الخيمة.. لماذا كره «الفاجومى» الست والعندليب؟

السبت، 10 أبريل 2021 06:00 م
الخيمة.. لماذا كره «الفاجومى» الست والعندليب؟
احمد فؤاد نجم
مصطفى الجمل

 
عاش العبقرى أحمد فؤاد نجم «الفاجومى» حياته بالطول والعرض، لم يتقرب لأحد بغرض منفعة ولم يخش كره أحد أيا ما كان لومة لائم، يقول فى كل حواراته التليفزيونية، وفى مذكراته «لم أكتب الشعر يوما لأنال شعبية أو أكوّن جمهورا يدافع عنى، إنما هى المواقف التى تستفز بداخلى طاقة شعرية فأترجمها فى كلمات، تخرج فى الوقت المناسب كالرصاصة فى صدر من أستهدفه».
 
كانت للفاجومى مناورات أدبية واشتباكات فنية مع عدد من الكتاب والنقاد والشعراء والمغنيين، أحب صلاح جاهين وهجاه، وزامل عبدالحليم حافظ، وانتقده سرا وعلانية، لكن تبقى معركته الفنية الأشهر، تلك التى اشتبك فيها مع كوكب الشرق السيدة أم كلثوم، وكتب قصيدته الشهيرة «كلب الست». 
 
تشاجر الفاجومى مع السيدة أم كلثوم والعندليب الأسمر عبدالحليم حافظ، كانت له أسباب معلنة قالها الثلاثة ومنها ما هو خفى، نستعرض أبرز تلك الأسباب فى أولى حلقات خيمة «صوت الأمة» الرمضانية خلال السطور المقبلة. 

سلطة الست المستفزة للفاجومى
عندما كتب الراحل أحمد فؤاد نجم، قصيدته «كلب الست»، قال إنه سمع بحادث أليم لمواطن مر من أمام قصر السيدة أم كلثوم بمنطقة الزمالك، اشتبك معه كلب السيدة أم كلثوم، وتسبب له فى عاهة مستديمة، وهنا ليس مكمن المأساة التى استفزت طاقة الفاجومى الشاعرية، لكن ما وقع بعد ذلك كان هو الأنكى، فالطالب الذى عضه كلب الست ذهب وحرر محضرا فى قسم الشرطة، ظنا منه أنه قادر على أخذ حقه من مالك الكلب، لكن المحقق الذى عرضت عليه القصة تلقى العديد من الاتصالات لحفظ القضية والتحفظ على الطالب المجنى عليه، ليخرج الطالب بعد أسبوع حبسا يتباهى فى الجرائد بعضة كلب الست.
 
هنا استفز الفاجومى وزار الطالب وشاهد كيف هو يعيش فى حالة يرثى لها، وكيف أن أباه حرم نفسه وشقيقيه من كل شىء ليتعلم هو فى معهد التربية الرياضية، وكيف أن كل ذلك ذهب مع ريح كلب الست، التى تحولت «كما يراها نجم» من مغنية الشعب إلى سلطة فوق الشعب، تأمر وتنهى وتدوس بقدميها على البشر والقانون. 
 
الواقعة فى حد ذاتها كانت مستفزة لحد كبير لمشاعر فؤاد نجم، لكن الإحساس بأن الست باتت سلطتها موازية لسلطات الدولة، كان أكثر استفزازا، إحساسه كفنان بأن زميلة له تحولت لطاغية متجبرة لا يمكن لأحد أن يقف أمامها كان أكثر إيلاما لمشاعر نجم، هذا الألم الذى لم يجعله يتردد فى إطلاق رصاصته، مع العلم أنها كانت من الممكن أن ترد فى صدره هو فتقتله، فمَن يهجو الست أم كلثوم، وما أدراك فى ذلك الوقت ما معنى أن يتعرض أحد للست أم كلثوم؟ 
يقول الفاجومى عن مخاطر هذا العداء الأدبى وهذه القصيدة: «انتشرت كالنار فى الهشيم، ولولا خفة دم القصيدة لانتهيت وما تقبلها الشعب»، كل من قرأ القصيدة حتى نجل شقيقة الست مات ضحكا.
وعن ردة فعل الست، قال الفاجومى إنها قالت للناقد الفنى جليل البندارى: «هخرب بيته»، فرد جليل قائلا: «معندوش بيت»، فأتبعت: «هشرده»، فرد: «هو كده كده مشرد». 
كان الفاجومى يرى أن الفنان الذى لا يعيش حياة قاسية لن يتمكن من مواصلة تقديم فنه، ولذلك كان يعيب على السيدة أم كلثوم تربعها على عروش محاطة بالخدم والحشم، من كثرتهم لا ترى منهم البسطاء الذين تغنى لهم وتستهدفهم بصوتها. 
إلا أن كل ذلك لم يمنع الفاجومى من أن يحب صوت أم كلثوم، خاصة أغانيها القديمة والأطلال، ولكنه لم يحب أبدا «انت عمرى»، وكان يرى أن الفترة التى ظهرت فيها «انت عمرى» كانت أم كلثوم تستسهل فى اختيار أغانيها والكلمات، نظرا لأن حنجرتها كانت بدأت فى الضعف.
الملجأ الذى اعتز به نجم وكرهه العندليب 
إن كان الخلاف بين الفاجومى والسيدة أم كلثوم سببه عضة كلبها لطالب، فسبب الخلاف بينه وبين عبدالحليم حافظ كان مختلفا تماما. 
 
زامل «نجم» عبدالحليم حافظ فى ملجأ للأيتام بمحافظة الشرقية، لكن كل منهما اختار طريقه بعد ذلك، فلم يلتقيا أبدا فكريا.
 
كان «نجم» يقيم بالملجأ، لكن عبدالحليم حافظ كان يذهب إلى ملجأ عبدالعزيز رضوان، بسبب أنه كان المكان الوحيد فى الزقازيق حينها الذى يعلم الغناء ويضم آلات موسيقية، إذ هوى عبدالحليم حافظ الغناء منذ صغره، ليتردد على الملجأ الذى كان محل إقامة «الفاجومى». 
 
يروى «نجم» تفاصيل نشأته مع عبدالحليم حافظ، قائلا: «باخجل من نفسى جدا لما بتذكر إنى كنت برتكب حماقة شديدة جدا بإنى بقف أغنى مع عبدالحليم، كنت بغنى قصاده، وبنافسه وبنبقى إحنا الاتنين راس براس، ماتفهمش جرأة الجاهل دى كنت جايبها إزاى، وهو صغير كان صوته جميل جدا وقريب من صوت المطربة فيروز، أجمل حتى من صوته وهو كبير».
 
وفسّر «نجم» سبب خروج عبدالحليم حافظ من الملجأ، قائلا: «وقع من فوق الملجأ لأنه كان شيطان وهو صغير، ضهره اتكسر واتنقل للمستشفى، وبعدها انتقل إلى القاهرة ودخله أخوه معهد الموسيقى».
 
العلاقة الباردة بين نجم والعندليب، مردها إلى لقاء فى بداياتهما لم يحسن فيه العندليب استقبال الفاجومى، فيقول «نجم» إنه علم أن عبدالحليم أصبح مطربا فى القاهرة، فقرر يزوره ويصف الزيارة فى السطور المقبلة: «فى يوم عرفت إنه جه مصر ومعرفش إيه اللى خلانى أقرر إنى أزوره فى بيته فى المنيل وكان لسه متشهرش ولا أنا كان حد يعرفنى لسه، أول ما شافنى وشه اصفر وسلمنا على بعض سلام بارد جدا، وطول القاعدة متكلمناش كلمتين على بعض غير إزيك.. عامل إيه وخلاص، وفضلنا باصين لبعض».
 
العندليب الأسمر كان يرفض العمل مع «نجم» والشيخ إمام، ليس لعيب فى شخصيهما، ولكنه كان يرفض العمل مع اليسار المصرى كله، وتجلى رفضه لعمل كل من أحمد فؤاد نجم والشيخ إمام، ومزّق سيناريو فيلم «وتمضى الأيام» الذى كتب له السيناريو يوسف شاهين، لمجرد أن قام الأخير بإضافة شخصيتين هما أصدقاء البطل ولهما تأثير كبير عليه أحدهما شاعر شعبى اسمه أحمد فؤاد نجم، والآخر مغنى أعمى اسمه الشيخ إمام، وانطلق حينها «حليم» يمزق السيناريو قائلا: «جايبلى اتنين شيوعيين يعلمونى الوطنية». 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق