ليلى مراد الحب والألم (الحلقة 3)
الإثنين، 29 مايو 2017 12:13 ص
مفاجأة فى عيد ميلادها ال 92 عبدالوهاب أسطورة حياتها وليس أنور وجدى
أول فنانة صاعدة ترفض العمل مع يوسف وهبى وتفضل ممثل شاب عليه
مزراحى أطلق شائعة تحولها لرجل ليروج لفيلم «ليلى»
كيف أعطت لعبدالوهاب درسا قاسيا ورفضت العمل معه إلا بعد رفع أجرها الى 15 ألف جنيه
مديحة يسرى: عيب ليلى الوحيد رومانسيتها
حلمى بكر: عبدالوهاب كان مستشار ليلى مراد الأول والأخير وكان أنور وجدى يغضب ويهددها بسبب علاقتها بعبدالوهاب
قالت فى شريط مسجل قبل وفاتها: إنها ستظل تحل عبدالوهاب حتى آخر قطرة في دمها
زكى مراد: عبدالوهاب قضى على ابنتي مثلما قضى على منيرة المهدية
« قصة الحب العظيم.. التي فى جوهرها مأساة اشترك فى إخراجها : مسرح الحياة ومسرح الفن.. قصة حب سندريلا النيل لفتى الشاشة الأول في نهاية الثلاثينات والأربعينات من القرن العشرين أنور وجدي.. أشهر ثنائي في تاريخ السينما العربية، تقاسما معا الفن والحب والدراما الإنسانية.. وكانت النهاية مدهشة ومفزعة بطلها الغيرة والتناقضات وهو ماسنكشف عنه في الحلقات المقبلة».
كانت حياة ليلى مراد تسير بشكل طبيعي وهادىء، طموح هادر ورومانسية صامتة ونجاح يتزايد يوما بعد يوم حتى وصل أجرها في السينما إلى 12 ألف جنيه أغلى أجر كان يتقاضاه فنان في ذلك العصر.. بل وصل بها التحدي في عالم الفن إلى حد أنها الفنانة الوحيدة صغيرة السن، التي رفضت استكمال العمل مع يوسف وهبي عملاق التمثيل فى ذلك الوقت في فيلم «ليلى»، حتى لايتم نسبة نجاحها إليه، فهى تريد أن تثبت لجمهورها قدرتها على النجاح بمفردها وبدون مساعدات خارجية، وقد انصاع المخرج الكبير توجو مزراحي لرغبة «ديانا درين» الشاشة العربية وغادة الكاميليا في نسختها الشرقية، لأن رهانه عليها ضاعف من نجاح سلسلة أفلامه، وتكالب الجمهور والموزعين عليها ونجحت في اختطاف جمهور يوسف وهبى أيضا، لتشكل أسطورة فريدة نجحت في الموازنة بين التفوق في الغناء والتمثيل دون أن يؤثر أيا منهما على الآخر.
وكان غريبا في ذلك الوقت أن تواصل ليلى التحدي وتفضل ممثل شاب هو حسين صدقي بطل فيلم العزيمة على فنان قدير في قامة يوسف وهبى، ليقوم بأداء دور البطل «أرمان دوفال» أمامها في فيلم «ليلى»، وقد استخدم توجو مزراحي الشائعات للترويج لهذا العمل وهو أمر كان معروفا في الوسط الفني حتى يومنا هذا .
فبعد أن انتهت ليلى مراد من تصوير آخر مشاهد الفيلم، شعرت بآلام مفاجأة في بطنها ما دفع والدها زكي مراد لإحضار أكبر الأطباء للكشف عليها، وقد قرر الأطباء أن حالتها تستدعي نقلها إلى المستشفى لإجراء عملية جراحية لاستئصال الزائدة الدودية، وأجريت العملية بنجاح وعندما علم مزراحي بالأمر، وكعادة الفنانين فى استغلال أية مصيبة أو شائعة للتسويق لأعمالهم الفنية، أطلق شائعة تقول إن ليلى مراد دخلت المستشفى وأجرت عملية جراحية تحولت بها إلى رجل، وتسرب الخبر للصحف والمجلات عن طريق أحد مساعدي مزراحي، فقامت الصحف بنشره بمانشيتات مثيرة مثل «شاهدوا آخر فيلم لليلى مراد قبل أن تتحول إلى رجل».
والآنسة ليلى تحولت إلى الأستاذ دوفال وهكذا.. وشاءت الصدف أن تخرج ليلى مراد من المستشفى قبل يوم واحد من عرض الفيلم في 2 أبريل عام 1942. لتفاجأ بحملة الدعاية الضخمة والمثيرة والغريبة التي قام بها مزراحي قبل عرض الفيلم، فتضحك من قلبها على تلك الفكرة الجهنمية.
والغريب أن الجمهور كاد يصدق الشائعة وتزاحم على منزل ليلى مراد بمصر الجديدة للاستفسار عن صحة تلك الشائعات، وأصر على أن تحضر عرض الفيلم في السينما لتبرئ نفسها، وفعلا رضخت ليلى مراد لإرادة جمهورها ومعجبيها وعندما ذهبت إلى سينما كوزمو وجدت حشدا رهيبا من الجماهير تستفسر منها عن تلك الشائعات التي روجتها الصحف؛ فأقسمت ليلى لجمهورها وكأنه مؤتمر صحفى أنها شائعات مغرضة ولاصحة لها وأنها ماتزال آنسة، فصدقها الجمهور لأنه مؤمن ببساطتها وتلقائيتها المدهشة.
وقد حقق الفيلم نجاحا مذهلا في ذلك الوقت وتفوق على فيلم محمد عبد الوهاب الجديد «رصاصة في القلب»، الذي كان يعرض على الرصيف المقابل في سينما ستوديو مصر، بل إن الخياطات اخترن أحد فساتينها في الفيلم وجعلن منه موضة الموسم، وهو الفستان الذي كانت تلبسه عندما غنت «بتبص لي كده ليه»، وقد ضم الفيلم عددا من النجوم وفي مقدمتهم الفنان الكوميدي عبدالسلام النابلسي والفنانة الكبيرة فردوس محمد .
وقد دفع هذا النجاح الفنان محمد عبدالوهاب إلى أن يتنازل عن كبريائه، ويطلب من ليلى مراد أن يعودان معا للعمل في فيلم جديد من إخراج محمد كريم.
وقد كادت ليلى في غاية السعادة والشعور بالثقة، لأنها نجحت في إجبار عبدالوهاب الذي سبق أن صدها من قبل ليرجوها أن تعمل معه في عمل واحد بعد نجاحها الساحق في فيلم ليلى، حتى أنه كان يداعبها لأول مرة وينادى عليها «غادة الكاميليا»، في إشارة إلى بطلة فيلم ليلى، وقد حدثت مقابلة مثيرة بين ليلى وعبدالوهاب فى مكتب الأخير في حي الموسكى، ذكرت نصها الكاتبة حنان مفيد فى كتابها «سيدة قطار الغناء».
كان مشهدا مثيرا عندما خطت ليلى عتبات مكتب عبدالوهاب معبود النساء، وحبيب القلب الأول وصاحب الصدمة العاطفية الأولى أيضا في حياتها عندما رأت الجميع يقفون فى حماس لاستقبالها وتحيتها : محمد كريم أحد مؤسسي فن السينما فى مصر والمخرج المعروف.
والدكتور بطرس بيضا صاحب شركة بيضا فون للإنتاج . وقد شعرت ليلى لأول وهلة أنها تعامل كنجمة وليست وجها جديدا يحلم بالتمثيل أمام محمد عبدالوهاب ولو فى مشهد واحد . ولم تنس لمحمد كريم إساءة معاملته لها فى السابق حين كانت تخطو أولى خطواتها الفنية . وكانت تتعامل بشكل رسمي غريب عنهم لم يتعودوه من ليلى البسيطة التلقائية وكأنما تريد توجيه رسالة ما لعبدالوهاب بالمعنى الصريح «ليست ليلى التي عرفتها أنا الآن نجمة لها وزنها».. وعندما عرض عليها عبدالوهاب أن تكون بطلة فى فيلمه الجديد طلبت أن تحصل على أجر 15 ألف جنيه مصري وهو مبلغ ضخم فى تلك الفترة لم يحصل عليه أحد من قبل . ورفضت رجاء عبدالوهاب لها بأن تقوم بتخفيض المبلغ إلى 8000 جنيه فرفضت فأحس عبدالوهاب بأن كبرياءه اهتزت فغادر الحجرة الى خارجها . وظل كريم وبيضا يفاوضان ليلى ولكنها كانت تزداد تمسكا برأيها وعندما ذكرها د. بيضا بأن بدايتها مع شركتهم كانت 300 جنيه فقط، ازدادت ليلى عنادا وقالت لهما: أنا مش ناسية بدايتى .. الكلام ده فات عليه عشر سنين دلوقت الدنيا تغيرت.
وكان لعناد ليلى وتمسكها بأجرها أن رغبة عبدالوهاب فى أن يجمعهما عمل واحد باءت بالفشل . وهذه قصة تستحق أن نتوقف عنها ..
ماسر هذه العلاقةالمعقدة والغامضة بين ليلى مراد وعبدالوهاب .؟ولماذا ظلت تحبه رغم أنه كسر قلبها وهو مايزال أخضر لم يفتح لأحد قبله أسراره ؟ وهل كان نجاحها الفنى فى عالم السينما والغناء من أجل أن تثبت لعبدالوهاب أنها ستكون مشهورة مثله وستحظى بنفس مكانته بل أكثر ؟
كل أصدقاء ليلى والقريبين منها أكدوا أنها فعلت كل شىء فى سبيل إثبات ذاتها أمام غرور عبدالوهاب وثقته واعتزازه الشديد بنفسه ..
فتقول عنها الفنانة مديحة يسرى عيب ليلى الوحيد أنها كانت رومانسية أكثر من اللازم ، كانت تعيش بقلبها . كل شىء تأخذه على أعصابها وأنا مثلا رومانسية بعض الشىء ولكنى أحكم عقلى قبل أى تصرف وهكذا كانت علاقتها بمن تحب " .ويقول صالح مرسى فى اعترافات ليلى مراد فى أيامها الأخيرة " كانت ليلى مراد تحب عبدالوهاب حتى وفاته ، مرت السنوات والأحداث وتزوج عبدالوهاب وطلق ، وأصبح أبا ثم تزوج مرة أخرى .. وتزوجت ليلى مراد وأصبحت أما . . أصبح هو محمد عبدالوهاب وأصبحت هى ليلى مراد ، أحب كما أحبت هى ، تقدمت بهما السن وأصبحا يتذكران تلك الأيام ويضحكان وكأنهما يشاهدان طفلين يلعبان فى الرمال .. لكنها تحبه ، لاتزال تحبه ، لم يبارحها عطر سنوات الشباب الأولى رغم مرور العمر " ..
وماسر هذا الحب الهائل الذى يشبه الأساطير ولماذا تريد ليلى أن تعذب نفسها بشخص لايحبها وهناك آخرون يتمنون رضائها ؟
انه سر عبدالوهاب الكامن فى شخصيته وفى تأثيره على هذا الجيل من الفنانين ، سيطرته المذهلة على الذوق الموسيقى فى مصر وعلى من يريدهم أصدقاء له ..
ويكشف الموسيقار الكبير حلمى بكرنقيب الموسيقيين الأسبق ، عن تأثير عبدالوهاب الكبير على شخصية ليلى مراد مهما كان بينهما من خلافات قائلا : "كان الأستاذ الكبير محمد عبدالوهاب المستشارالفنى الوحيد لليلى مراد ، كانت تثق فيه وتستشيره فى كل صغيرة وكبيرة ، وكانت هذه من ضمن الأزمات التى كان أنور وجدي ، يستغلها لصالحه ، كان يثور ويهدد ويتوعد بسبب علاقتها الحميمة بعبدالوهاب .. وأذكر عندما كنت فى مجلس نقابة الموسيقيين أن اتصل بى عبدالوهاب وسألنى عن معاش ليلى مراد فقلت له إنها ليست مقيدة فى النقابة . فغضب عبدالوهاب وقال لي " وكيف لاتكون ليلى مراد على رأس جدول القيد ؟ " .
ومما سبق يتضح لنا أن محمد عبدالوهاب يحتل مكانة خاصة في السيرة الذاتية لليلى مراد، فقد ذكرت في شريط نادر سجل معها قبل وفاتها بأشهر قليلة، ولم يذع إلا بعد الوفاة أنها أحبت عبدالوهاب طيلة حياتها وأنها ستظل تحبه حتى آخر يوم من عمرها، وفي هذا الشريط تقول ليلى مراد أنها بدأت أولى خطواتها الفنية على يد 'أستاذها' عبدالوهاب، وأنها مدينة له بالكثير، وان ثلاثة أرباع أغانيها كانت من تلحينه، وان قلبها خفق يوما بحبه، ولما باحت له بهذا الحب أباح دمها."
لقد كان عبدالوهاب مصرا على تجاهل حب ليلى مراد له ، كان يلمس إعجاب هذه المطربة الصاعدة به، كما كان يلمس ان الأمر ليس مجرد إعجاب، بل هو أكثر من ذلك، وكان سعيدا في قرارة نفسه ليس كرجل فقط، بل كممثل ومنتج يريد أن يخدم أعماله الفنية فقط .
لقد صمتت ليلى مراد طوال حياتها ولم تبح بالسر الذي يعذبها وهو أنها تحب 'أستاذها'، وكانت تتعذب أكثر عندما تشاهد الفتيات يحمن حوله في كل مكان في الاستديو والأماكن العامة، فتلهب نار الغيرة قلبها، وكان هو يلهو مع الأخريات من المعجبات والعاشقات، ولكن كان يتعامل بحنكة وحكمة، وكان يعلم كيف يفرمل هذا كله ويضع النهاية المناسبة بسرعة دون ان يترك جراحا دامية . إلا مع ليلى مراد فقد جرحها جرحا ظل يلازمها طول العمر.
وقد كتب عنها المخرج الكبير محمد كريم في مذكراته قائلا : 'كانت ليلى مراد وديعة وخجولة إلى ابعد حد، كانت تخجل حين تضحك، وتخجل حين تتكلم.. وضايقني ان لها ظروفا خاصة تسبب لها حزنا دائما، لهذا كانت بادية الكآبة يغمى عليها من أقل مجهود كانت تبذله' .
وقد يكون ذلك الحزن وتلك الكآبة بسبب محمد عبدالوهاب ..
ويمضي محمد كريم في مذكراته عن ليلى مراد مستطردا " عندما رأيتها لأول مرة في منزل محمد عبدالوهاب الذي رشحها للوقوف أمامه في بطولة 'يحيا الحب'، متمنيا ان تنال إعجابي خاصة من ناحية القوام، وافقت عليه باستثناء جزء من جسمها لا حيلة لها فيه.. لم يعجب الفيلم والدها زكي مراد، فقد اخذ يضرب كفا بكف بعد مشاهدته، ويقول: 'عبدالوهاب قضى على ليلى مثلما قضى من قبل على منيرة المهدية'.. ولكن مخاوف الأب لم تتحقق، وإنما كانت لهفة على نجاح ابنته'. .
عبدالوهاب هو الحاضر الغائب فى سيرة ليلى مراد وليس أنور وجدى كما يتحدث مسلسلها الذى يعرض على الشاشات العربية فى حلقاته القادمة .
وتعترف ليلى مراد فى مذكراتها بأنها أثناء تسجيل اغنية 'الحب جميل' طلب الأستاذ عبدالوهاب إيقاف التسجيل حين كنت أردد المقطع: 'ولما القلب يجي يفرح'.. وظننت أنني أخطأت في شيء، فإذا بالموسيقار الكبير يقول: ان لك أجمل حرف حاء" .
انه الحب الخالد الأبدى الذى لايرتبط بمصلحة أو مال أو شركة فى الفن ومتاعب فى الحياة مثل قصتها مع أنور وجدى والتى سترد فى الحلقة المقبلة.
عبدالوهاب الذى غنت له ليلى مراد فى فيلم "الماضى المجهول" أغنية "الدنيا ليل" التى غناها قبلها ، واعتبرت صحف ذلك الوقت أن هذه هى المرة الأولى التى تغنى فيها مطربة لحناً تم غناءه من قبل.وفى ظل منافسة بين الاثنين على تقديم كل جديد .. لكنها كانت متعلقة لاشعوريا بأطياف وعبق عبدالوهاب .
وقد اعترف ابنها البكر أشرف وجيه أباظة ابن الطيار المعروف وأحد الضباط الأحرار أن محمد عبدالوهاب وخالى إبراهيم مراد وأنور وجدى .. أهم ثلاثة أثروا على والدتى ولعبوا دورا مهما فى بدايتها الفنية .
عبدالوهاب اذا فى نظر ابنها رقم 1 قبل شقيقها وزوجها الأول .