تبدو جائزة نوبل للسلام كتكريم عالمي مرموق للأشخاص الين يساعدون في إرساء السلام والاستقرار في بلدانهم أو حول العالم، لكن ليس هذا هو الواقع فعلى مدار تاريخها الممتد لعقود طويلة، ذهبت جائرة نوبل أحيانا لأسماء لم تستحقها، والذين تبين بعد ارتدائهم ثوب البطولة، أنهم لم يكونوا سوى مجرد قناع يخفي قدرة واستعداد لارتكاب فظائع وانتهاكات وفى أحسن الأحوال، صمت أمام أهوال غير إنسانية.
الأحداث التي شهدتها دولة ميانمار فتحت الجرح الغائر، وأعادت الحديث عن الإرث السيء للجائزة، إذ شهدت البلاد صباح يوم الإثنين، تحرك الجيش للسيطرة على البلاد واعتقال عدد من كبار المسئولين فيها فى مقدمتهم الحاكمة الفعلية ومستشارة الدولة أون سان سو تشي، التى حصلت على جائزة نوبل للسلام لدعوتها إلى المقاومة السلمية أثناء وضعها قيد الإقامة الجبرية في منزلها.
المثير أن سو تشي لم تتحرك أمام حملة جيش بلادها الوحشية ضد مسلمي الروهينجا التي صنفتها الأمم المتحدة بأنها إبادة جماعية، ما أدى إلى مطالب عديدة بسحب الجائزة التي منحت لها عام 1991، لكن قوانين نوبل لا تسمح بذلك. وإلى جانب سو تشىى، كان رئيس وزراء إثيوبيا أبي أحمد من قائمة المارقين من الحاصلين على نوبل للسلام.
وشن أبي أحمد، حملة عسكرية لأشهرضد إقليم تيجراى، والتى شهدت مقتل الآلاف من المدنيين، بحسب تقديرات مجموعة الأزمات الدولية، وفرار مئات الآلاف الآخرين فى ظل أزمة إنسانية مروعة. وقالت صحيفة فاينانشبال تايمز البريطانية، إنه بغض النظر على ما صحيح أو خطأ فى المواجهة القائمة فى إثيوبيا، فإن من المؤكد أن سمعة أبى أحد كصانع للسلام قد تضررت بشدة. وقالت إن رئيس الوزراء الأثيوبى يقدم درسا للمسئولين عن الجائزة بضرورة الانتظار عند وجود شكوك بشأن مرشحها لنيل الجائزة.
وفى تقرير له فى ديسمبر الماضى، رصد موقع ذا ديفينس بوست عدد من الحائزين على جائزة نوبل الذين انحرفوا عن المسار، من بين هؤلاء الرئيس الأمريكى الأسبق باراك أوباما الذى حصل على نوبل للسلام عام 2009 بعد 10 أشهر فقط من توليه الحكم. وقبل أيام قليلة من قبوله الجائزة فى أوسلو، أرسل أوباما 30 ألف من القوات الإضافية إلى أفغانستان. ودافع عن ذهابه إلى الحرب فى خطاب قبوله للجائزة، وقال إن القول بأن القوة ضرورية فى بعض الأحيان ليس دعوة للسخرية، إن اعتراف بالتاريخ، بعيوب الإنسان وحدود العقل.
ولم يفشل أوباما فقط فى وضع نهاية للصراعات فى العراق وافغانستان خلال فترته من الحكم، ولكنه كثف من استخدام هجمات الطائرات المسيرة. وضربت الولايات المتحدة فى عام 2016، سبع دول بأكثر من 26 الف قنبلة، أى ثلاث قنابل فى الساعة، وفقا لمركز العلاقات الخارجية الأمريكية.
وقال الأمير العام السابق لجائزة نوبل للسلام أن التوقعات التى وضعت على أوباما لم تكن واقعية على الإطلاق. وفى عام 1973، حصل وزير الخارجية الأمريكى هنرى كسينجر على الجائزة مناصفة مع زعيم فيتنام الشمالية لوديوك ثم للتفاوض على هدنة. لكن السلام لم يستمر، ودبر لو دوك قو الهجوم الأخير ضد فيتنام الجنوبية بعد عامين، ورفض نصفه من الجائزة. وعرض كسينجر أيضا إعادة نصفه.
وقال المؤرخ النرويجى أسلى سفين أن زعيم فيتنام الشمالية واصل الحرب ومنح الضوء الأخضر لأندونيسيا لغزو تيمور الشرقية. كما يعرف، أن كسينجر عزز قوة الحكام المستبدين فى أمريكا الجنوبية الذين كانوا أصدقاء للولايات المتحدة.
وفى عام 1978، شارك رئيس الوزراء الإسرائيلى مناحم بيجين الرئيس أنور السادات فى توقيع اتفاق كامب ديفيد، وحصلا بعدها على نوبل للسلام، لكن بيجين أمر فى عام 1982 بغزو لبنان وحصار بيروت وقاد مذبحة الفلسطينيين فى صابرا وشاتيلا.