تبرعوا تصحوا

الأحد، 03 يناير 2021 10:00 ص
تبرعوا تصحوا
حمدي عبد الرحيم

 
منذ عرفنا المساجد ونحن نتبرع لصناديقها التي تخضع لإشراف رسمي محكم، ولا يتم الإنفاق منها إلا تحت عين الجهات المعنية وعلى رأسها وزارة الأوقاف، وكانت التبرعات في معظم الأحوال تبرعات مادية، كلٌ حسب مقدرته المادية، وأحيانًا كان يتم التبرع بالسجاد أو بأجهزة الإضاءة أو أجهزة  الصوت، الآن دخل على خط التبرعات شكل جديد منها، ففي ظل أزمة وباء كورونا الذي يكتسح الكرة الأرضية كلها فلم تنج منه بلد ولا حتى تجمع بشري، ظهر في المساجد التبرع بكل ما يقاوم ويتصدى لهذا الوباء بداية من القفازات ومرورًا بالكمامات والمطهرات ونهاية بأنابيب الأوكسجين.
وقد سمعت حوارًا بين رواد مسجد من المساجد قال فيه أحد المصلين متعجبًا أو ساخرًا أو رافضًا:" في القريب العاجل سنسمع أن أنابيب الأوكسجين قد أصبحت من لوازم جهاز العروس، فلا تذهب عروس إلى بيت زوجها إلا بعد قيامها بشراء أنبوية أو أنبوبتين".
رفض المستمعون كلامه وردوا عليه غير ضاحكين لما يظنه هو طرفة تستوجب الضحك، قال له أحدهم " لماذا تكسر مجاديف الناس؟ المصلون يتكافلون ويسعون لمساعدة الدولة برفع عبء ولو بسيط عن كاهلها؟ ثم لماذا هذا التنفير والرسول يوصينا بالتبشير؟ كأنك تتوقع أن يدوم الوباء ويصبح ملازمًا لنا على مدار حياتنا".
كلام رواد المسجد وتوجههم نحو التكافل والمساعدة بكل ما يستطيعون تقديمه لعبور هذه الأزمة الطاحنة، يدل على وعي عظيم بأننا في مركب واحد، تبحر بنا جميعًا، أو ـ لا قدر الله ـ تغرق بنا جميعًا، وذلك لأن النجاة الفردية ثبت أنها ليست أكثر من ضرب من ضروب الأوهام التي تتبخر وتتلاشى في لحظات الجد.
ومن ناحية أخرى، أظهر كلام رواد المسجد وسلوكهم، تراجع الوعي لدى قطاعات واسعة من المواطنين، لا يعرف أحد كيف يمكن السيطرة عليهم.
فالذي جاء بالقفازات قال: إن الصيدليات لم تعد تجد من يشتري منها القفازات؟
والذي جاء بالكمامات قال الكلام نفسه وتحدث عن وفرة الكمامات وتراجع ثمنها فالعبوة التي وصل ثمنها إلى مئتين وخمسين جنيهًا في أول الأزمة أصبحت الآن بمئة جنيه، ولو كنت ستشتري عبوتين أو أكثر فالبائع سيقدم لك تخفيضًا مرضيًا.
والذي جاء بأنابيب الأوكسجين تحدث عن حملات تقوم بها مصانعنا التي تنتج هذه الأنابيب لكي تروجها في الأسواق.
فما الذي حدث؟
هل نجونا من وباء كورونا وغادر بلدنا إلى غير رجعة؟
هذا الاحتمال لا أساس له من الصحة وليس مطروحًا من للنقاش أساسًا.
هل أصبحنا ننتج كميات إضافية تكفي لسد عجز طالما شكونا منه؟
هذا الاحتمال وارد، ونسأل الله أن يكون صحيحًا.
ولكن أخوف ما أخافه أن يكون الاحتمال الثالث والأخير هو الصحيح، وهو أن المواطنين قد تراجع اهتمامهم بالالتزام بالإجراءات الاحترازية، فتراجعت معدلات شراء القفازات والكمامات والمطهرات وتدنت أثمانها أو عادت لوضعها الحقيقي بعد الطفرة التي شهدتها في الشهور الماضية.
لو كان الاحتمال الثالث هو الصحيح فما هو العمل؟
المواطن يشاهد الأزمة بعينيه فهي ليست أزمة محلية أو مختلقة، فهي أزمة تضرب العالم كله ولا فرق بين غني وفريق، وهناك دول عظمى جثت على ركبتيها طالبة العون والمساعدة، والمواطن يعرف أن فلانًا وفلانًا من معرفه قد ماتوا بسبب إصابتهم بكورونا، فما الذي يمكن تقديمه للمواطن من تحذيرات وموعظة أكثر من الذي قدمته الأزمة، التي هي بحد ذاتها موعظة وعبرة لمن أراد أن يتعظ أو يعتبر؟
من الواضح أن والحال كما نرى، أن عصا القانون هي الحل الوحيد من جماعات من المستهترين الذين لا يريدون الالتزام ولا يريدون لغيرهم أن يلتزم، سبق لي ولغيري الإشادة بقرارات نفذتها الحكومة بحق المخالفين المستهترين، والآن نطالب الحكومة بمزيد من التشديد لأن ما يسهر بعضنا على بنائه يقوم المستهتر بهدمه في لحظة.
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق