مافيا الفساد ومصيدة هلاك الدولة
الخميس، 12 يوليو 2018 08:46 م
الـ (ف. س. ا.د) 4 حروف إذا قمت بتشبيكها معاً، تعطيك كلمة (فساد)، وعلى الرغم من قلة حروفها وسهولة نطقها، إلا أن خطورتها تكمن في أنها قلعة تدمير المجتمعات وإسقاط دول وتشتيت أسر، وقتل وتدمير وإحراق وسفك دماء وأكل أموال الناس بالباطل وفتن ليلا نهاراً، إنه الفيروس القاتل الذي يأكل الأخضر واليابس، وسبب دمار دول، قال تعالى {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (41)}، أي ظهر الحرق والقحط والآفات وكساد التجارة والغلاء والوباء وفساد النفوس، كل هذا بسبب ما فعله الناس من جرائم الفساد وآثام ليعاقب الله الناس في الدنيا ببعض أعمالهم لعلهم يرجعون عن المعاصي وفساد أنفسهم.
إن خطورة الفساد أشد جريمة في الوجود، لما يسببه من دمار وهلاك المجتمعات والدول، ولما كان هذا الموضوع متسع المجال، وأردت التكلم فيه بإيجاذ لما فيه من خطورة على المجتمعات، إن الحكيم جلت قدرته، وعلت حكمته، أراد أن يظهر، وشاء أن يعرف وهو العلي العظيم، فخلق عالم العلو ليظهر رافعاً وخلق عالم النور ليعرف نوراً هادياً، وخلق الماء ليظهر حياً لطيفاً، وخلق العرش العظيم ليعرف عظيماً، وأوجد الكرسي المحيط ليعرف محيطاً بكل شئ، وخلق عالم السفل ليعرف خافضاً، فالسموات والأرض وما تحتها دلت علي أنه الخافض الباسط، وظهور ما في الجميع دل على أنه النور الظاهر {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} النور.
وخلق الملائكة والأرواح ليظهر لطيفاً هادئاً قوياً قادراً بديعاً فتاحاً ولياً، كل هذه المخلوقات من أراضي وسموات وما فيها من أرواح عاليات لم تقم بكمال الظهور، وإتمام إشراق شمس الظاهر الغفور {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} الأحزاب.
وهنا نبدأ عن الإنسان وظلمه وفساده في الأرض وهذه هتكون مقدمة لجميع مقالات الفساد، وهذه الأية من أخطر أيات القرأن الكريم التي تعد هوية الإنسان هو المخلوق الأول، لذلك أُمرت الملائكة أن تسجد له، والإنسان كما قال الأمام علي كرم الله وجهه، رُكب من عقل وشهوة، بينما رُكب الحيوان من شهوة دون عقل، ورُكب الملك من عقل دون شهوة، أما الإنسان فركب من كليهما، فإن سما عقله على شهوته أصبح فوق الملائكة، ومن هنا يُعد المؤمن أرقي من الملائكة، أما إذا فسد في الأرض وخان الأمانة وضيعها يُعد أسوء مخلوق على الإطلاق، فالإنسان الكافر أسوء منه، والدليل قول الله عز وجل{إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ أُولَٰئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ}.
وهنا نقول بأن الإنسان إذا ضيع الأمانة، (وهي جميع ما يخصه في حياته من الأعمال الدينية والدنيوية) وإذا خان عمله يكون فاسداً ومن أشر خلق الله.
ولنتكلم أولا، عن فساد العقارات والمافيا التي تديره، وخيانة الأمانة في هذا العمل المليئ بالفساد الذي أنتشر في كل مكان، حيث أن انتشار الفساد في مافيا العقارات أستشري وكأنه فيرس وبائي مدمر لمناعة المجتمع وهلاك أموال الدول، فكثيراً ما نسمع بأن هناك عقارات انهارات في جميع المحافظات، وكل هذا بسبب جشع وطمع الإنسان وخيانته لعمله، والغش في مواد البناء بتقليل نسبة التسليح والمواصفات الهندسية المطلوبة، الأمر الذي تشيب له الولدان، فكل من يتلاعب في سلامة العقارات يعلم أنه يغش وأن هذا العقار سينهار، وأنه سيكون سبباً في القتل العمد، وكثيراً ما تميل بعض العقارات، ويعلم صاحبها بهذه الكارثة حتى ولو أنها مالت 4سم فقط، وأنه يمكن معالجتها ببعض الأمور الهندسية البسيطة، وللأسف يتم إهمال المعالجة التساهل إلى أن تقع الكارثة، فما جزاء هؤلاء؟
وأترك الإجابة في كتاب الله، ثم علي بعض رجال القانون والمتخصصين في القوانين الجنائية، قال تعالى {مِنْ أَجْلِ ذَٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ۚ وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم بَعْدَ ذَٰلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ}، وقوله تعالى {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ۗ وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ ۖ إِنَّهُ كَانَ مَنصُورًا}، وقوله {وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا}، كما قال صل الله عليه وسلم {إنَّ دِماءَكُم، وأمْوالَكم وأعْراضَكُم حرامٌ عَلَيْكُم كَحُرْمة يومِكُم هَذَا، في شهرِكُمْ هَذَا، في بلَدِكُم هَذَا، ألا هَلْ بلَّغْت}.
وهنا، فإنه ينبغي على ولاة الأمور والذين مكنهم الله في الأرض، أن يضربوا بيداً من حديد على هؤلاء الفاسدين الذين يعرضون حياة البشر للخطر وللموت عمداً، لقوله صل الله عليه وسلم { كل المسلم على المسلم حرام، دمه، وعرضه، وماله}، فمافيا العقارات مليئة بالفساد، الذي يكفي دمار دولاً، لما فيها تجميد الأموال في المباني وعدم بناء المصانع، كما أنه هناك ملايين من الشقق والعمارات على مستوى الجمهورية، شاغرة وغير مأهولة بالسكان، بسبب الغلاء والأحتكار، مما أوجد في المجتمع حالة من الركود بسبب تجميد الأموال في المباني مع ضعف الأقبال عليها، ناهيك عن البيع بالتوكيلات، فصاحب العقار ربما يقوم بعمل توكيل لأحد أبناءه أو أخيه، للتحايل على القانون، وهو ما يستوجب على رجال القانون وضع حداً لهذا ومعاقبة هؤلاء بعقوبات مشددة، إلى جانب أن المغالاة الكبيرة في سعر الأراضي والشقق، فنجد في إحدى المحافظات شقة 120م يصل سعرها إلى 350 ألف جنيه، وفي محافظة أخرى نفس المساحة بمبلغ مليون جنيه، وأخرى بـ 500 ألف جنيه، مع العلم أن الحديد نفس الحديد ومواد البناء كلها واحدة، وهما يجب على الدولة التدخل السريع في هذا الأمر وحسمه، كما ينبغي على كل مقاول وشركات البناء التي تسببت في أذى للبشر، دفع تعويضات على هذه الخسارة التي لحقت بهم، وقد حكم الله سبحانه وتعالي {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ۚ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}.
وهنا، حكم الله عز وجل بعقاب الذين يحاربونه ورسوله، بخروجهم على نظام الحكم وأحكام الشرع والقوانين، ويفسدون في الأرض بقطع الطرق أو نهب الأموال أو الغش أو خيانة الأموال والأعمال وتلقي الرشاوي..إلخ، جزائهم أن يقتلوا بمن قتلوا، وأن يصلبوا إذا قتلوا، وأن تقطع أديهم وأرجلهم من خلاف إذا قطعوا الطريق وغصبوا الأموال ولم يقتلوا، وأن ينفوا من بلد لأنهم لا يستحقون العيش في هذا البلد، وأن يحبسوا إذا أخافوا فقط، ذلك العقاب ذل لهم وإهانة في الدنيا ولهم في الأخرة عذاب عظيم، وفي هذه الأية ما يدل على أن الاعتداء على النفس الواحدة بالقتل، اعتداء على المجتمع وهم يدركون الدعوة عن حق المجتمع يباشرها عنه النائب العام ووكلاؤه، أو أي سلطة تقيمها الدولة لهذه الوظيفة في التشريعات الحديثة، وهذا هو المقابل لحق الله في التشريع الإسلامي، فالتشريع في هذه المسألة له حق السبق، ومن أحسن إلى فرد بإنقاذ حياته من الهلاك ومن نفوس وأيد المفسدين، فقد أحسن إلى المجتمع، فالأية اشتملت عليه من معنين تؤكد أن الإسلام يرى القواعد في المجتمع الصالح، وقواعد التعاون بين الأفراد والمجتمعات،هذا كله محافظة على الأمن والسلام والتعاون بين الأفراد والمجتمعات.
حفظ الله مصر وجعلها أمنً وأمانً وحصناً منيعاً من شبكة الفساد، وتحيا مصر إلى أبد الأبدين.