طلال رسلان يكتب: كيف استخدم آبي أحمد «أزمة سد النهضة» للتغطية على الفشل والانهيار الداخلي؟
الثلاثاء، 06 يوليو 2021 03:30 م
بدا الأمر واضحا منذ البداية، كانت ورقة أزمة سد النهضة مجرد مراوغة سياسية كبرى من آبي أحمد رئيس الوزراء الإثيوبي، بعدما تداعت عليه الأزمات الداخلية، في محاولة لإيقاف نار غضب الشعب الإثيوبي الذي يعاني الأمرين من أوضاع معيشية وفقر شديد وموارد معدومة وصراعات مشتعل بين ميليشيات مسلحة.
بين تعنت ومراوغة وتملص من القوانين والمساءلة الدولية يحمل آبي أحمد أوزار أزمة السد الإثيوبي، بعد جولات من الفشل على الصعيد الداخلي بترويج الوهم، قبل اللعب بورقة إفشال مفاوضات السد مع القاهرة والخرطوم.
آبي أحمد الذي نال جائزة نوبل للسلام قبل نحو عامين على جهوده في عملية السلام داخليا، لم تنعم إثيوبيا بعدها وبسبب سياساته بالاستقرار ولا السلام يوما، فزادت وتيرة الاضطرابات والصراعات، وراحت وعود إصلاح الأوضاع المعيشية في مهب الريح، وراحت معها آمال الشعب التي عقدت على تلك الوعود، وانقلبت الأوضاع وزاد الغليان الداخلي، وعمت الفوضى في البلاد يوما تلو الآخر.
المتابع للأوضاع الداخلية في إثيوبيا، سيشهد بعدم مرور أسبوع تقريبا إلا ويشهد الدخل الإثيوبي اضطرابا أمنيا، أكثرها حدة على الأطلاق ما وقع أواخر 2020، عندما قام مسلحون بجمع مدنيين وأعدموهم جماعيا في حي جوليسو غرب ووليجا تحديدا في منطقة أوروما، بسبب صراعات عرقية، قبل اعتراف الحكومة الإقليمية هناك بالمجزرة.
جاء اشتعال الأوضاع الداخلية في إثيوبيا ممهورا بضعف آبي أحمد، وسط اشتباكات دموية مستمرة، وفشل الرجل الفائز بجائزة نوبل للسلام، في إنجاح السلام في البلد الذي يعاني من غياب الإصلاحات، التي كانت نتيجة طبيعية لافتقار رئيس وزرائه للخبرة الكافية لإتمام عملية انتقالية ديمقراطية ناجحة ودون دماء.
في بداية حكم آبي أحمد، الذي لم يصعد إلى السلطة أصلا عن طريق الانتخاب، كان هناك تأييد حذر من الشعب ومن ثم المجتمع الدولي، فالأغلبية لم تصدق غير الواقع المؤلم بسبب انهيار الحياة في الداخل وانعدام الأمن، وبعد مرور 3 أعوام من سلطة آبي آحمد انكشف أمر المراوغات بعدما فشل في حل الأزمة السياسية الداخلية وإيقاف اشتعال غضب السخط الشعبي المتزايد.
لم تكن مشاهد تمزيق صور آبي آحمد في تظاهرات عمت أرجاء الأقاليم الأثيوبية وطالبت جميعها بالانفصال في منتصف أبريل الماضي، من فراغ، فقد سقط اللثام وانكشف تزييف الحقائق، فقد حاول لسنوات اللعب على مشاعر الإثيوبيين منذ بداية توليه السلطة، بإطلاق سراح آلاف السجناء السياسيين وإيقاف الرقابة المفروضة على مئات وسائل الإعلام، وأعلن ترحيبه بعودة المعارضة من المنفى ثم وعد بإجراء انتخابات حرة نزيهة، فشل في إدارة أزمة الاضطرابات العرقية المتواصلة منذ فترة، ووضعه الشعب على رأس المطرودين، وخاصة مع عدم إنصافه للمهمشين سياسيا واقتصاديا.
ولم تختلف حال حقوق الإنسان في الداخل الإثيوبي كثيرا عن باقي الأوضاع، فقد شهدت تدهورا كبيرا، على خلفية حملات الاعتقالات الكبرى التي طالت المئات من أفراد الشعب الذين خرجوا غاضبين في التظاهرات، وقطع خدمات الإنترنت للتعتيم على الغليان الداخلي، وعلت الأيام الأخيرة أصوات منظمات حقوق الإنسان المحلية والعالمية ضد سياسات آبي أحمد الانتهاكية.
في أواخر مارس الماضي، أقرت الأمم المتحدة ولجنة حقوق الإنسان الإثيوبية بوقوع انتهاكات عرقية في إقليم تيجراي شمال إثيوبيا، وأشارت اللجنة الإثيوبية لحقوق الإنسان والمفوضية السامية لحقوق الإنسان، في بيان، إلى أنهما تراقبان عن كثب الأوضاع في الإقليم منذ الرابع من نوفمبر الماضي.
وأتت هذه التطورات في عمل اللجنتين الإثيوبية والأممية بعد التقارير التي أصدرتها منظمات دولية وحقوقية بشأن جرائم وأعمال ضد الإنسانية ارتكبت في إقليم تيجراي ضد مواطنين أبرياء أثناء عملية إنفاذ القانون التي قام بها الجيش الإثيوبي مدعوماً بقوات إريترية في نوفمبر الماضي.
وفي بيان سابق لها، قالت مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان ميشيل باشليت، "مكتبها أثبت حدوث سلسلة انتهاكات خطيرة قد تشكل "جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية" ارتكبتها القوات الإثيوبية والإريترية في الإقليم."
قبل ذلك بنحو شهرين ذكرت منظمة العفو الدولية، أن جنوداً إريتريين قتلوا مئات المدنيين في مدنية أكسوم الإثيوبية بين 28 و29 نوفمبر، في واحدة من عمليات قتل جماعي عدة تم الإبلاغ عنها في منطقة تيجراي شمال إثيوبيا، واستشهدت المنظمة بروايات 41 شاهداً، وقالت إن عمليات الإعدام الجماعي للمدنيين التي نفذتها القوات الإريترية قد تشكل جرائم ضد الإنسانية.
وسط الضغط الدولي بإقرار وقوع الانتهاكات الحقوقية في الداخل الإثيوبي، وجد آبي أحمد نفسه محاصرا وتداعت أسطورة رجل السلام، قبل أن تكشف لجنة حقوق الإنسان الإثيوبية (المستقلة) مقتل أكثر من 100 مدني خلال يومين في مدينة أكسوم بإقليم تيغراي، ولفتت إلى أن عدد القتلى قد يكون أكثر من ذلك، وقالت، "هذه الانتهاكات الواسعة النطاق لحقوق الإنسان، ليست جرائم عادية، ولكنها تشكل مخالفات جسيمة للقوانين والمبادئ الدولية وقوانين حقوق الإنسان".
وقتها لم يجد آبي أحمد أمامه، بعد انفجار موجة التنديدات والغضب الدولي وعلى رأسها أمريكا، سوى القادة الأفارقة للوقوف مع بلاده، وفق ما نص خطابه أمام ما سماه موجة العتاب الدولي، قبل فوات أوان التعهدات التي صاغها بمحاسبة المتورط في المجازر.
أمام كل خطوات السقوط والاختبارات التي انهارت فيها مراوغات آبي أحمد أمام الشعب والعالم، برزت لعبته الأشهر في أزمة سد النهضة واستموت عليها، للهروب إلى وعود زائفة أمام شعبه بالتنمية والاقتصاد المزدهر، قبل أن تنكشفت ورقته الأخيرة بمد القاهرة والسودان يد العون بالمفاوضات على مدار سنوات مرت، وإعلان النية بعدم الوقوف أمام مصلحة الشعب الإثيوبي بل والشراكة أيضا في عمليات التنمية مع جميع الدول الأفريقية، قبل تحطيم آبي أحمد لمساعي المفاوضات الجادة لحفظ حقوق الشعوب في فصل آخر من فصول التعنت والغرور، فالبطبع الرجل الذي فشل في حل مشكلة الصراعات الداخلية، وتفاقمت عليه الأزمات، سيفشل في إدارة ملف دولي مثل سد النهضة.
مؤخرا يبدو أن أزمة سد النهضة الأثيوبي وصلت إلى نقطة فاصلة وأكثر خطورة، عندما أصر آبي آحمد على نهجه في خطوات تصعيدية تجاه دولتى المصب، بهدف تقويض كافة المحاولات التى تقودها مصر والسودان، من أجل الوصول إلى مفاوضات عادلة، تضمن حقوقهما المائية، عبر استباقه جلسة مجلس الأمن المزمع انعقادها يوم الخميس المقبل بإرسال خطاب رسمى إلى مصر يفيد ببدء الملء للعام الثانى.