إن تعهد السيد الرئيس بأن الفترة الرئاسية الجديدة سيكون من أهم ملامحها الاهتمام بالثقافة، يطمئننا على التطور والارتقاء بالبلاد في شتى مناحي الحياة، لأنه كما قال محمود دياب في رائعته باب الفتوح: "لا قيمه للانتصارات بدون الفكر والثقافة".
هذا التعهد الرئاسي يطمئن المهتمين بالثقافة والفنون إلى أن الوزيرة المبدعة الدكتورة إيناس عبد الدايم ستبقى في منصبها ضمن التشكيل الوزاري الجديد، لأن الجهود الواضحة للقاصي والداني، التي بذلتها الوزيرة في الأشهر الثلاثة التي تولت فيها المنصب، رغم قصر هذه المدة، شهدت عديدا من الإنجازات، من أهمها فضلا عن العمل الميداني، الجولات المكوكوية للوزيرة في مختلف المحافظات كي تصل الثقافة لمستحقيها وللمناطق المحرومة منها، مثل تفقدها لقصرثقافة دسوق بكفرالشيخ، وتأكدها من حسن سير العمل به، ما أثلج صدر مثقفي دسوق، ومنهم الصديق عادل السنهوري ابن دسوق البار.
أخبرني السنهوري أن الوزيرة وعدت بافتتاح القصر قريبا، وأنه يثق في قدرتها ووعودها، في ضوء ما لمسه ولمسناه معه من قدرتها على التحدي والتصدي للمشكلات المزمنة في مؤسسات الوزارة، ولا أدل على ذلك من تصديها لمشكلة مسرح السامر، الرئة الوحيدة لقصور الثقافة، وقد بكيت عند هدم هذا المسرح العريق عام 1990، أى قبل ثمانية وعشرين عاما، بحجة إعادة بنائه، وها هي الفنانة البطلة إيناس عبد الدايم تخوض معركة البناء، وسلمت المسرح لشركة مقاولات، وعيا وإدراكا منها بأن الثقافة الجماهيرية - الاسم القديم لهيئة قصور الثقافة الذي أتمنى عودته - أساس التنوير، لانتشارها فى كل المحافظات، بل في القرى والنجوع التي نشأ فيها المتطرفون نتيجة غياب دور وزارة الثقافة في العقود الماضية.
الوزيرة الفنانة عاشقة العمل الدؤوب بإخلاص متناهٍ، لا تعترف بمكتبها المفتوح لكل من لديه مظلمة أو لكل من لديه فكرة لتطوير العمل، بل تتواجد بشكل ملفت للنظر ويومي في أماكن الأنشطة الثقافية ووسط المبدعين، ولا أدل على ذلك من زيارتها لمسرح البالون وسيرك مايو ثلاث مرات في شهر واحد، ولأنها تتسم بالإنسانية والحس المرهف، نجدها في عام متحدّي الإعاقة تكتشف وتتبنّى أصحاب القدرات الخاصة، وتنشئ لهم "فرقة الشمس"، وهو اسم ذو معني يبعث على الأمل والنور والإشراق. وتُسخّر الإمكانات المادية والادارية لإبداع أبنائنا الموهوبين، بل وتخصص لهم مسرح الحديقة الثقافية لممارسة إبداعهم.
أما بالنسبة لاختياراتها لمعاونيها فنجدها قد اختارت اثنين من أنجح القيادات، الدكتور مجدي صابر ليخلفها في رئاسة دار الأوبرا، وهي مهمة شاقة جدا لمن يخلفها، للنجاح المبهر الذي حققته أثناء رئاستها لهذا الصرح العالمي، إلا أن "صابر" استطاع في وقت قليل الحفاظ على النجاح السابق، وأن يبهرنا بأدائه الإداري الراقي، وأعجبني أنني وجدته في حفل مدحت صالح بالمسرح المكشوف يجلس ببساطته المعهودة بين موظفي وإداريي دار الأوبرا في أحد أركان المسرح، ليتابع المكان الذي ضج بالمشاهدين الذين وقفوا خارج المسرح ليتابعوا الحفل المبهج للفنان الكبير، لعدم وجود شبر فارغ بالمسرح، أما الأختيار الثاني لفارس المسرح الاستعراضي الدكتور عادل عبده، الذي جاء في هذا المنصب استجابة من الوزيرة لترشيح فناني البيت الفني للفنون الشعبية والاستعراضية، وها هو يفتتح الموسم الصيفي بستة عروض مسرحية، بجانب تقديم عروض كل فرق البيت في ساحة الأوبرا ضمن المهرجان الفني الذي يقدمه سنويا المبدع الدكتور خالد جلال، ويشرف عليه بنفسه، ويصر عادل عبده بعدما نجح في استعادة سيرك مايو أن يضيف نافذة جديدة للبيت هي مسرح 15 مايو.
كل هذه الجهود المبهرة تجعلنا نثق في أن الوزيرة المبدعة فارسة الإبداع الدكتورة إيناس عبد الدايم ستستمر في تولي حقيبة الثقافة في الوزارة الجديدة، وستحظي بمضاعفة ميزانية الوزارة لكي تتمكن من محاربة طيور الظلام بالتنوير ..