في عيد تحرير سيناء.. ملحمة تاريخية عبر العصور

الخميس، 21 أبريل 2016 02:35 م
في عيد تحرير سيناء.. ملحمة تاريخية عبر العصور
أرض سيناء

"الموقع الاستراتيجي الهام" هو كلمة السر فى الملاحم التاريخية التى دارت على أرض سيناء على مر العصور، والذي مثل ومازال العنصر الحاسم فى تاريخها وحاضرها ومستقبلها، فهى تملك ٣٠ فى المائة من طول السواحل المصرية على البحار، إذ تقع بين البحر المتوسط شمالا، وقناة السويس غربا، وخليج السويس من الجنوب الغربي، ثم خليج العقبة من الشرق والجنوب الشرقي، وهى حلقة الوصل بين آسيا وأفريقيا، والمعبر بين حضارات العالم القديم في وادي النيل والدلتا ونهري دجلة والفرات وبلاد الشام.

انعكست الأهمية الدينية، والجغرافية والاقتصادية لسيناء على مكانتها، وتطورها التاريخي حتى أضحى تاريخها بمثابة سجل شامل للأحداث الكبري في المنطقة في الماضي البعيد والقريب معا، وصفحاتها فى التاريخ بدأت فى العصور القديمة منذ نحو ١٠٠ ألف عام.

وفى العصر الحديث، أبرزت الحملة الفرنسية علي مصر (عام 1798)، وعلى الشام (عام 1799)، الأهمية الاستراتيجية المضاعفة لسيناء، ففي العام التالي لحملته على مصر، وجه نابليون بونابرت حملة إلى الشام عبر الطريق الحربي شمالي سيناء ولكن القوات العثمانية كانت قد سبقت لملاقاته واستولت بقيادة أحمد باشا الجزار والي عكا على قلعة العريش والتمركز فيها.

وهكذا دارت على أرض سيناء معركة كبرى، وتحولت سيناء من أرض مرور الجيوش إلى ساحة معارك، وواجهت القوات الفرنسية مقاومة عنيفة من بدو سيناء ومن أهل مدينة العريش، وثم من القوات العثمانية في القلعة، وبعد حصار لنحو عشرة أيام، أمكنهم الاستيلاء على العريش واعتبر الفرنسيون ذلك نصرا هائلا، زفوه إلى قوات الحملة في مصر وأعلنوه في الأزهر.

وواصلت الحملة طريقها إلي الشام ولكنها فشلت في فتح عكا، فتراجع الفرنسيون لتشهد أرض سيناء، مناسبة تاريخية أخرى هي المفاوضات بين الفرنسيين والعثمانيين، وكان ذلك في معسكر الصدر الأعظم بمدينة العريش إلى أن تم التوقيع على معاهدة العريش في 28 يناير عام 1800، والتي كانت لبنة مهمة في خروج الفرنسيين، وإلى جانب أحداث العريش، فإن نابليون بونابرت اهتم منذ دخوله مصر بدير سانت كاترين، وأصدر منشورا أعطى فيه رهبان الدير امتيازات واضحة.

وأبرزت الحملة الفرنسية من جديد أهمية سيناء الاستراتيجية والدفاعية، بإحياء فكرة شق قناة بين البحرين الأحمر والمتوسط، ومن جانبها اهتمت بريطانيا بسيناء اهتماما كبيرا قبل وأثناء الاحتلال البريطاني لمصر، وأنفقت الأموال الكثيرة على البعثات العلمية وعمليات المسح، وحاولت استمالة ورشوة بدو سيناء ضد الحركة العرابية.

ولكن أبناء سيناء الذين وصلتهم أنباء الثورة العرابية، واستبشروا بها مثل سائر أبناء مصر، رفضوا المحاولة البريطانية التي قام بها "بالمر " فى عام 1882، ولم يكتف أبناء سيناء بذلك، بل تجمع شبابها وقرروا القضاء على بعثة بالمر المشبوهة وإفشال الخطة البريطانية، وبتنفيذ ذلك أثار ثائرة بريطانيا، وما أن استقر احتلالها لمصر حتى اتجهت إلى سيناء والقت القبض على 12 شخصا لمحاكمتهم.

واستنادا إلى دروس الحرب العالمية الأولى فقد جعلت سلطات الاحتلال الإنجليزي سيناء تابعة لإدارة عسكرية مباشرة، الأمر الذي ظل قائما حتى أثناء حرب فلسطين فى عام 1948، وبعدها وحتى عام 1956.

وبنفس الأسلوب اتجهت القوات الإسرائيلية إلى الطريق الحربي للوصول إلى قناة السويس والالتقاء بقوات فرنسا وبريطانيا المشاركة في العدوان، الذي اندحر بفضل صلابة المقاومة المصرية والرفض العالمي لمنطق العدوان وأهدافه، فانسحبت القوات الإسرائيلية من سيناء إلى حدود مصر الدولية.

وبعد 11 عاما أخرى كانت سيناء هدفا لعدوان إسرائيلي جديد في 5 يونيو عام 1967، ولم يكن ممكنا أن يخرج هذا الاحتلال الجديد لسيناء إلا بتضحيات كبرى تمثلت في حرب الاستنزاف التي استمرت حتى حرب أكتوبر المجيدة فى عام 1973 والتي استعادت فيها مصر جزءا غاليا من تراب سيناء ومهدت الطريق لاستعادتها في عام 1982 من خلال اتفاقيات سلام بين مصر وإسرائيل.
وتكررت المحاولات الإسرائيلية للاحتفاظ بجزء من سيناء عند طابا، الأمر الذي حسمه نهائيا حكم هيئة تحكيم دولية في عام 1988، وبهذا استعادت مصر آخر شبر من أرض سيناء في عام 1989، لتدخل سيناء بذلك مرحلة جديدة أملتها دروس هذا التاريخ الحافل بالأحداث والمعارك.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق