"شوباش" و"أحمد يا عمر"..الردح سلاح المرأة الفتاك لإهانة أعداءها
الإثنين، 08 يناير 2018 09:00 م
دخل شاب عشرينى أحدى حوارى منطقة مصر القديمة ليزور صديقه،وما إن وصل إلى حارته حتى فوجئ بسيدة تقف فى بلكونة منزلها ممسكة بيديها "غطيان الحلل" وتقرعهما لتصنع صوتا يرن فى أنحاء الحارة قائلة "جرى إيه يا ادلعدى دا أنا اغسلك واكويكى وأفرج اللى مايشتريى عليكى ..يا ابرة مصدية يا ابره مصديه فى الكوم مرميه ياعصاية النقاريه يافستان سواريه وبقا جلابيه وهاااااالووووو .. ياجربان ياعدمان".
وقف الشاب متعجبا من تناسق الكلمات على الرغم من أنه لم يفهم ماذا كانت تقصد هذه السيدة إلى أن وصل إلى منزل صديقه وسأله عن هذا الموقف فرد صديقه قائلا "كويس انك مدخلتش كانت ممكن تفرشلك الملاية ..خناقات الستات فى الحوارى عبارة عن وصلات ردح وتبعد عن الست وهى بتردح لتتهان".
من يتابع الأفلام العربية القديمة يسمع العديد من وصلات الردح بين السيدات خاصة المتواجدات بالمناطق الشعبية حيث يرتجلن جملة تلو الأخرى مع الاحتفاظ بالسجع وكأنهن يؤلفن أشعارا فى إهانة الطرف الآخر.
بغطاء الحلل والألفاظ المتناسقة نجد وصلات الردح تكتمل فغطاء الحلة تستخدمه السيدات أثناء المشاجرة ليصنع صوت مرتفع يجلل فى المنطقة لتلفت به انتباه الكافة ليشاهدوا ماذا ستفعل من وصلة ردح.
والردح يعنى علو الصوت وسلاطة اللسان والكذب والافتراء والتضليل، أي تجاوز كل ما هو متعارف عليه من آداب وقيم وصدق، وتستخدم كافة الوسائل لتجميع المارة ليشاهدوها وهى تردح فمن التصفيق والتقصيع والخبط على الصدر وتخبيط غطاء الحلة تلفت الانتباه لتبدأ وصلة الردح والتى يعتبرها البعض فن شعبى مصرى لا يفهمه سوى المصريين القانطين بالمناطق الشعبية وعلى الرغم من أن الردح يراه الكثير "قلة أدب" أو سوء تربية إلا أنه وسيلة السيدات فى أخذ حقوقهن فالرجال يضربون بعضهم فى حال نشوف خلافات قوية أما السيدات فتستطيع أن تحصل على حقها سواء من سيدة أو رجل بوصلة ردح تهين الطرف الآخر فيها أمام الكافة فهو أحد الأسلحة الفتاكة التى تتفنن المرأة فى استخدامها.
وهناك العديد من الكلمات التى تفننت السيدات فى استخدامهم فى وصلات الرد ويصعب على أحد فهمها مثال على ذلك "يا دلعدى ، شوباش ، يا أحمد يا عمر ، افرشلك الملاية ، تربية مرا ، مرا ، افرشلك الملايه"
شوباش
كلمة «شوباش» أقدم كلمة «ردح» ومن أشهر الألفاظ المستخدمة فى الردح بشكل عام، ويرجع أصلها إلى العصر القبطي، وهى تنقسم إلى مقطعين، «شو» وهى بمعنى «منَّة»، والثانى «باش » بمعنى السعادة، ويربطها البعض بالتماثيل الصغيرة «الأوشابتي» التى توضع مع الأموات فى القبور، لتردد الأدعية للمتوفين، و «أوشابتي» أو «شوابتي»، أو «شواب» تعنى حرفيا فى اللغة المصرية القديمة «المُجيب»، والمقصود بـ «شوباش» هنا ترديد الكلمة خلف قائلها، كما تردد التماثيل الأدعية فى القبور.
يا دلعدى
وهى من أكثر العبارات انتشارا فى الأحياء الشعبية أثناء الردح وهى لها تفسيران، الأول تحريف لعبارة "يا ألد العدى" وتعنى يا أشد الأعداء، والتفسير الثانى هو "يا دا العدى" بمعنى يا هذا العدو.
اللى ما يشترى يتفرج
وهى عبارة تعنى أن السيدة ستجعل عدوها "فرجة" أمام الناس فى الشارع كالبضاعة المعروضة على الأرصفة لمن يرغب الشراء أو المشاهدة فقط.
يا أحمد يا عمر
وهى من العبارات الشهيرة والتى أرجع البعض تاريخها إلى روايتين أولها أنه كان هناك شاب اسمه أحمد عمر يعيش فى أحد الحوارى بمنطقة شعبية يتنقل من مسكن إلى مسكن فى المنطقة نفسها وفى كل مسكن يتعرف على السيدات والفتايات ويثقن فيه ويقصن له أسرارهن فأصبح يحتفظ مع الوقت بأسرار البنات والسيدات، وعلم أهل المنطقة جميعا قصة هذا الشاب ومن هنا جاءت مقولة "أحمد يا عمر" الموجهه للفتاة التى تدعى الأخلاق كمعايرة بقصصهن وأسرارهن.
والرواية الثانية والتى أول من استخدمها الفاطميون، لكراهيتم الشديدة لشخصية عمر بن الخطاب، فكانوا فى خُطبهم فى المساجد دائما ما يذكرون بعض المواقف المنسوبة للخليفة الثانى.
المره
وتستخدم فى سب الرجل، إذا أرادوا تحقيره، فيقولون «ابن المرا»، أو «تربية مرا»، للانتقاص من رجولته، وتحقير أمّه فى الوقت نفسه، وإذا وجهتها لسيدة أيضا فتكون من أجل التقليل منها حيث أن المرأة إذا أرادوا تعظيمها فى المجتمع المصرى أطلقوا عليها "الست" مثال على ذلك الست أم كلثوم تعظيما لمكانتها وإذا أرادوا التقليل منها نادوها "مرا" وهذا اللفظ دارج حتى وقتنا هذا ويستخدمه سكان المناطق الريفية كلفظ عادى دون إساءة.
أجرسك
التجريس كناية عن الفضيحة، وأصل الكلمة أن المحكوم عليه بعقوبة في العصور القديمة كان يوضع مقلوباً على حمار ويطاف به في المدينة وخلفه منادٍ يعدد جرائمه وهو يقرع الجرس، وتردد هذه المقولة فى وصلات الردح كنوع من أنواع التهديد بما ستفعله الرادحة فى عدوها.
خش فى عبى خش
معنى كلمة عبى، أى ذلك الحيذ المرتبط بالصدر و يمكنك حفظ الأشياء به، وتقال "خش فى عبى خش" يعنى اضحك علي أو اجعلنى اتعاطف معك وآمنلك على سبيل السخرية.
أفرش لك الملاية
اشتهرت السيدات فى مصر وخاصة بالإسكندرية بارتدائهن ملاءة سوداء حتى منتصف القرن العشرين، وإذا أرادت إحداهن الردح لفترة طويلة فرشت ملاءتها على الأرض وتربعت عليها، وهذا الموقف يعني أنها تفرّغت للردح.
ولم تقتصر وصلة الردح على الكلمات فحسب ولكن هناك حركات تميز بها السيدات فى المناطق الشعبية أثناء ردحهم، لعل أبرزها الشهقة مع رفع جانب من الشفه العليا إلى أن تصل إلى الأنف أشهرها، وتحريك اليد فوق الحاجبين، ووضع اليدين فى أحد الجانبين مع إصدار صوت المصمصة، والبثق أو الـ "تف" فى الصدر
وتتميز السيدات فى المناطق الشعبية بقدرتهن على ارتجال عبارات الردح أثناء المشاجرة على عكس السيدات فى المناطق الراقية، لذلك كانت السيدات الراقية يؤجرن سيدة من منطقة شعبية عندما تريد أن تهين شخص ما وتجعله عبرة لمن لا يعتبر لتهينه أمام الكافة، ومن هنا جاءت فكرة الرادحة والتى تتفرغ للعمل فى الردح مقابل مبلغ مالى وهذا ما أظهره فيلم "خالتى فرنسا" للفنانة عبلة كامل ومنى زكى والذى أظهر دور الرادحات فى المجتمع أو يطلق عليهن "شراشيح".