مصر التي في خاطِري (ظَلَّتْ)

الخميس، 24 أغسطس 2017 11:58 ص
مصر التي في خاطِري (ظَلَّتْ)
الأديبة الأردنية سميحة المصرى تكتب:

(وعشان كِده مصرِ يا ولاااد.. حلوة الحلوات)
ينعكسُ الحافزُ في أدبِ الصمت يا سيدتي ليصيرَ الكلامُ أشَد زهواً، استجابةً لامتلاءٍ يتمددُ حتى يفيض، فالابتهالاتُ سِفرٌ قديم تُسكتُ كل ما سِواها ليصبحَ الحبُ معياراً منطقياً وموضوعياً لكافة الأشياء. ..
 
ها انّي  أتبرأُ من بلاغةِ الصمتِ – فقدْ نَضَجْتُ - لألوذ بأثير البلاغة  ..عليَّ أن أتوقفَ وبطيئاً بطيئاً وأن أعْصبَ عَيني اللغة لأتحررَ من القيدِ وأكتب النبضَ بصوتٍ عالٍ له سحرهُ البائِن ، وحتى تَتكافأَ الأضدادُ عندما يصبحُ العالم مُضجراً ، وكذا من أجل الترنم والعافية الروحيةِ ليبدأ الغناء ..فلا يَتنبئنَ أحداً بمزاجِ مُشتاق وهو يقفُ مَرةً بعمرِ عُمرهِ وجهاً لوجه أمامَ مدينته التاريخية  بأحاسيسه المُرتبكة البِكر.. ، يَحكي حقيقةَ الحقيقة في مناجاةٍ شفيفةٍ أقربُ ما تكونُ الى بوحِ الرُهبان ، وغَشية المُتصوّفة ، فأنا هُنا لا أُريدُ طوفاناً منَ الكلام لأحكي أنَ مِصر تؤهلُ الكلَ لِحبها ،أريدُ فقطْ أن أمتلكَ حكمةَ المشاعر وحضور الروح ، ولتصدحَ العنادلُ حينذاك .. . 
 
معذرةً لتأخر الحضور يا مصر، وأنتِ العتيقة المُتعتقةُ الأحق بالزيارة والأحق بأقصى الاستجابات، لتوثيق حزمة من الصفحاتِ البيض علّها تشفعُ أمامَ شفيفَ العَتب..
بنشيدهِ الأزلي لا يزالُ النيل يكتبُ قصيدتَه الطويلة لمصر، ولا نَملُّ القراءة، يتحدثُ فيها عن بطولاتِ المحاربين، وربّات الأمل، وربّات الدموع، وشقيقات زليخا، والمصلين والتائبين ويسقيهم الشراب الراهب الذي يجعلهم يعودونَ (انشاءالله آمنين) ....
ومصرُ تريدُ لها مزاجاً جميلاً، وتُؤخذُ ببعضها على بعضِها بنيلها وصحبتها وليلها وشوارعها وزقاقها وناسها الطيبين.. علينا فقط أن نركبَ الطائرة والبقية على الله..
والقاهرة لا تنامُ في الليلِ كما تفعلُ الكثير من المدن، إنها تسهرُ لتُغنّي لزوارها وتحتفل بهم ومعهم وتبيعُ الورد للأثرياء، وتهبُ الخبز للفقراء
مصرُ ليلا مليئة بروائح الأحباب وبالرفقةِ الحُلوة، فلا تكفي الدهشة ولا تنفعُ كتعبيرٍ أوَّلي حينَ تدخلُ القاهرة، إنَ هناكَ شيء جميلٌ لا يُنسى ولا تَجد له تعبيراً مناسبا وذلكَ هو الذي يوقفكَ لتفهمَ أنكَ يجبُ أنْ تخترعَ كلماتٌ جديدة لم تُستخدم من قبل، بشرط أن تتدفقَ فيها عاطفتكَ لتُبهر وتُدهشَ القارئ وأنتَ تصف له لتجعله يعيشُ معكَ الأجواء ....
لا عُزلةَ في مصر ، فأنتَ لا تستطيعُ أنْ تنعزلَ وحدكَ لتكتبَ او لتتأملْ ، كل شيء هنا يتأملكَ أنت ، ويتفرسُ في وجهكَ ، يهبكَ نبضةً مُرَكزةً واحدةً تكفيك لتعيش ، دعْ الكتابةَ جانباً ودعْ كل شيء يتعرفُ عليكَ وأنتَ في مصر: الأمزجة ، الضحكات المُكتملة ، الدعوات لكَ بطولِ العمر ، أو التكهنْ  لك بمستقبل باهر من الذينَ لا تعرفهم ، سعيدٌ بغربتكَ الجديدة ، ففيها الأحباب المُبتسمون ، الخُبز الطازج ، وفيها النيل الأزلي ، والهواء المُنعش ..وفيها الليل الذي هو نهارٌ صاخبٌ بكل المقاييس ، حيثُ تستريحُ الشمس وتُؤنّب الذين داهمهم النعاسُ وناموا في غيابها طالعِةً منذ الصباح لهم جميعاً : تَجددوا ..ففي مصر لا وقتَ للسَرحانِ الطويل ، فهنا تجدُ أُخوّة البركة واخوّة الشرف واخوّة الماء والخُبز واللبن ...
قالوا لي حينَ دخلتُ (دي مصر ام الدنيا) ولكني وبعد ثمانية أيام من المكوث أستطيع ان أقول لكم..
لا بلْ هي حبيبة الدنيا وأُخت الدنيا وصديقة الدنيا وروائية الدنيا وأكملوا أنتم حين تزورون ...
أما بعد / كي لا ينتصفَ القُربُ، والأنسُ، والخبزُ يا مصر 
سوفَ أمنحكِ التاجَ الشاغرَ في الأوطان لتصيري سيدةَ الأزمان..
فتعالوا لِتُكلّلوا العروس الدهرية....
وأنا اللاغريبة يا سيدتي: هلْ تسمحينَ بأنْ أكونَ إحدى إشبيناتك المُحِبات 

 

تعليقات (6)
الأقلام النظيفة
بواسطة: د/ احمد موسى
بتاريخ: الجمعة، 25 أغسطس 2017 01:28 م

عرفنا عن كثب كتابات الاديبة د سميحة المصري ، فقلمها الكبير يحترم الجميع ويترفع عن الوقوع في براثن اللأدب ، ومن متابعتنا لصفحتها على الفيسبوك او دواوينها الشعرية تجد شخصية حقيقيية لا تلهث خلف الشهرة بل تسعى لتكتب الادب الحقيقي والنظيف بعيدا عن انتماءات ولا تحزبات ولا مدارس أدبية وفكرية ، نحيي الادباء النظيفين والمستقلين . مقال يستحق القراءة ومصر تستحق الكثير .

تحية لمصر
بواسطة: د.فرح الزبيدي
بتاريخ: الجمعة، 25 أغسطس 2017 01:55 م

نشكر الصحيفه على نشرها مثل هذه المقالات عرفنا الاديبة من خلال نصوصها الصوفية المتفردة في العمق ولمصر في التصوف حق كبير ' نتمنى على صحيفتكم الموقرة تزويدنا بنصوص صوفية للدكتورة سميحة وقد صدر لها موخرا كتاب صوفي كتب عنه الكثير ' شكرا لاسرة تحرير الصحيفة المبجلة .

الوعي بالتاريخ
بواسطة: جهاد الهلسه
بتاريخ: الجمعة، 25 أغسطس 2017 05:41 م

بعدما قرأت المقال تبادر الى ذهني الوعي بالتاريخ ، فالثقافة تتغذى على الوعي او من الوعي ، والكتابه الخالية من التعقيدات كما في المقال الذي امامنا تجعلنا نعي دورنا بالاوطان وحبها وطريقة التعاطي معها حين نكتب .شكرا لصحيفة صوت الامة التي تنشر للاقلام النظيفة والعزيزة ، شكرا عزيزتي على تزويدنا بهذا الجمال عن مصر الشقيقة العزيزة وندعوكِ بالفعل لزيارة كل البلدات العربية والكتابة عنها

بشأن حوار حول الصوفية
بواسطة: سالم علي الصادق
بتاريخ: الجمعة، 25 أغسطس 2017 08:35 م

نتمنى على الصحيفة الغرّاء اجراء حوار بشان تجربة الاديبة الصوفية .

تحياتي سميحة
بواسطة: صالحة غابش
بتاريخ: الجمعة، 25 أغسطس 2017 11:51 م

طالما رددنا خلال وجودنا في القاهرة في إجازة الصيف الحالي أغنية "مصر حلوة الحلوات" فما كان من الصديقة الشاعرة سميحة المصري الا ان تحولها الى هذه المقطوعة الأبجدية المكتوبة بعزف دافئ على وتر الحب العربي لمصر.. سلمت سميحة.

سميحه المصري
بواسطة: ام محمد
بتاريخ: الخميس، 31 أغسطس 2017 10:20 ص

هذا زمن الرويبضة لايوجد احد بالدنيا يكره المصريين قد سميحه وهي اكبر منافقه معك بوجه ومع غيرك بوجه متسلقة فعلا ان الشعراء يتبعهم الغاوون وفِي كل وادٍ يهيمون ويقولون ما لا يفعلون

اضف تعليق