنقيب عن الآثار.. عندما تسود الخرافات شبكة الإنترنت