شكرا لكل من أبطل صوته
السبت، 31 مارس 2018 07:11 م
انتهت الانتخابات الرئاسية المصرية، بسلام، بعد مجهود جبار بذلته كل مؤسسات الدولة التنفيذية، من محافظين وحكومة وأجهزة إعلام، حتى المؤسسات الدينية على مستوى الأزهر والكنيسة، وكذلك المنظمات المجتمع المدني، لحث المواطنين من أبناء الشعب المصري على المشاركة والتصويت في صناديق الاقتراع.
وعلى مدار 7 أشهر، منذ بداية انطلاق الحملات المجتمعية الداعية للانتخابات الرئاسية، والتي كانت في مقدمتها حملة «علشان تبنيها»، كان هناك حراك كبير في الشارع السياسي وبين المواطنين أنفسهم، أحدثته تلك الحملات، وعادت الأحاديث عن السياسة مرة أخرى مادة للنقاش بين الرجال على المقاهي، وبين السيدات، ووضعت رجل الشارع مرة أخرى وسط بؤرة الأحداث، واحتلت أخبار ترشح الرئيس السيسي للانتخابات، الأحاديث في كل بيت وشارع مصري، حتى وسائل المواصلات.
ومنذ انطلاق الحملات الانتخابية، بدأت الأصوات تتعالى في الداخل والخارج، عن المنافسة وغياب المرشحين على مستوى الأحزاب السياسية والشخصيات العامة، لكن كان هناك مخططا يحاك في الليل بين بعض يُدعون بالنخبة السياسية، ذهب فريق منهم لتأييد فكرة المشاركة في الانتخابات وطرح مرشح، وذهب البعض الأخر لعدم المشاركة ومقاطعة الانتخابات من الأساس، وهو ما كان لهم.. فبعد إعلان المحامي الحقوقي خالد علي نيته للترشح، وشرع في جمع توكيلات دعم ترشحه، خرج في مؤتمر صحفي أذاعته كل وسائل الإعلام، معلنا انسحابه من الانتخابات الرئاسية على الرغم من جمعه 18 الف توكيل على حد قوله، بل ودعى إلى مقاطعة الانتخابات الرئاسية، دون أي مبررات حقيقية يستطيع ذكرها، واختار الانضمام لجانب المقاطعين.
ولا أخفي سرا، إذا قُلت أن جماعة الإخوان، انفقت ملايين الدولارات في الداخل والخارج، فقط، لتنفيذ مخططها بالدعوة إلى المقاطعة، وراح أعضاء الجماعة والمتعاطفين معها وخلاياها النائمة وأصحاب المصالح والمرتزقة، في إعلان مقاطعتهم للانتخابات الرئاسية، عبر صفحاتهم الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي، وفي معرض أحاديثهم في كل مكان، وتخصص البعض منهم في سرد مسببات دعوته للمقاطعة عبر صفحات ومواقع الجماعة الإرهابية، هنا استوقفني أمر واسترعى انتباهي، لماذا يجتمع الكل على اختلاف اتجهاتهم السياسية وايدلوجياتهم على أمر واحد.. وكيف لملحد أن يتفق مع محتكر الحديث باسم الله على الأرض.. ومتى كان الإخوان والليبراليين على وفاق؟ ولم تكن الإجابة مفاجأة بالنسبة لي، فقد اجتمعوا على إسقاط مصر وشعبها كيدا في رئيسها، الذي وقف في 30 يونيه ضد تنفيذ المخطط الجهنمي، لكنهم لم يدركوا اللحظة الفاصلة كعادتهم، وآثروا مصالحهم الشخصية وأطماعهم، على دولة تحتاج لسنوات طويلة لتقف مرة أخرى مرفوعة الرأس بين الأمم.
على الجانب الأخر، كان هناك بطل أخر، يستحق بالفعل، إبراز دوره الكبير الذي قام به بكل شجاعة يحسد عليها، أتعرفون من هو ؟ أنه ليس أحد السيدات التي وقفت في طوابير أمام صناديق الانتخاب غير عابئين إلا بتلبية نداء الوطن، وليسوا كبار السن الذين تحملوا مشقة الذهاب لأداء واجبهم الوطني بحب، ولا هم ذوي الاحتياجات الخاصة الذين تحاملوا وتحملوا حتى يصلوا للجانهم الانتخابية ليثبتوا للعالم أنهم ليسوا معاقين وأنهم يمارسون حقهم الدستوري بكل عزيمة وفخر...لكن الذي كان حقا مفاجأة حقيقية للجميع، كانوا المصريين الذين ذهبوا للإدلاء بأصواتهم وقالوا «لا.. سنبطل أصواتنا».
قد يتعجب البعض من توجيهي الشكر لكل من أبطل صوته في الانتخابات الرئاسية، وقد أُهاجم من مؤيدي الرئيس عبد الفتاح السيسي، الذي أكن له كل أحترام وتقدير لشخصه ومجهوداته ووطنيته التي لا تخفي إلا على حاقد أو ناقم، لكن دعني أفسر لك لماذا الشكر لمن أبطل صوته.
على مدار عام ونصف مضت، تعالت نبرة الدعوة لمقاطعة الانتخابات الرئاسية، حتى أن الداعين لها استغلوا الأزمة الاقتصادية التي يعيشها المواطن في ظل ارتفاع الأسعار بعد القرارات الاقتصادية التي فرضتها الدولة، ولن أبالغ إذا قلت أن استغلالهم لهذه النقطة تحديدا كان له مردودا حقيقيا بين رجل الشارع، فلم يخلو أي تجمع للمواطنين إلا وكان الحديث عن الأسعار الجنونية هو البطل، ووصل الأمر بالبعض إلى إعلان رفضه لما يحدث، وعلى الرغم من معرفتي بضرورة القرارات الاقتصادية التي اتخذتها الدولة والتي أعاني منها على المستوى الشخصي، إلا أنني كانت لدى شعور حقيقي أن الشعب الذي عايش ثورة 52 واكتوى بنيران حرب 53 وذاق مرارة نكسة 67 وصفق لحرب الاستنزاف وتحمل حتى عبر في أكتوبر 73، لن تهزمه الأسعار وسيتحمل حتى وإن اضطر لأن يأكل رغيف عيش واحد، ليحافظ على نعمة أمنه وأمانه، حتى لا يخشى على أهل بيته، حتى لا يرى زوجته وابنته سبايا تباع في أسواق النخاسة ولا يستطيع أن يحرك ساكناً، هذا المواطن هو الذي يداوم على متابعة صفحات التواصل الاجتماعي ويتأثر بدعوات المقاطعة التي تتلاعب بحاجته الاقتصادية وهمومه، وكان بين شقي الرحى، هل يتنازل عن حقه في التعبير عن رأيه ويقول لا ؟ أم ينساق وراء دعوات المقاطعة التي لا تترك له فرصة إلا وتُسود الدنيا أمام عينيه؟
وفي لحظة صدق حقيقية، وفي لحظة رجوع إلى حضن الوطن، وفي لحظة تحمل فارقة للمسؤلية، قرر هذا المواطن عدم التخلي عن وطنه وعدم الانسياق وراء دعوات المقاطعة حتى لا يترك وطنه فريسة لكلاب ضالة ومأجورة، قرر المشاركة حتى وإن قال «لا» وهو حقه في الإعتراض، وبمنتهى الديموقراطية مارس حقه هذا حتى وإن كان على ثقة من نتيجة الانتخابات الرئاسية، لكنه قرر أن يشارك في بناء وطنه واستجاب للنزول والمشاركة والتصويت، ليقول للخونة مصر فوق الجميع.. فشكرا لك، شكرا لكل من تصدى للمؤامرة ورفض المقاطعة.. شكرا لكل من مارس حقه الدستوري بكل ديموقراطية.. شكرا لكل من قال لا ..شكرا للرئيس عبد الفتناح السيسي الذي دعا المصريين للمشاركة والتصويت بكل حرية وديموقراطية.. شكرا لأنك تشكل وعي اتلمصريين من جديد.