وفى الحقيقة يفرق علماء الفقه والقانون بين ضرر تفويت الفرصة المرتبط الضرر المستقبلي المحقق وبين الضرر المحتمل غير المحقق، فالضرر المستقبلي هو الضرر الذي تحقق سببه وتراخت آثاره كلها أو بعضها إلى المستقبل كإصابة شخص بعاهة مستديمة تعجزه عن الكسب، فإن الإصابة في ذاتها محققة، ولكن الخسارة المالية التي تصيب هذا الشخص من جراء عجزه عن الكسب هي ضرر مستقبلي توجب التعويض المناسب، بينما الضرر المحتمل لم يتحقق سببه في الأساس.
هل للأبوين الحق في التعويض عن وفاة ابنهما في حادث وتفويت فرصة رعايتهما عند الكبر؟
إشكالية تفويت الفرصة - الكسب الفائت – تتمثل في الإجابة على السؤال هل القانون اشترط سناَ معينا للإبن المتوفى في حادث للحكم للوالدين بتعويض مادى؟، خاصة وأن الفقه شدد في مسألة التعويض عن تفويت الفرصة، وذلك لأن الفرصة لا تنتمي إلى عالم الفقه الحقوقي المادي لوجود الواقعية الاحتمالية، وإن كان التفويت ذاته متحققا، ولذلك جاءت تطبيقات الفقهاء عن المنفعة التي انعقد سبب وجودها لعموم قوله ـ صلى لله عليه وسلم ـ ''لا ضرر ولا ضرار'' تستوعب الأضرار المستقبلية التي انعقدت أسبابها – بحسب الخبير القانوني والمحامى بالنقض دانيال بسطا.
في البداية - الهيئة العامة للمواد المدنية بمحكمة النقض قررت أن القانون لم يشترط سنا معينة بالابن المتوفى فى حادث للحكم للوالدين بتعويض مادى عن فوات فرصة أملهما فى رعايته لهما فى شيخوختهما شريطة أن يكون لهذا الأمل أسباب مقبولة، وكان أمل الوالدين فى بر ابنهما بهما ورعايته لهما والانتفاع بإحسانه لهما أمرا قد جبلت عليه النفس البشرية منذ ولادته حيا دون انتظار بلوغه سنا معينة – وفقا لـ"بسطا".
كما إن المادة 221/ 1 من القانون المدني قد نصت على أن: "ويشمل التعويض ما لحق الدائن من خسارة وما فاته من كسب..."، ويدخل في الكسب الفائت ما يأمل المضرور في الحصول عليه من كسب متى كان لهذا الأمل أسباب مقبولة، ذلك أن فرصة تحقيق الكسب أمر محتمل إلا أن فواتها أمر محقق شريطة أن يكون لهذا الأمل أسباب مقبولة، وكان أمل الأبوين في بر ابنهما لهما رعاية وانتفاعاً بإحسانه إليهما، أمراً قد جبلت عليه النفس البشرية منذ ولادته حياً دون انتظار بلوغه سناً معينة – الكلام لـ"بسطا".
رأى محكمة النقض في الأزمةهذا وقد سبق لمحكمة النقض أن تصدت لتلك الإشكالية في الطعن المقيد برقم 4797 لسنة 64 قضائية حيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل في أن المطعون ضدهما أقاما الدعوى رقم 5038 سنة 1992 مدني المنصورة الابتدائية على الشركة الطاعنة بطلب الحكم بإلزامها بأن تؤدي إليهما تعويضاً عن الأضرار المادية والأدبية والمورثة عن وفاة ابنهما في حادث سيارة.
حكمت المحكمة بإلزام الطاعنة بأداء مبلغ ثمانية عشر ألف جنيه تعويضاً عن الأضرار سالفة البيان، استأنف المطعون ضدهما هذا الحكم بالاستئناف رقم 1672 لسنة 45 ق المنصورة، كما استأنفته الطاعنة بالاستئناف رقم 1730 لسنة 45 ق المنصورة وبعد أن ضمت المحكمة الاستئنافين قضت برفضهما طعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأي برفضه، وعرض الطعن على الدائرة المدنية في غرفة مشورة فحددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
تباين الأحكام بين مبدأين
الدائرة المختصة رأت بجلستها المعقودة بتاريخ الأول من إبريل سنة 2004 إحالة الطعن إلى الهيئة العامة للمواد المدنية والتجارية ومواد الأحوال الشخصية وغيرها عملاً بنص الفقرة الثانية من المادة الرابعة من قانون السلطة القضائية رقم 46 لسنة 1972 المعدل في شأن تردد الأحكام بين مبدأين - وذلك لإقرار الأول والعدول عن الثاني - حاصل أولهما أن أمل الأبوين في أن يستظلا برعاية ابنهما في شيخوختهما يقوم على أسباب مقبولة منذ ميلاده حياً، فإذا توفى الابن من جراء حادث جاز تعويضهما عن فوات هذه الفرصة دون اشتراط بلوغ الابن لسن معينة، أما المبدأ الثاني فحاصلة أن أمل الأبوين في رعاية الابن لا يقوم على أسباب مقبولة إلا إذا كان الابن قد بلغ وقت وقوع الحادث سناً معينة اختلفت في تقديرها الأحكام بين سبع سنوات أو عشر، أو اثنتي عشرة أو ثلاث عشرة - مع الفصل في الطعن على هذا الأساس - فحددت الهيئة جلسة لنظره وقدمت النيابة مذكرة تكميلية التزمت فيها رأيها.
المحكمة في حيثيات الحكم قالت إن المادة 221/ 1 من القانون المدني قد نصت على أن: "ويشمل التعويض ما لحق الدائن من خسارة وما فاته من كسب.."، ويدخل في الكسب الفائت ما يأمل المضرور في الحصول عليه من كسب متى كان لهذا الأمل أسباب مقبولة، ذلك أن فرصة تحقيق الكسب أمر محتمل إلا أن فواتها أمر محقق شريطة أن يكون لهذا الأمل أسباب مقبولة، وكان أمل الأبوين في بر ابنهما لهما رعاية وانتفاعاً بإحسانه إليهما، أمراً قد جبلت عليه النفس البشرية منذ ولادته حياً دون انتظار بلوغه سناً معينة، لما كان ذلك فإن الهيئة تنتهي إلى الأخذ بهذا النظر بالأغلبية المنصوص عليها في الفقرة الثانية من المادة الرابعة من قانون السلطة القضائية والعدول عن الأحكام التي ارتأت غير ذلك وتفصل في الطعن على هذا الأساس. ووفقا لـ"المحكمة" - إن الطعن أقيم على سبب واحد تنعى به الطاعنة على الحكم المطعون فيه الخطأ في تطبيق القانون بتأييد الحكم الابتدائي فيما قضى به من تعويض عن الضرر المادي للمطعون ضدهما لوفاة نجلهما على سند من أن وفاته تمثل ضياع فرصتهما في رعايته لهما التي كان يأملان أن يستظلا بها وإنفاقه عليهما في المستقبل رغم أن الثابت بالأوراق أن سن الابن وقت الحادث لم يكن قد تجاوز العاشرة مما يعيبه ويستوجب نقضه.
الهيئة العامة لمحكمة النقض تفض الاشتباك بين الأحكام
وتُضيف "المحكمة" - هذا النعي غير سديد، ذلك أن القانون لم يشترط سناً معينة بالابن المتوفى في حادث للحكم للوالدين بتعويض مادي عن فوات فرصة أملهما في رعايته لهما في شيخوختهما شريطة أن يكون لهذا الأمل أسباب مقبولة، وكان أمل الأبوين في بر ابنهما بهما ورعايته لهما والانتفاع بإحسانه لهما أمراً قد جبلت عليه النفس البشرية منذ ولادته حياً دون انتظار بلوغه سناً معينة، وإذ التزم الحكم المطعون فيه هذا النظر في قضائه فإن النعي عليه بسبب الطعن يكون على غير أساس، ولما تقدم يتعين رفض الطعن.