ليلى مراد.. الحب والألم (الحلقة9)

السبت، 03 يونيو 2017 10:54 م
ليلى مراد.. الحب والألم (الحلقة9)
ليلى مراد
أسرار يكشفها لأول مرة الكاتب الصحفي محمد ثروت

- «قلبى دليلى» ممل وتجاهل أسباب خوف ليلى مراد من الوقوف على المسرح وحب الاسطوانات

- أسرة ليلى مراد هددت إسرائيل فى حالة إنتاج تليفزيون تل أبيب أى عمل عنها و130 دراسة فى جامعة بن جوريون وبار ايلان وجامعات أخرى عن فنها وحياتها

- خان أهدى فيلمه فى شقة مصر الجديدة الى مطربة الأجيال  ليلى مراد وجعلها عنوان على عصر الرومانسية

- كلارك غيبل وصفها بريتا هيوارت الشاشة العربية وأسطورة السينما الغنائية .



توقفت فى الحلقة السابقة عند السؤال الذى لن يجيب عنه مسلسل قلبي دليلي: لماذا اعتزلت ليلى مراد الفن وارتضت العزلة الاختيارية التي أدت بها إلى الاكتئاب؟ وهو السؤال الذى رفض الإجابة عنه كاتب سيرتها الذاتية الروائي وأديب البحر والغموض والجاسوسية صالح مرسى. وهل هذا السؤال يرتبط بالقضايا المرفوعة من ابن ليلى مراد المخرج زكى فطين عبدالوهاب؟

لقد حاورت الموسيقار الراحل حسن أبو السعود نقيب الموسيقيين السابق، عن ليلى مراد وكان يراها هدية سماوية للموسيقى والطرب. وفسر اعتزالها بأنه قرار ذاتى نابع من إرادتها وليس مرتبطا بظروف خارجية.. كانت ليلى مراد تعتقد أنها أدت رسالتها وعطاءها وتريد اتاحة الفرصة للأجيال الجديدة للظهور على الساحة وهو هدف نريده جميعا.

لكن وجهة نظر أبو السعود يرفضها المؤرخ الدكتور عبدالوهاب بكر أستاذ التاريخ بجامعة شيكاغو بالولايات المتحدة. فهو يرى أن ليلى مراد لم تستطع التأقلم مع عصر ثورة يوليو. وقد انتهى عصر ليلى مراد كما يقول المؤرخون بانتهاء الملكية والقصور والسرايات. والأمراء  والباشوات .فليلى واقعيا وتاريخيا بنت الأكابر فى الموضة والحركة والأداء الراقى.. فى عصر الاشتراكية والقومية العربية.

كان العهد الجديد مناسبا لأم كلثوم وعبدالحليم حافظ ونجاة الصغيرة وسعاد حسنى . وليس عصر أسمهان ويوسف بك وهبى ونجيب الريحانى وسليمان بك نجيب. فرغم نقائص النظام الملكي في مصر إلا أني أعتبر أن له ايجابيات كثيرة و منها تهيئة المناخ لاكتشاف المواهب في كل المجالات في الأدب: طه حسين و العقاد و غيرهم والمسرح و السينما والغناء والقانون والعلوم الحديثة وهذا أكسب الريادة لمصرفى العالم العربي.

و رغم أن ثورة يوليو كا نت لها الكثيرمن الايجابيات كالتحرر الوطنى والجلاء ومقاومة الاستعمار فى العالم العربى وإفريقيا وأمريكا اللاتينية كدعم القومية العربية إلا أنه بالنسبة للوضع الداخلي المصري كان سلبية  فصودرت الحريات وتم تأميم الصناعة والصحافة  باسم الاشتراكية.

فقد روي أنه بعد الثورة حاول بعض الضباط التدخل في انتخابات نقابة الموسيقيين و النقابات الأخرى الى أن ردعهم الرئيس الراحل جمال عبد الناصر. وكانت ليلى مراد على عكس مايذهب اليه الكاتب الناصرى يوسف القعيد بأنها غنت للثورة ودافعت عنها، إلا لاأنها كانت تريد فعل ذلك لتبرئة نفسها من الشائعات التى أحاطتها وتهمة التبرع لاسرائيل وهو ماتناولته بالتفصيل  فى الحلقات السابقة.

إن رأى بعض المؤرخين والمعاصرين مثل د. ابراهيم الدسوقى أباظة ابن عم طليقها اللواء وجيه أباظة الذى ذكر لى أن سر اعتزال ليلى مراد، تناقض أحلامها وطموحاتها وانطلاقها الرومانسى مع عصر الأغانى الموجهة لتأييد الثورة وتمجيد جمال عبدالناصر.

ورغم ماسبق من آراء فسيظل اعتزال ليلى مراد لغزا حاولت الإجابة عنه عبر آراء معاصرين ومؤرخين وأقرباء منها. وعبورا فوق تلك القضايا الجدلية أسمحوا لى أن أعيش معكم وأغوص فى قرار صوت ليلى مراد الأبدي، لنتعرف على سرلا خلوده فى الحلقتين الأخيرتين بعد أن سردت جوانب خفية من حياتها ودراما الفرح والشجن.

