الإسلام العلماني!!

الإثنين، 08 فبراير 2021 01:21 م
الإسلام العلماني!!
مختار محمود يكتب :

لا ضيرَ أن تكونَ مُسلماً أو غيرَ مسلم، مؤمناً أو غير مؤمن، هذا شأنكَ وحدَك، فلا تزرُ وازرةٌ وزرَ أخرى، ولكل امرئٍ منهم يومئذٍ شأنٌ يُغنيه، ولكن ليس من حقك أبداً أن تتقمصَ دور "المهدى المنتظر" و "المُجدد المُرتقب"، و"رافع رايات التنوير"، فهذا سَمتُ المنافقين الذين يقولونَ ما لا يفعلونَ، ويُبطنونَ ما لا يُظهرون.
 
 كنْ مُسلماً، أو علمانياً أو ملحداً أو عدمياً، أو أي شيء آخر، أنت حرٌ، ليس لأحدٍ سلطانٌ عليك، ولكن عندما تسعى إلى خلطِ الحقائق، وتُهينُ الإسلامَ، وتهبطُ به من عليائه السماوي إلى مُنحدر العلمانية السُّفلي، وتزعم مثلاً أن الإسلامَ دينٌ علمانىٌّ، كما تروجُ أحاديثُ الإفكِ هذه الأيامَ، فأنتَ –حينئذٍ- كذَّابٌ أشِر.
 
الأسلوبُ القديمُ الذي تتبعه التياراتُ العلمانية المُتغرِّبة في مواجهة الإسلام حالياً، لم يعد يُجدي ولا يؤتي ثماره المرجوة، فقد تبينُ الرشدُ من الغىِّ، لذا لجأتْ هذه التياراتُ المُنحرفة إلى تغيير زاوية الاقتراب إلى الهجوم، فبدلًا من تنحية الإسلام وإبعاده قسرًا عن كلِّ شئون الحياة، لجأوا إلى علمنته، أو إلى أسلمة علمانيتهم.
 
 "علمنة الإسلام وأسلمة العلمانية"، التى تختفى وراء دعاوى التجديد الذى يبغونه.. نظرية شيطانية تحملُ في داخلها مقوماتِ فشلها الذريع؛ فكيف يُمكنُ أن يُوصَفَ الإسلامُ بأنه "دينُ علمانيٌّ" دونَ أن يعني ذلك أنه دينٌ يلغي نفسَه بنفسِه؟! إنَّ علمانية الإسلام المزعومة، تتلخص في أنه دينٌ ليس له قوامٌ أو كيانٌ أو هوية مُميزة تُفرَضُ على الحياة وتُسيِّرُها، بل هو خاضعٌ للتشكُّل والتغيير والتبديل إلى حد الإلغاء والعزل من الوجود، وهذا هو الهدف الحقيقي لأصحاب تلك الدعوى، ومُرادُهم الذي يطمحون إليه. هم لا يبحثون عن تجديد أو تنوير ، بل يهدفون إلى نسفٍ وتحطيمٍ وتسفيهٍ. 
 
إضفاءُ صِبغة العلمانية على الإسلام، تلغيه وتخصمُ من رصيده لمصلحة العلمانية؛ وهذا ما يطمحونَ إليه؛ لأنَّ جوهرَ هذه العملية الفكرية المُعقدة، هو إفراغٌ مُنظَّمٌ لجميع المبادئ والقيم والمفاهيم الإسلامية من مضامينها الثابتة والمستقرة، واستبدالها بمضامينَ علمانيةٍ مُتغربة تناقضُ معناها، أو تركها خاوية مائعة؛ لتتخذ بعد ذلك شتى المضامين. 
 
سوف أضربُ لك الأمثال بمفهوم "الاجتهاد"، الذي يحيد عن معناه الشرعي في الإسلام؛ ليُصبح في عقيدة العلمانيين: "أداة لتطويع أحكام الإسلام الشرعية؛ لتتناسبَ وتتوافقَ مع التوجهات السياسية والاقتصادية والاجتماعية الغربية العلمانية"، فيُصبحُ كل حرامٍ حلالاً، وكلُّ مذمومٍ محمودًا.
 
إنَّ الإصرارَ المُخادعَ على عملية التداخل بين الإسلام، باعتباره دينًا سماويًا، وبين العلمانية، بوصفِها منهجًا بشريًا سُفليًا غوغائيًا، يهدفُ إلى تذويب الأول في الثاني، وإلغائه تدريجيًا؛ حتى تصبحَ المجتمعاتُ المُسلمة، بلا دينٍ حاكمٍ، وتشيع الفوضى الأخلاقية بين أبنائها.
 
قد تسألُ: وما الهدفُ من علمنةِ الإسلام أو أسلمةِ العلمانية؟ والإجابة باختصار: هو استمرارُ الحربِ الفكرية ضدَّ الإسلام من خلال تجريده من الطابع المُقدس، ونزع أي روابطَ تصله بالوحي الإلهي المُنزَّل ثابتِ الصياغة والتحقق، وهى المعانى التى تذخره بها كثيرٌ من المقالاتِ والحواراتِ والمعالجاتِ الصحفية والإعلامية التي تخوضُ مع الخائضينَ فى هذا المضمار، إما عن جهل مُطبق، أو سوء نية مُحكم. 
 
هم يقصدونَ بـ"علمنةِ الإسلام" اعتبارَه غيرَ مُحدد الملامح والقسمات، وأنه قابل للتغيُّر والتشكُّل وفقَ الظروفِ والأحوال الجغرافية والتاريخية، وأنه يتركُ مساحاتٍ واسعة من الشؤون الحياتية مفتوحة لكلِّ اجتهادٍ ورأيٍ أيًّا كانَ، دونَ ضوابطَ حاكمة.
 
الطرحُ، الذي يبدو في ظاهره، وكأنه يتوافق مع الأصل الإسلامي الذي يربطُ بين الدين والدنيا، يرمي إلى تأسيس فصل الدين عن الحياة من خلال تمييع الإسلام نفسِه، وتقليص مساحته، وردِّه إلى مجرد كيان هُلامي شفَّافٍ أقربَ إلى العدم، يتشكلُ مع كلِّ ظرفٍ وحالٍ؛ حتى لا يكونَ له وجودٌ مُستقلٌ أو مُميزٌ أو هويةٌ.
 
الذين يحاولون الآنَ الربطَ بين الإسلام، وبين العلمانية كـ "بديل"، هم أنفسُهم الذين احتشدوا من قبلُ وسوف يحتشدون لاحقًا لرمى الإسلام بكل نقيصة، وإهانةِ المسلمين القدامى والمُعاصرين والتحقير منهم، والتشكيك في القرآن الكريم والتحريض عليه، وإهالة التراب على السُنة النبوية الشريفة، والنيل من جميع الثوابت الدينية الإسلامية والتهوين منها، والتهويل من التهوين منها، في مقابل التعظيم والتفخيم للعلمانية واعتبارها: "دين الأديان" و"قدس الأقداس".

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق