يوسف أيوب يكتب: رسالة لكل المؤسسات الدينية.. الدعوة لتأسيس خطاب ديني جديد ضرورة للدفاع عن الإسلام
السبت، 19 ديسمبر 2020 07:00 م
الحديث عن تجديد الخطاب الدينى متصل لا ينقطع، لكن الجديد هذه المرة أن الأمر خرج من إطار الاهتمام المحلى إلى التركيز الدولى، خاصة بعدما اتجهت الحكومة الفرنسية إلى اقرار مشروع قانون "تعزيز مبادئ الجمهورية" الذى يتضمن حوالى 50 بنداً، أبرزها التشدد في فرض قيود على ما يتم نشره عبر الإنترنت من خطابات تتصف بطابع الكراهية، فضلاً عن حظر المدارس "السرية" التي تروج لـ"أيديولوجيا متطرفة" مع فرض قيود على التعليم في المنازل، وتصاعد المطالب الفرنسية الأوربية ايضاً للاستعانة بمصر لنشر الإسلام الوسطى، وهو ما أعطى مزيد من الزخم لفكرة التجديد، المطروحة للنقاش منذ أعوام، لكنها للأسف الشديد تواجه "تمنعاً" من جانب أحد المؤسسات الدينية، التي يبدو أن الأمر اختلط عليها، ولا تريد أن تراجع نفسها، في سبيل الخروج من مأزق "محاباة" المتشددين فكرياً.
الأسبوع الماضى حضرت لقاء الدكتور محمد مختار جمعه، وزير الأوقاف الذى نظمه المجلس الإعلى لشئون الإعلام برئاسة الكاتب الصحفى كرم جبر، والذى تم خلاله إطلاق استراتيجية " بناء الشخصية والوعى واثره فى استقلال الدول2021"، التي تتضمن عقد عدد من اللقاءات بشكل دورى للوصول للأهداف المنشودة فى بناء الشخصية الوطنية وأهمية الوعى، من خلال مناقشات أولية ثم بشكل شهرى مفصل، وخلال اللقاء طرح الدكتور محمد الباز سؤالاً حول أهمية وجود تناسق وتكامل بين المؤسسات الدينية المصرية، حتى وخلال هذا اللقاء تحدث وزير الأوقاف أن الوزارة طبعت 600 ألف كتاب بالتعاون مع وزارة الثقافة، لهدم فكر الجماعات المتطرفة، وخلق فكر مستنير، من ضمنها الكتب التى تم العمل عليها ترسيخ دولة المواطنة وفقه المواطنة، ومنع التمييز بين أبناء الوطن الواحد، بناء على الدين، مطالباً في الوقت نفسه بإيجاد آلية لوقف نشر الكتب غير الآمنة والتى تحمل افكار غير سليمة.
وبالتوازى مع هذا اللقاء، نظمت رابطة خريجي جامعة القاهرة برئاسة عمرو موسى أمين عام جامعة الدول العربية الأسبق، ندوة كبرى للدكتور محمد عثمان الخشت أستاذ فلسفة الدين ورئيس جامعة القاهرة، بعنوان "نحو تأسيس خطاب ديني جديد"، أكد خلالها الخشت أننا بحاجة إلى تغيير الخطاب بشكل عام، الديني والثقافي والسياسي، وأنه إذا قمنا بالحفر الأركيولوجي "المعرفي" لطريقة تفكير المصريين نجد أنها ترجع في النهاية إلى طريقة التفكير الدينية التقليدية، لأن العقل في النهاية يحكمه Software وطريقة تفكير وخطوات في الاستدلال، موضحاً أن تطوير العقل المصري يستلزم تطوير طريقة التفكير، وأن تغيير طريقة التفكير تستلزم الرجوع إلى طريقة التفكير الدينية، مشيرًا إلى أن مشروع تأسيس الخطاب الديني الجديد مرتبط بمشروع آخر لجامعة القاهرة وهو تطوير العقل المصري وتغيير من طرق التفكير، والذي يعد أحد مخرجاته مقرري "التفكير النقدي" و "ريادة الأعمال" التي يدرسها طلاب جامعة القاهرة الآن بهدف تغيير طرق التفكير وتغيير طرق التعامل مع الواقع الخارجي.
مجمل الحديث الدائر حالياً حول تجديد الخطاب الدينى، والذى يأتى امتداداً لمطالب سابقة لها أسبابها المنطقية والتي تتوافق مع الواقع، يؤكد أن هناك اتجاه جارف وعارم نحو ضرورة العمل على تأسيس خطاب ديني جديد، وهنا ليس المقصود الدعوة لدين جديد كما تحاول الكتائب الإلكترونية على مواقع التواصل الاجتماعي، الترويج، أو ان الخطاب الديني الجديد، ضد التراث، في سبيل تنفير المصريين من دعوة التجديد، لإن المقصود بهذه الدعوة في الأساس هو العمل نحو تأسيس فهم جديد للدين بالعودة إلى المنابع الصافية (القرآن الكريم والسنة الصحيحة)، خاصة ان الفكرة الأساسية التي تستند لها الدعوة هي ان الخطاب الديني الجديد ليس مع أو ضد التراث كله ككتلة واحدة، لكن علينا الاعتراف بالحقيقة المهمة، وهى ان التراث جهد بشري، والجهد البشري يصيب ويخطئ، وأن التوحيد بين الإسلام والتراث خطأ، لإن المسلمين عندما انتصروا كان نصرهم بالإسلام وليس بالتراث، فما قام به المسلمون الأوائل من انتصارات لم تكن تستند لتراث لم يكن موجوداً وقتها، وإنما كانت مستندة للإسلام، خاصة أنه معلوم للجميع أن التراث الموجود وقتها هو تراث الجاهلية وكان تراثًا مرفوضًا، لذلك لا يحق لأحد الاستناد في القبول او الرفض لفكرة التراث.
وحتى تكون الأمور أكثر وضوحاً، فالذى نعنيه من الحديث عن تأسيس خطاب ديني جديد، هو العودة إلى المنابع الصافية (القرآن والسنة الصحيحة)، وتطوير علوم الدين وليس إحيائها، والتفرقة بين الإسلام والمسلمين والتراث، والتفرقة بين الثوابت والمتغيرات، والتفرقة بين المذاهب الفقهية والفرق العقائدية، والتفرقة بين الدين والخطاب الديني، والتفرقة بين الإسلام والإيمان، وكذلك التمييز بين المقدس والبشري، وتعددية الصواب، والتنوع، وتطور الأحكام والفتاوى، وضرورة التفكير النقدي وعدم التسرع في التصديق، ووهم صحة القديم المطلقة، وأن الأصل في الأشياء الإباحة، وأن الترك لايدل على المنع، وأن الحق لايعرف بالرجال.
هذه هي المعايير التي ننادى بها ونحن نتحدث عن تجديد الخطاب الدينى، ولا اعتقد أن بين رجال الدين من يرفض هذه المعايير، والا أصبح متعنتا لأسباب بعيدة تماماً عن الأساس الذى نتحدث عنه.
واعتقد أن الجهد الذى تقوم به وزارة الأوقاف في هذا الشأن ومعها بعض الشخصيات التي تعنى بمفهوم التجديد هو جهد يجب ان يلقى دعما وتأييداً من كافة المؤسسات الدينية، خاصة الأزهر الشريف، لإن الهدف الاساسى الذى نسعى إليه هو خدمة المقاصد العليا للدين الإسلامي، وهنا يجب أن نحى الدور الذى تقوم به أيضاً دار الإفتاء في هذا الشأن التي كان أخرها إصدار الدار الأيام الماضية مشروعين علميين، أحدهما كتاب يعتبر مشروعا عملاقا وكبيرا بعنوان "الدليل المرجعى لمواجهة ومكافحة التطرف"، تم أعداده بعد دراسة الأدلة الصادرة عن اليونسكو والأمم المتحدة والجامعات ومراكز الأبحاث، ليكون مرجعا لكل الهيئات والمؤسسات المعنية بمكافحة التطرف، فهذه الخطوة تصب في اتجاه الدفاع القوى عن سماحة الدين، ومواجهة كل الأفكار المتطرفة والمغلوطة التي حاول الإرهابيين ألباسها للإسلام، وهو ما أكد عليه الدكتور شوقى علام، مفتى الجمهورية، الذى قال أن الدليل به تأكيد أن الإسلام جاء بالحنيفية السمحة، ودعا إلى الوسطية والاعتدال في الأمور كافةً، ولقد كان منهج الإسلام -دائمًا وأبدًا- قائمًا على التسامح وقبول الآخر ونبذ التطرف والتشدد ومقاومته، وأن قضية التطرف تُعدُّ واحدة من أهم القضايا الحيوية وذات الخطر الكبير؛ حيث إن خطره يهدد الأمن والنظام العام في المجتمع، كما أن صوره واسعة وآثاره كثيرة الحدوث في حياتنا اليومية، وهو يحاول بكل وسيلةٍ التوغُّل داخل المجتمعات، ويتخذ أساليب ملتوية مستغلًّا العاطفة الدينية تارة وتارة أخرى الإشكالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية ليصل إلى كافة المواطنين بمستوياتهم المختلفة في المجتمع.
كل هذه التحركات مفيدة للإسلام، ويجب كما سبق وقلت أن تلقى دعما وتأييداً من الجميع وعلى رأسهم "الأزهر الشريف" المنوط به أن يواصل ارتداء "ثوب الوسطية" الذى طالما عُرف به.