فى تحليل موهبة استثنائية: الفرعون الذى وحد العرب من جديد!

الثلاثاء، 01 مايو 2018 02:00 ص
فى تحليل موهبة استثنائية: الفرعون الذى وحد العرب من جديد!
محمد حسن الألفى يكتب:

«مو صلاح» هو هذا النموذج الحى الذى يعطى البهجة، ويجلب للوطن المجد والكبرياء
 
تبدو الصحافة، قلما وكاميرا، مولعة بالحرائق أكثر منها، عادة، بعناقيد الإضاءة تزين قاعات الأفراح.. بمعنى أن الأقلام تنفتح شهيتها وتنفرج شهوتها حين يسيل دم أو ينفجر مبنى أو تسقط طائرة، لكنها لا تبتهج بالقدر ذاته فى حالة زفاف ما لم يكن مخضباً بعار أو فضيحة أو بذخ وسفه فى الإنفاق.. هى مهنة تبحث عن الألم وضحاياه، وهى بالتالى معنية بتغطية الخطوات الأخيرة من حياة المشاهير والأمم قبل الرحيل إلى الآخرة. 
 
مع ذلك ؛ فإن شخصا واحدا فى العالم كله، وفى العالم العربى على وجه خاص، وفى مصر على نحو أدق، استطاع أن يجبر الأقلام والعدسات والأضواء على التناغم مع البهجة ومع الفرحة، هو محمد صلاح.. ذلك الشاب اليافع طيب الملامح، ابن قرية نجريج من قرى طنطا، جعلها حديث العالم، كما جعل وطنه مصر موضع الحفاوة.
لا يكف الناس عن الدعاء لمحمد صلاح الذى أبهر البريطانيين والأوروبيين بقدمه الصغيرة وعقله الذكى الكبير، واعتبر كل بيت مصرى أن محمد صلاح هو ابن له، كما اعتبره العرب ابنا لهم، واعتبره أطفال وفتيان وشيوخ بريطانيا الفرعون المصرى البارع الذى جلب السعادة إلى بيوتهم، ومن ثم فهو الملك المصرى الجدير بالتتويج. 
كيف اجتمع لشخص واحد حب ما يزيد على 700 مليون شخص تقريبا، بحساب عدد سكان الشرق الأوسط وأوروبا؟ كيف استطاعت قدم لاعب مصرى أن توحد المشاعر وتصفى القلوب، رغم التناقضات السياسية والمذهبية والعرقية؟ هل هو سحر التهديف؟ هل السر فى سحر الشخصية، بعفويتها وبراءتها وطهارة سلوكها وتواضعها؟ 
هل ذهب الناس إلى حب محمد صلاح لأنه حقق لهم الفرحة بعد أن غرقوا فى الحزن لثمانية أعوام، أم أنه هو الذى ذهب إلى قلوبهم فطرق عليها بقدمه الصغيرة طرقات المستأذن؟ كل الأسباب والدواعى السابقة هى كذلك، إذ ما أحوجنا إلى الفرحة وإلى البهجة وإلى صرخة نشوة تنطلق من جوف الصدر حاملة كل دخان سام، وكل إحباط راكد وكل حب قتيل!
حين ينجح صلاح فى إحراز هدف تنشق الصدور وتهتف الحناجر وتتسع حدقات العيون وتبدو رأس كل شخص فرحان أقل حجما وقدرة على استيعاب شلال الطاقة الهادر، يسرى فى الخلايا العصبية يجددها ويشحنها حبا وتجردا وتصفيقا، الواقع أنك لا تصفق فى هذه اللحظات لنفسك بل تصفق لغيرك، الواقع أنك جعلت غيرك جزءا منك، وبالتالى فأنت اقتسمت معه كل طاقتك الراقدة، وبدلها هو لك، بالكامل، طاقة إيجابية، تحدث لك ولى ولكل من ربط عينيه بقدمى صلاح فى شباك حراس المرمى حالة تحفز وترقب، ومع التسديدة، يقع ما يمكن وصفه بانفجار النشوة.. تأتى ظاهرة محمد صلاح فى وقتها، وفى ظرفها التاريخى، وفى عز العوز العاطفى والوطنى إلى نموذج للفخر والزهو.
«مو صلاح» هو هذا النموذج الحى فى غير تكلف وفى غير اصطناع، هو لا يثير مشاعر غل داخلية، هو لا يأخذ من الناس ملايين الجنيهات مقابل سلسلة من أفلام البلطجة وتمجيد الإجرام، هو يعطى البهجة، ويجلب للوطن المجد والكبرياء، هو أزاح هبل (بضم الميم) محمد رمضان، ذلك الوثن الأحمق للبطل الصايع، هو لم يقصد إلى ذلك. لكنه أزاحه ومعه كل قبح ودمامة وأنزله من قلوب وعقول الشباب، ليتمثل لهم النموذج الصحيح للبطل المصرى الذى يشرف وطنه وأهله، بأخلاقه الرفيعة وبصبره، وبثقته فى نفسه، وبإيمانه، وتواضعه. 
حين يعطيك الله الموهبة الاستثنائية فى ظرف استثنائى، وحين يسبغ عليك المال بلا حساب، ويحيطك بشلالات جارفة من حب الناس فأنت فى فتنة ما بعدها فتنة، القدرة على السير فوق ألغام هذا البلاء هو اختبار آخر، للشخص، ولمن حوله. 
ويمكن القول إن استحواذ محمد صلاح على حب الملايين فى مصر وفى العالم العربى هو التفاف حول نقطة ضوء ساطعة فى نفق معتم انحشرنا كلنا فيه منذ هبوب رياح السموم المسماة بالربيع العربى.
كانت كوكب الشرق أم كلثوم تجمع العرب من المحيط الأطلنطى، أى من المغرب وموريتانيا، إلى الخليج العربى، حول أجهزة الراديو فى الخميس الأول من كل شهر، يطربون وهم فى سهر وسمر ومودة، للأطلال وانت عمرى، وفكرونى، ودارت الأيام وحسيبك للزمن، وأمل حياتى، وأنساك، وللصبر حدود وسلوا قلبى، وأقبل الليل، وهذه ليلتى وعشرات عشرات من الروائع الخالدة. 
ذاك زمن مضى وولى، لم تبق منه سوى ذكريات تعبر آفاق الخيال، كما غنت هى فى ذكريات، وما زلنا نحن ( بتشديد النون ) ونتنهد، بحثا عمن يعيد تجميع أجزائنا التى تشرخت وتفككت.. ويأتى محمد صلاح ليعيد التفافنا معا مصريين وعربا، حول الشاشات، نتابعه وهو يركض ويسدد، وينقلب ناشرا ذراعيه، ملقيا ببصره إلى بعيد فى اتجاه واحد، كأنما يبدى امتنانه لشخص أو كيان غير ظاهر فى ذلك الاتجاه. 
تعقب هذه الطقوس سجدة الشكر للمولى صاحب الفضل العظيم، حتى أصحاب الحقد بهتوا من خلاء قلوبهم من الغل إذ أسعدهم أداء الملك المصرى! 
وأتصور أن هذا النجاح غير العادى لمواطن مصرى فى بلاد الغرب والغربة يمكن أن نبنى عليه إعلاميا وتربويا، ونشرح فى مدارسنا ومساجدنا وكنائسنا وبرامجنا أدوات النجاح التى توفرت للنجم الموهوب، والنتائج العظيمة التى يحققها العمل والإيمان بالله والوطن والتواضع. 
ويبقى سؤال لا بد أنه سيشغل بال كل من يتابعون توهج الموهبة المصرية محمد صلاح؟ لماذا يربط الإنجليز والغرب عموما اسمه بلقب الفرعون؟ بعبارة أوضح لماذا فى الإنجاز نكون فراعنة، ولماذا فى الخيبة نكون عربا؟ 
سؤال لعلماء الاجتماع، لا أقصد سوءا ولا غمزا ولا لمزا، بل أقصد إلى شرح وإلى تفسير!
 
 
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق