40 سنة من العداء المحتدم.. هل تقتص واشنطن لشاه إيران بعد 29 عاما من وفاة الخميني؟
الأربعاء، 18 يوليو 2018 10:00 صحازم حسين
بدأ الأمر في العام 1978، مع اندلاع المظاهرات الأولى التي قادت إلى الثورة الإيرانية، وخروج الشاه محمد رضا بهلوي من البلاد إلى منفاه، واتخاذ الولايات المتحدة موقفا من الأمر، تطور إلى حالة عداء محتدمة.
في الشهور الأولى للثورة بدت الولايات المتحدة داعمة للشاه محمد رضا بهلوي، ومع تطور الاحتجاجات واضطرار "بهلوي" لمغادرة طهران إلى المنفى في يناير 1979، وترك الحكم لمجلس الوصاية الملكي ورئيس الوزراء المعارض. رفضت الولايات المتحدة الأمريكية استقباله، لكنها ظلت على توجسها وموقفها المتحفظ تجاه التحركات الإيرانية.
لاحقا عاد الخميني في الأول من فبراير، بعد 14 سنة قضاها في منفاه بفرنسا، وفي غضون شهور قليلة نجح بمعاونة تابعيه من المراجع الدينية والطبقات الفقيرة السيطرة على الأمور، ونظّم استفتاء حوّل إيران إلى جمهورية إسلامية، ما زاد من توجس الولايات المتحدة وقلقها، وزاد بالتبعية من عداء النظام الجديد في إيران تجاهها.
أزمة السفارة وتطوير العداء
ظل العداء بين الولايات المتحدة والنظام الديني صاعد في إيران في نطاق المواقف الدبلوماسية والتصريحات المتحفظة من المسؤولين والدبلوماسيين، ولكن لم يطل أمد هذا الترقب الرمادي، إذ تطور الأمر لاحقا باقتحام مجموعة من الطلبة الإسلاميين الموالين لنظام الخميني، مقر السفارة الأمريكية في طهران، في الرابع من نوفمبر 1979، ليأخذ العداء منحى عمليا.
عملية الاقتحام أسفرت عن احتجاز 52 أمريكيا من الدبلوماسيين والعاملين في طاقم السفارة، وعلى مدى شهور تالية حاولت الولايات المتحدة التفاوض لإنهاء الأمر بشكل هادئ، ولكن لم تسفر المفاوضات عن نتيجة إيجابية، فكان التحرك الأكثر درامية في الأزمة بتنفيذ واشنطن تحركا عسكريا في أبريل 1980 لتحرير الرهائن بالقوة، وهي العملية التي دُمّرت فيها طائرتان وقُتل ثمانية عسكريين أمريكيين ومدني إيراني.
عاد الأمر للمربع صفر، وظل في سكونه المرعب شهورا أخرى، حتى أثمرت المفاوضات والوساطات الدولية وقادت لحالة من التقارب بين البلدين، كانت نتيجتها توقيع اتفاقية الجزائر في التاسع عشر من يناير 1981، في اليوم التالي أدى الرئيس الأمريكي رونالد ريجان اليمين رئيسا للولايات المتحدة، وبعد دقائق أفرجت إيران عن الرهائن، بعد 15 شهرا تقريبا من الاحتجاز (444 يوما)
ميراث أسود يحكم البيت الأبيض
الأزمة التي بدأت في مطلع السنة الثالثة من حكم الرئيس الأمريكي جيمي كارتر، كانت سببا مباشرا في هزيمته بالانتخابات الرئاسية التي جرت أواخر العام 1980، ورغم أن خليفته "ريجان" أحرز تقدما خلال فترة تسلّم الملفات بين نوفمبر 1980 ويناير 1981، إلا أنه لم يتخلّ عن تحفظه تجاه إيران، التي بدأ ميراثها الأسود مع البيت الأبيض.
قضى "ريجان" سنوات رئاسته محافظا للغاية في علاقته مع الدولة الشيعية، وبدأ البيت الأبيض مسيرة طويلة من تناقل الميراث الأسود مع إيران من إدارة لأخرى، تصاعد الأمر في أوقات وهدأ في أوقات، لكن ظل العداء قائما، سواء كان مكتوما أو معلنا.
في سنوات الحرب العراقية الإيرانية الطويلة، دعمت إدارتا ريجان وجورج بوش الأب نظام صدام حسين في مواجهة دولة الخميني (تُوفي في العام 1989)، ولم تنحرف إدارة بل كلينتون عن هذا المسار كثيرا، فرغم أنها تخلت عن الأعمال العسكرية المباشرة إلا أنها مارست ضغوطا وحصارا اقتصاديا على إيران، الفترة الوحيدة التي يمكن استثنائها نوعا ما هي فترة باراك أوباما، الذي حاول تهدئة الأمور، ووقع اتفاقا نوويا مع طهران، لكنه لم يخرج من دائرة العداء أيضا، قبل أن يعود ترامب لمسار التصعيد.