ماسر هذا الصوت وعظمته وروعته ومن أين يأتى سحره الذى يطرب أذان الشرق والغرب ؟ويجعلها محل جدل ودراسة فهناك عشرات الدراسات عنها فى الشرق والغرب.

صوت خالد:

خلق الله صوت ليلى مراد بلا أخطاء، فهو صوت طبيعي انسيابي لامع جدا ،تسمعه وكأنك تراه.. وقد ساعدها ذلك على غناء القصائد والموشحات والطقطوقة والديالوج بمنتهى التمكن والاقتدار إضافة إلى القبول الذى وهبه الله لها ولم يلمع أحد هذا اللمعان والبريق فى ذلك الوقت مثلما لمعت وتألقت ليلى مراد.

 ليلى مراد صوت رائع الخامة.. سلس القياد من أجمل وأرق الأصوات التي ظهرت في القرن الماضي.

وهل هناك أكثر وصفا لصوت سماوى عذب من هذا الوصف الذى جاء فى دراسة للماجستير قامت بها الدكتورة «حاليا» جيهان أحمد الناصرفى معهد الموسيقى العربية. بعنوان «الأغنية السينمائية عند ليلى مراد». وهل يستطيع انسان بكل ماتحمله الكلمة من معانى أن يعرض عن صوت قيثارة السماء.

 صوت ليلى مراد يملأ القلب بالحب والشجن، يدفع المرء إلى استرجاع الذكريات الأيام واللحظات التي أفلتت من بين أصابعه، لا يمكن أن تسمعها وتتجاهلها، أنت مجبر على الصمت، ومجبر على متابعة صوتها كأنها تطير بك إلى عالم آخر لم تره من قبل، ولا تستطيع الوصول إليه، إلا بصوت ليلى مراد الذي لا يمر من دون أن يترك علامة في القلبسنتين وأنا أحايل فيك ودموع العين تناديك .. يا سبب تعذيبي والاسم حبيبي.

لقد كان صوت ليلى هو الذى يكتشف من يلحن لها وليس العكس.. فهى التى أعادت اكتشاف بليغ حمدى وحلمى بكر وغيرهما ويقول بكر عنها: «كتبت شهادة ميلادي الحقيقية بآخر أغنية تغنت بها المطربة الكبيرة ليلى مراد وحصلت بها على أجر ضخم جداً آنذاك وهو (50 جنيها) لم يحصل عليها أي ملحن من الإذاعة وقتها».

هذه الأغنية كانت تحمل عنوان (ما تهجرنيش وخلينى لحبك أعيش) تأليف عبد الوهاب محمد، وكانت ليلى مراد وقتها اعتزلت الفن تماماً ومضى على اعتزالها بضعة أعوام. وبعد أن وضعت لحن هذه الأغنية لم أجد صوتاً يناسبه مثل صوت ليلى مراد فعرضت الأمر على (الشجاعي) فاندهش بشدة لأن الأمر في غاية الصعوبة، وأمام إصراري قال لي إذا نجحت في إعادة ليلى مراد سأعطيك 50 جنيهاً وهو نفس أجر عبد الوهاب والسنباطي من الإذاعة فتوجهت لها (بواسطة) من كمال الطويل بدعوى رغبتي في أن تسمع صوتي وألحاني فأعجبتها بشدة وعزفت موسيقى الأغنية وطلبت منها أن ترددها معي حتى حفظتها، فطلبت منها التوجه معي للاستوديو لتشجعني وأنا أقوم بتسجيل أول أغنية لي، وفي الاستوديو أدعيت الارتباك ونسيان اللحن والكلمات فراحت تشجعني وغنت هي الأغنية كاملة لتذكرني وتزيل توتري ولم تكتشف أن الأغنية تم تسجيلها بصوتها وفوجئت بها تذاع عشرات المرات يومياً!

لقد هربت خوفاً منها إلا أنها طلبت الشجاعي وهي تبكي من الفرح، وتقول له لم أكن أتصور أن هذا (الولد الصغير) سيعيدني للجمهور بهذا الشكل».

في صوت ليلى مراد طبقات بعيدة ما بين الجواب والقرار ولها رنة فرحة مبهجة مهما كان موضوع الغناء «أتذكرون أغنية أستاذ حمام نحن الزغاليل» و «أبجد هوز حطي كلمون .. شكل الأستاذ بقى منسجم»، ونجيب الريحاني يغني بصوت مبحوح وهي أغنية تجمع الظرف والمرح والطرب؟».

أو أغنيتهما المشتركة  علشانك انت انكوي بالنار واقول يا دهوتي!! ليلى كانت تغني بتمكن ورقة وذوق رفيع وكان صوتها الملائكي يصعد ليلامس الأرواح المحلقة.. لا أنسى لها الأغنية العبقرية:

«أسأل عليا.. وارحم عنيه»

ولا اغنيتها الرائعة:

«يا ساكني مطروح.. جنية في بحركم».

وحتى الغناء الديني كان لها نصيب:

«يا رايحين للنبي الغالي».

وإلى اللقاء في الحلقة المقبلة

 

 

  

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق