لماذا نصمت على الفساد؟
الجمعة، 24 أغسطس 2018 11:36 ص
كم من مرة رأيت فسادًا في محيطك، وحاولت تغييره، لكنك اصطدمت بأساطين الفساد، ولم تفلح محاولاتك في التغيير؟ كم من مرة رأيت فسادًا وأغلقت فمك، ولم تبلغ الأجهزة المعنية، على الرغم من أنك تعرف الحقيقة، وتعرف الفاسدين، والمرتشين، والمهملين، والمقصرين، والذين لا هم لهم إلا «تعطيل المراكب السايرة»؟
في واقعة شهيرة، رواها لي صديقي المؤرخ المنوفي «هيمادوت»، قال إن «طاهر شريف رع» إله النزاهة عند المصريين القدماء، نزل من سمائه وتخفي بين عصابة- أي جماعة- من الموظفين المنحرفين الفاسدين، وحاول أن يجعل منهم موظفين مخلصين مجتهدين، شرفاء، طاهري اليد، مستيقظي الضمير.
ويقال إن «شريف رع» مكث أكثر من عامين يحاول فيهما تغيير عقلية الفاسدين، وإحياء ضمائرهم من جديد، وأن يذكرهم بكل ما من شأنه أن يغير سلوكهم نحو الأفضل.. وعلى الرغم من أن وجوه الموظفين كانت تنضح بالاستجابة لمحاولات إله النزاهة، إلا أن قلوبهم كانت تضمر عكس ذلك تماما، وليس لديها حتى مجرد النية في التغيير إلى الأفضل، أو جعلهم مواطنين طاهريم، صالحين، مخلصين.
ولما ضاقوا به ذرعًا دبروا مكيدة لـ«إله النزاهة»، وفي غفلة منه، جعلوه يوقع على أوراق وعقود دون أن يطلع على فحواها، فكانت النتيجة أن «لبس الخازوق» وتورط في قضية فساد كبيرة كانت حديث أهل طيبة- آنذاك- وألقي القبض عليه، وأصدرت محكمة النزاهة ضده أحكامًا رادعة؛ ليكون عبرة لمن يعتبر!
كان الفساد في طيبة استثناء فصار قاعدة، وأصبح مدعاة للتفاخر والتباهي و«الفهلوة»، بعدما كان مستقبحًا، مستنكرًا، مستقذرًا.. وانتقلت طيبة العظيمة من مرحلة «فساد الدولة» إلى «دولة الفساد»، وأبهرنا العالم في إدارتنا للفساد، ومكافأة الفاسدين- كما روى صديقي هيمادوت.
وبعيدًا عن تأليف القصة من البداية إلى النهاية، إلا أننا من الممكن أن نخرج منها بعبرة وعظة، مفادها: «محاربة الشرفاء والمخلصين والمجتهدين، في المجتمع الفاسد»، أو «لكي تكون واحدًا مننا فلازم تكون فاسدًا زينا».
تقول الأسطورة إن ثلاثة أشخاص (عالم دين، ومحامٍ، وعالم فيزياء)، حُكِم على ثلاثتهم بالإعدام بالمقصلة، وعند لحظة الإعدام تقدّم عالم الدين ووضعوا رأسه تحت المقصلة وسألوه: هل هناك كلمة أخيرة تريد أن تقولها قبل تنفيذ الحكم؟ فقال: الله، الله، الله سينقذني.
وعند ذلك أنزل القائمون على تنفيذ الحكم المقصلة على عنق عالم الدين، لكنها قبل أن تصل إلى حيث أرادوا توقفت، فتعجّب النّاس، وقالوا: أطلقوا سراح عالم الدين، فقد قال الله كلمته فيه.. وبالفعل نجا عالم الدين.
ثم جاء دور المحامي، واقتادوه إلى المقصلة، وسألوه: هل لك من كلمة أخيرة تودّ أن تقولها قبل تنفيذ الحكم بإعدامك؟ فقال: أنا لا أعرف الله كعالم الدين، ولكن أعرف أكثر عن العدالة، العدالة، العدالة.. العدالة هي التي سينقذني..
وعندها أنزل القائمون على تنفيذ الحكم المقصلة على عنق المحامي، لكنها قبل أن تصل إلى حيث أرادوا توقفت، فتعجّب النّاس، وطالبوا بإطلاق سراح المحامي، بعد أن قالت العدالة كلمتها.. وفعلًا نجا المحامي.
وأخيرا جاء الدور على عالم الفيزياء، وسألوه نفس السؤال الذي طرحوه على سابقيه: هل من كلمة أخيرة تودّ أن تقولها؟ فقال: أنا لا أعرف الله كعالم الدين، ولا أعرف العدالة كالمحامي، ولكنّي أعرف أنّ هناك «عقدة» في حبل المقصلة تمنعها من النزول.. فنظروا للمقصلة ووجدوا ما قاله عالم الفيزياء صحيحًا، فما كان منهم إلا أن أصلحوا العقدة، ثم أنزلوا المقصلة على رأس الفيزيائي، ففصلت رأسه عن جسده.
يقول الشرع الحنيف: «الساكت عن الحق شيطان أخرس»، و«مَنْ رأى منكم فليغيره بيده، وإن لم يستطع فبلسانه، وإن لم يستطع فبقلبه، وهذا أضعف الإيمان».
بينما تقول الحكمة: «من الحماقة أن تكون صادقًا وذكيًا في كل المواقف»!