إدارة ترامب تُصعّد العداء
منذ اللحظة الأولى بدا أن إدارة الرئيس الحالي دونالد ترامب لا تعترف بفكرة التهدئة أو مهادنة الدولة الشيعية ونظامها الديني، في الأسابيع الأولى أطلق ترامب تصريحات عديدة ساخنة ضد إيران، وظل الأمر في صعوده الطردي حتى أعلن الانسحاب من الاتفاق النووي مطلع مايو الماضي، ولاحقا أعلن حزمة من العقوبات الاقتصادية والعسكرية بحق إيران، أبرز بنودها حصار الصادرات النفطية وإيقافها اعتبارا من نوفمبر المقبل.
في كل مواقفه تجاه إيران ربط "ترامب" الأمر بتجاوزات طهران للقانون الدولي، وتطلعاتها النووية، ومواصلة برامجها المتقدمة للتسليح وتهديد أمن جيرانها والعالم، لكن في خلفية الأمر تبدو الصورة مرتبطة بالميراث القديم، فلو كان الصراع مرتبطا بالتسليح فإن تناميه أو خفوته سيكونان مرتبطين بوتيرة البرنامج النووي وخطط التسليح، لكن الاستراتيجية الأمريكية يبدو أنها تستهدف إسقاط النظام وليس تعطيل مسيرته.
في تصريحات أخيرة قال الرئيس الأمريكي بقدر من الفخر والزهو، إن إيران تشهد توترات وتظاهرات وأعمال شغب منذ قرار الولايات المتحدة بالانسحاب من الاتفاق النووي قبل أكثر من شهرين، وأردف نصا: "لديهم أعمال شغب فى كلّ مُدنهم، والتضخم متفشّ. هذا النظام لا يريد أن يعرف الناس أننا نقف وراءهم مئة في المئة. لديهم تظاهرات في أنحاء البلاد وقد حدثت معارك منذ إنهاء الاتفاق. لذلك سنرى".
واشنطن تسعى لإسقاط نظام الملالي
فرحة ترامب بالتوترات التي تشهدها إيران ليست فرحة عابرة، وإنما تعبيرا عن استراتيجية تسعى إليها الإدارة الأمريكية، والشاهد أن وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو عبّر عنها في وقت سابق، مؤكدا بشكل واضح أن الولايات المتحدة تسعى لإسقاط النظام في إيران.
في تصريحات خلال يونيو، قال "بومبيو" إن بلاده تدعم الإيرانيين الذين يواصلون التظاهر ضد نظام طهران، متهما الإدارة الإيرانية بـ"الفساد والظلم وعدم الكفاءة"، مشيرا إلى أن الولايات المتحدة تقف وراء الإيرانيين الساعين للتخلص من ظلم وتجاوزات النظام المسيطر على مقاليد الحكم في البلد ذي الطبيعة الدينية المنغقلة.
تصريحات بومبيو تكررت لاحقا على لسان واحد من أبرز حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية، إذ قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عقب أحد مباريات المنتخب الإيراني في بطولة كأس العالم لكرة القدم (روسيا 2018) التي انتهت قبل أيام، إن المنتخب الإيراني قدّم أداء جيدا، وإنه يدعو الإيرانيين المشاركين في احتجاجات "البازار" إلى تقديم الأداء نفسه والدفع بجدية للتخلص من النظام.
القصاص للحليف القديم
ستواصل الولايات المتحدة الأمريكية تحركاتها ضد إيران، لتعطيل برنامجها النووي وكبح جماح تطلعاتها في المنطقة، خاصة مع حضورها المزعج لواشنطن في سوريا والعراق، ومؤخرا في أفغانستان بفتح خطوط اتصال مع حركة طالبان، التي وجه ترامب مؤخرا دبلوماسييه للتواصل معها، ولكن حتى لو أحكمت الولايات المتحدة الخناق على إيران ونظامها، فإنها لن تتوقف أو تتراجع عن ضغوطها.
المؤكد أن مواقف واشنطن من طهران تحكمها الحسابات الاقتصادية والسياسية، ومصالح الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة، ولكن لا يمكن استبعاد أن جانبا كبيرا من هذا الموقف يتأسس على الميراث القديم، الإطاحة بنظام حليف، واقتحام سفارة واشنطن، واحتجاز عدد من الدبلوماسيين، وقتل ثمانية من عسكرييها، ما يُعني أن تراجع إيران عن مواقفها الحادة حاليا لن يتبعه تراجع أمريكي أو مصالحة مع نظام الملالي.. إذ يبدو أن البيت الأبيض يسعى لاستخلاص ثأر قديم، ربما كان ثأر "الشاه محمد رضا بهلوي" من عمامة الخميني السوداء.