التيس والحملان.. خطة بومبيو لتدشين مملكة إسرائيل
الأربعاء، 30 مايو 2018 09:51 ص
خرج وزير الخارجية الأمريكى الجديد مايك بومبيو على العالم بالإستراتيجية الجديدة التى تتضمن أسباب ومقدمات وعواقب المواجهة التى قررت واشنطن المضى فيها بهمة وسرعة مع إيران، وصف كثير من المراقبين هذه الإستراتيجية بأنها الأشد قسوة وقوة، وبالتاريخية، وبالفريدة، وغير المسبوقة فى نوعها، وبأنها حرب على مراحل سريعة لتركيع إيران. تضمنت الإستراتيجية الأمريكية تجاه إيران ١٢ مطلبا، أو شرطا
إن قبلتها إيران عادت أمريكا إلى الاتفاق النووى، وإن لم تقبلها إيران قوضت أمريكا الاقتصاد الإيرانى والدور الإيرانى فى الشرق الأوسط، الطلبات تبدأ بإنهاء البرنامج النووى الإيرانى كلية، والسماح للمفتشين الدوليين بالتفتيش فى المنشآت العسكرية وغير العسكرية الإيرانية وتقليص برنامج الصواريخ الباليستية، والخروج تمامًا من سوريا وإنهاء دورها فى الحرب الأهلية السورية، ووقف دعم الإرهاب والحوثيين والتوقف عن ضرب السعودية بالصواريخ التى تسلمها للحوثيين، والامتناع عن تهديد ممرات الملاحة الدولية فى البحر الأحمر والكشف لمنظمة الطاقة النووية عن برنامجها النووى بالكامل وقف تخصيب اليورانيوم وغلق كل مفاعلات المياه الثقيلة وتوفير المعلومات للوكالة الدولية للطاقة الذرية ووقف دعم الإرهابيين وحماس وحزب الله واحترام سيادة الحكومة العراقية ووقف دعم الحشد الشعبى فى العراق، فضلا عن وقف دعم طالبان وإرهابيى أفغانستان والتوقف عن تهديد حلفاء أمريكا والهجمات الإلكترونية.
وأخيرا، أهم النقاط بالطبع وقف التهديد بالقضاء على إسرائيل.
هده الشروط لو قبلت بها إيران دخلت الجنة الأمريكية، ولو رفضتها سحقتها أمريكا، هذه الشروط بمثابة تقويض للنظام الإيرانى، لو قبلها سقط، ولو رفضها سقطت إيران، هذه الشروط كان ينقصها فحسب أن تطلب واشنطن ارتداد إيران عن الاسلام والتحول إلى اليهودية!
لست فى مجال الدفاع عن إيران بالطبع، ولا أعتزم قط، لأنها بالفعل دولة الإرهاب، منبعه ومرضعه، كما أن أمريكا ذاتها دولة الإرهاب، منبعه ومرضعه بالقدر ذاته، لكن يتعين على المحلل السياسى توصيف الوضع المخزى الذى صارت إليه المنطقة ودور البلطجى المأجور الذى تلعبه إدارة دونالد ترامب.
بطبيعة الحال، فإن هذه العقوبات الأشد قسوة فى تاريخ الحروب الاقتصادية، لن تكون بمعزل عن إجراءات عسكرية يجرى بحثها داخل البنتاجون، وفى إطار حلف إقليمى مصغر يضم إسرائيل ودول الخليج المهددة من إيران بإرهابها وصواريخها وقنبلتها النووية، ومن المفارقات أنه بينما تمضى أمريكا نحو المواجهة مع إيران، التى سخرت من المطالب والشروط التى طرحها بومبيو فى لهجة الإنذار، فإن الاتحاد الأوروبى الحليف التقليدى التاريخى لواشنطن يجد نفسه مدافعا عن الاتفاق النووى مع إيران ورفض العقوبات الأمريكية صدها واستمرار عمل الشركات الفرنسية والألمانية، خطاب بومبيو هدد هذه الشركات بالعقاب إن واصلت الاستثمارات داخل الأراضى الإيرانية، الخلاف مع أوروبا على خلفية الاتفاق النووى، ورسوم الصلب والألومنيوم التى يفرضها ترامب على الواردات الأوروبية والتى أرجأها إلى أول هذا الشهر، تبدو جميعها إشارات متناقضة، ترصدها أوروبا بقلق وتوجزها فى عبارة واحدة : «سياسة أمريكا أولا.. ستنتهى بأمريكا وحيدة!» أى معزولة. من ناحية أخرى، تبدو الأحداث متسارعة فى الشرق الأوسط عنها فى أقصى شرقى آسيا، فقد قال بنس نائب ترامب الإثنين الماضى: إن الرئيس الأمريكى يميل للتراجع عن اللقاء المعلن عنه فى سنغافورة الشهر المقبل مع الرئيس الكورى الشمالى كيم جونج أون، خصوصا بعد تراجع كوريا النووية عن تعهدها بفك مشروعها النووى كلية إلا بشروط اعتبرتها واشنطن ابتزازا.
المجهود الدبلوماسى السياسى الاقتصادى العسكرى لأمريكا سوف يتركز ويتكثف فى الشرق الأوسط، لعدة أسباب جوهرية: أولها أن التمويل بالكامل عربى، ولمصلحة مشتركة، وبجنود عرب، وقليل من الجند الأمريكى، والثانى أنه يدمج إسرائيل فى إستراتيجية مواجهة واحدة تضمها والعرب ضد عدو آخر مشترك، يتجاوزها هذه المرة الفريدة فى تاريخ الصراع العربى الإسرائيلى، النقطة الأخيرة فى ظنى هى الأكثر أهمية لإسرائيل وأمريكا من مجرد توفير الحماية الكاملة لإسرائيل بالقضاء على إيران أو تقويض نظامها، لماذا ؟ لأن إيران أساسا لن تجرؤ على ضرب إسرائيل النووية ذاتيا وبالغرب، ومشروع طهران النووى ليس سوى تخويف لها، بل فى الحقيقة هو إقصاء لها بالردع، لكنه مشروع استعمارى للخليج، بهدف ضمه للإمبراطورية الإيرانية، ومع توازن القوة مع إسرائيل، ربما تجمعهما المصالح المشتركة على كعكعة الخليج مع تواطؤ تركى قطرى.
أما السبب الثالث فيصب فى الصراع الروسى الأمريكى على النفوذ فى المنطقة، والشروط اـ١٢ ضد إيران، هى إعلان قوى ورسالة حضور من جديد بهدف إزاحة الدور الروسى المتمدد بقوة فى سوريا وعلى الأطراف فى ليبيا.
من جانبها، فإن إيران هددت بتوجية لكمة قوية الى فك وزير الخارجية مايك بومبيو.
ومن جانبنا، فإننا سعداء بالإستراتيجية الجديدة لأمريكا تجاه ايران، وسنزداد سعادة لو أعلنت أمريكا انها ستواجه إسرائيل بربع هذه المطالب حتى!
لن تفعل واشنطن قط ذلك، لأن كل الذى جرى منذ ٢٠١١ فى مصر وتونس وليبيا واليمن وسوريا، ومن قبلهم العراق، هو تتويج إسرائيل ملكة على العرب والفرس.
سيوصف هذا الزمان لاحقا بأنه زمن النعاج والتيس الأمريكى!