إبراهيمية الخليل عليه السلام تتصدى لفتنة الديانة الإبراهيمية الجديدة المزعومة!!
الأحد، 28 فبراير 2021 04:10 م
تمثل الديانات الإبراهيمية الموضوعات الرئيسة في علم دراسة الأديان المقارن؛ فاليهودية والمسيحية والإسلام تجمع أكبر عدد من الأتباع عالميا، فتشير التقديرات إلى أنّ أكثر من 55% من سكان العالم هم من أتباع الديانات الإبراهيمية.. فتشكل المسيحية حوالي 31%، بينما يشكل الإسلام حوالي 24 %، واليهودية حوالي 02, %، تقريبا.
الجدير بالذكر هو أن الديانات الإبراهيمية الثلاث تؤمن أن لها نسباً مباشراً إلى سيدنا إبراهيم، فيأتي سيدنا إبراهيم في التوراة كجد لبني إسرائيل من خلال ابنه إسحاق. و في المسيحية يُفهم على أنه نسب من الناحية الروحية.. أما الإسلام فيقر أن رسول الله سيدنا محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم ينحدر من سلالة إسماعيل بن إبراهيم عليه السلام.
هذه المقدمة رأيتها ضرورية قبل الحديث عن ما يثار اليوم من جدل حول مصطلح الإبراهيمية.. الديانة الإبراهيمية.. والاتفاق الإبراهيمي ..وما يسمى بالديانة الرابعة.. التي تهدف زوراً إلى مزج الرسالات الثلاث المقدسة اليهودية.. والمسيحية.. والإسلام..في دين واحد جديد مشترك يسمونه " الإبراهيمية الجديدة " ..!!
ولقد آثرت عدم الصمت والاضطلاع بالكتابة وتناول الموضوع بالشرح والتوضيح لعدة أسباب منها أنه يقع في تخصصي الأكاديمي وهو علم دراسة الأديان المقارن..، وكذلك اقتناعا بواجبي ورسالتي التي شرفني الله بها بالعمل الجاد على نشر الفكر الصحيح وترسيخ قيم التسامح والسلام بين أتباع الأديان لأنه من الثابت أن المناقشة الهادئة والتفنيد الجيد وتبادل الآراء العلمية تمكننا دائما من الوصول إلى أفضل النتائج.
إن البحث عن المشترك بين الديانات السماوية الإبراهيمية وترويجه، وكذلك السعي نحو فتح آفاق من الفهم والتفاهم والتعاون هو مسألة وحاجة إنسانية حتمية وأرى أنه لا ضير فيها إذا تم وضعها في إطارها السليم المحدد بضوابط صحيحة اتفقت عليها الديانات الثلاث، وأهم هذه الضوابط هو الثوابت الدينية، وهذا هو المحدد الحقيقي لترسيخ أسس الفهم والتفاهم والحوار الديني والتجديد الفكري والحوار بين الأديان.
لقد شهدت الآونة الأخيرة عدداً من الآراء والأقاويل والترهات غير الصحيحة وغير المنطقية والبعيدة عن قدسية وقداسة الديانات الإبراهيمية .. وتناولت تلك المحاولات مصطلح الإبراهيمية باعتباره ديانة رابعة..! في هجوم فج على مفاهيم الأديان وثوابتها وقدسيتها، هذا في الوقت الذي يوجد فيه بعد شاسع كبعد الثرى من الثريا بين الإبراهيمية وأؤلئك المرجفين..
لقد أنزل الله الرسالات السماوية الثلاث لتؤكد وتكمل كل منها سابقتها، حتى جاءت رسالة الإسلام السمحة خاتمة لكل الرسالات ومكملة لكل الشرائع وحاضة على الإيمان بمن سبقهوا من الأنبياء والمرسلين والكتب السماوية المنزلة..، ولعله من المفيد التذكير على أن لكل رسالة خصوصيتها الدينية.. ولكل منها نصوصها المقدسة.. وقيمها الإنسانية الواردة في نصوصها الدينية، ونواهيها التي أمرت أتباعها بالبعد عن اقترافها، وطرق عبادتها المأمور بها أتباعها من صلاة وصيام وزكاة وغيرها، ولكل منها أيضا أماكنها المقدسة التي يحج إليها أتباعها..، إلى غير ذلك من الخصوصيات الدينية التي استقلت بها كل ديانة.
وبالرغم من وجود ذلك الاستقلال فإن هذا الأمر لا ينفي وجود كم هائل من المشترك الديني بينها، سواء في عقيدة التوحيد أو التشابه بين العبادات، و القيم الدينية المشتركة، فهذا المشترك يمثل الأرض الخصبة نحو البحث عن سلام العالم والتعايش الآمن. فالديانات السماويّة اليهوديّة، والمسيحيّة، والإسلام تحث جميعا على الاهتمام بالفضائل والأخلاق المشتركة بينها.
إن التقاء الزعامات الدينية في الديانات السماوية حول المشترك هو استلهام صحيح لهداية الأديان ووحدة المصدر من قبل الله الواحد الأحد عز وجل، في مواجهة التطرف المتنامي فيها جميعا، وكذلك سوء فهم الديانات، كما أن تفعيل نقاط الاتفاق يساعد في مواجهة تيارات الإلحاد، كما يعد وسيلة لمواجهة المخاطر الطبيعية والأمراض الوبائية العالمية، وذلك بإحياء قيم التعايش والتعاون والتضامن، وهذا الاتجاه في حد ذاته لا يمكن لأحد أن تسول له نفسه النيل منه أو الانتقاص من قدره أو الوقوف ضده.
أما بخصوص مصطلح الديانة الإبراهيمية المختلق والذي يروج له البعض ويقصد به التوحيد بين الأديان ودمجها في مكان واحد للعبادة، وكتاب واحد يجمع الكتب المقدسة ونصوصها، فإن هذا الكلام لا يمثل دينا بل هو خروج كامل على الأديان والرسالات، وهو انتهاك صارخ لثوابت الديانات وخصوصية كل منها، وفي ذات الوقت هو أمر ترفضه الديانات ويرفضه أتباعها.
فهناك فارق عظيم بين خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام الذي جاء بالحنيفية السمحة وبين مصطلح الإبراهيمية الذي يروجون له حاليا.
إن ما يشاع حول هذا المصطلح يمثل هجومًا على رسالات الأنبياء أبناء إبراهيم عليه السلام، الذين يعظمون أباهم وحنيفيته الهادية إلى قيم عظمى، وقد نزل كل رسول ونبي بتكليف من المولى عز وجل إلى قومه، حيث شكلت الرسالات السماوية سلسلة مترابطة الحلقات لكل منها خصوصيتها وثوابتها.
ولا يمكن على الإطلاق القول أن الرسالات المنزلة هي رسالة واحدة بل هي رسالات تواصلت جميعا في ترتيب وتنظيم إلهي محدد ختمت بالإسلام ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم.
وختاما فإن هذا المصطلح بأبعاده وأهدافه لا علاقة له بالأديان وغايتها، وهو بعيد عن أصول الديانات والخصوصية الدينية والفكر الديني الصحيح لكل ديانة، الأمر الذي يفرض على القيادات الدينية اليهودية والمسيحية والاسلامية التصدي لهذة الدعوة المشبوهة وأمثالها بالشرح والتفنيد والحسم اللازم لوأد الفتنة في مهدها.