أصدرت الدائرة "4 إيجارات"، بمحكمة استئناف القاهرة، حكماً فريداً من نوعه، في عقد إيجار يخضع لقانون 1996مدته "مشاهرة" لأقصي مدة يسمح بها القانون وهي 59 عاماَ قياسا علي الحكر، وإلغاء حكم أول درجة رغم تنفيذ بالطرد وعودة المستأجر مرة أخرى لمسكنه، وبموجب الحكم لم يعد العقد شريعة المتعاقدين بظاهر المكتوب بالعقد، وإنما بحقيقة ما كان يقصده المتعاقدين.
وصدر الحكم في الاستئناف المقيد برقم 3986 لسنة 136 ق، لصالح المحامى محمد ميزار، برئاسة المستشار زيادة زيادة راشد، وواقعات التداعى حاصلها الحكم المطعون عليه الصادر في الدعوى رقم 583 لسنة 2017 كلى حلوان، وكذلك الحكم السابق صدوره من ذه المحكمة بجلسة 3 أغسطس 2019، فالمحكمة تحيل إليهما في بيانها تفادياَ لإعادة السرد والتكرار وتوجزها ربطاَ لأوصال الخصومة وبالقدر اللازم في هذا المقام في أن المدعين أقاموا الدعوى ابتداء أمام محكمة حلوان الجزئية برقم 394 سنة 2016 جزئى حلوان بطلب الحكم بإنهاء العلاقة الإيجارية بينهم وبين المدعى عليه عن الشقة الموضحة بصحيفة الدعوى، وذلك منذ 10 مايو 2016 وتسليمها خالية من الأشخاص والشواغل.
وبموجب عقد ايجار مؤرخ 1 يناير 2000 يستأجر المدعى عليه من المدعين شقة سكنية، حيث أن عقد الإيجار المنوه عنه يخضع لأحكام القانون رقم 4 سنة 1996 وكانت المدة المحددة فيه هي "مشاهرة"، ومن ثم فقد بات غير محدد المدة، ونظراً لرغبتهم في عدم تجديد مدة العقد، فقد تم إنذار المدعى عليه بذلك بموجب إنذار على يد محضر منذ تاريخ 10 مايو 2016 ولكن دون جدوى مما دعاهم إلى إقامة الدعوى الماثلة ابتغاء الحكم لهم بما سلف من طلبات.
المحكمة تقضى بإخلاء المستأجر
وفي 29 يوليو 2017، قضت المحكمة بعدم اختصاصها قيمياً بنظر الدعوى وإحالتها إلى محكمة حلوان الابتدائية، وإذ قيدت بالرقم عاليه، وتداولت أمام تلك المحكمة ومثل المدعى بوكيل عنه ولم يحضر المدعى بشخصه أو بمن ينوب عنه قانوناَ.
وبجلسة 30 يوليو 2017 قضت بإنهاء عقد الايجار المؤرخ 1 يناير 2000 وإخلاء المدعى عليه من العين محل التداعى المبينة بصحيفة الدعوى والعقد المذكور وتسليمها للمدعين خالية من الشواغل والأشخاص، وقد تأسس هذا القضاء على أن عقد الايجار سند الدعوى قد عقد لمدة معينة ومن ثم يخضع في حالة انهائه لأحكام المادة 563 مدنى، وإذ قام المدعون بإنذار المدعى عليه بعد رغبتهم في تجديد مدة العقد، فإن استمرار شغلهم للعين يكون بمثابة يد غاصب لها لانتفاء سند تلك الحيازة.
هذا القضاء لم يلق قبولاَ لدى المقضي ضده، فطعن عليه بالاستئناف الراهن، وذلك بموجب صحيفة أودعت قلم كتاب المحكمة، ومعلنة قانوناَ طلب في ختامها الحكم أولاَ: بقبول الاستئناف شكلاَ، ثانياَ: وفى الموضوع بإلغاء الحكم المستأنف وإعادة الحال إلى ما كان عليه وفقاَ لحقيقة ما كان يقصد المتعاقدان، واحتياطيا: رفض الدعوى لعدم انتهاء مدة الإيجار، وعلى سبيل الاحتياط الكلى: إحالة الدعوى إلى التحقيق ليثبت المستأنف شهادة الشهود نية طرفي العقد الحقيقية وأن الغاية من العقد هي أطول مدة لعقد الايجار في القانون المدني، وبيان إرادة المتعاقدان، وكذلك ما أنفقه على العين من تحسينات، مع إلزام المستأنف ضدهم المصروفات شاملة مقابل أتعاب المحاماة عن درجتي التقاضي، وذلك تأسيساَ على سببين حاصلهما:
1- الخطأ في تطبيق القانون لعدم اتصال علم المستأنف بالدعوى.
2- الخطأ في تطبيق العقد وتفسيره على خلاف الحقيقة، وما كان يقصده المتعاقدان وقت تحريره وفى بيان تلك الأسباب سطر المستأنف بصحيفة الطعن أنه لم يتصل علمه بالدعوى، إذ لم يتم إعلانه بها اعلاناَ صحيحاَ كما خلت الأوراق مما يفيد اخطاره بثمة مكاتبات أو أوراق تخص الدعوى لشخصه، كما أن عقد الايجار ثابت به استلام المؤجر من الطاعن مبلغ وقدره 18 ألف جنيه تحت حساب تشطيب الشقة عن عين التداعى، فضلاَ عن وجود ملحق للعقد تضمن النص فيه بالإضافة إلى ما سبق على زيادة القيمة الايجارية بنسبة 5% كل خمس سنوات، ودلالة ذلك اتجاه قصد طرفي العقد إلى أن تكون مدته أقصى مدة يسمح بها القانون المدني أي لمدة 59 سنة.
المستأجر يستأنف لإلغاء حكم الطرد لعدة أسباب
الاستئناف تداول أمام هذه المحكمة ومثل المستأنف بوكيل عنهم ولم يحضر المستأنف ضدهم أو من ينوب عنهم قانوناَ حيث قدم الحاضر عن المستأنف حافظتي مستندات طويت الأولى على أصل أقرار منسوب صدوره إلى المؤجر مورث المستأنف ضدهم يتضمن إقراره باستلام 18 ألف جنيه من المستأجر الطاعن تحت حساب تشطيب الشقة عيد التداعي، وذلك مقابل أجرة شهرية لعين التداعي مبلغ 150 جنيهاَ يقوم المستأجر بدفع مبلغ 50 جنيهاَ نقداَ أو كل شهر ويتم خصم مبلغ 100 جنية من المقدم المذكور سابقاَ حتى نفاذة وعلى أن يتم زيادة القيمة الايجارية كل 5 سنوات بنسبة 5% تبدأ بعد مرور 3 سنوات من بدء العقد وعلى أن يتحمل المؤجر تكاليف البلاط والمحارة وأساس الكهرباء والتجارة وتوصيل الصرف الصحى والميادة أخل الشقة، بينما يتحمل المستأجر الطاعن تكاليف تشطيب الحمام والمطبخ والدهانات، وطويت الثانية على أوراق التنفيذ الجبرى بتسليم الشقة عين التداعى وتسليم المنقولات الكائنة بالعين للمستأنف ضدهم على سبيل الأمانة لعدم تواجد المستأجر بالعين حال إجراء التسليم.
المحكمة في حيثيات الحكم قالت إنه نفاذا لهذا القضاء أشهر المستأنف كل من صلاح شعبان ومحمود شاهين اللذين قررا بأن المستأنف استأجر الشقة عين التداعي من مورث المستأنف ضدهم بدون تشطيب، وقام بأعمال التشطيب على نفقته الخاصة، كما قام بدفع مقدم إيجار مبلغ 18 ألف جنيها على أن يتم خصم مبلغ 100 جنيها كل شهر حتى نفاذ المبلغ ويقوم المستأجر بدفع الباقي وهو مبلغ 50 جنيها كل شهر مع زيادة الأجرة كل 5 سنوات بنسبة 5% من القيمة الايجارية، وقد اتجهت نية طرفي العقد على أن يكون لأقصى مدة، إذ انهما قاما بسؤال المؤجر مورث المستأنف ضدهم عن مدة العقد، فعبر عن ذلك القصور بأن مدة العقد مفتوح وأنه لا يوجد أحد يستأجر شقة ثم يتركها بعد ذلك كما أشهر المستأنف ضدهما كلا من "سيد.ع" و"جمعة،ع" حيث قرر الأول أن المستأنف استأجر الشقة عيد التداعي، وقام بدفع مبلغ 18 ألف جنيهاَ كمقدم إيجار يخضم منه مبلغ 100 جنية كل شهر ويقوم بدفع باقي الأجرة نقداَ وهى 50 جنيهاَ حتى نفاذ مبلغ المقدم وأنه لا يعلم المدة التي حددها المتعاقدين للعقد سند الدعوى أو القصد لديهما في تحديد هذه المدة، بينما شهر الثانى بمضمون ما شهد به الأول عدة عقد الإيجار حيث قرر أنه بسؤاله للمؤجر مورث المستأنف للمرافعة لجلسة 2 مارس 2020 قدم كلا من الحاضرين عن طرفى الخصومة مذكرة شارحة لدفاعه.
ووفقاً لـ"المحكمة" – وحيث أنه عن الموضوع ولما كان نص المادة 147/1 من القانون المدنى قد جرى على أن: "العقد شريعة المتعاقدين فلا يجوز نقضه ولا تعديله إلا باتفاق الطرفين أو للأسباب التي يقرها القانون"، وفى ذلك جرى قضاء محكمة النقض على أن العقد قانوناَ العاقدين، فالخطأ في تطبيق نصوصه خطأ في تطبيق القانون العام يخضع لرقابة محكمة النقض، كما جرى نص المادة 148/1 من القانون المدنى: "على انه يجب تنفيذ العقد طبقا لما اشتمل عليه وبطريقة تتفق مع ما يوجبه حسن النية"، وقد استقر الفقه والقضاء أن حسن النية من مسائل الواقع التي تخضع لسلطان محكمة الموضوع، كما جرى نص المادة 150 من القانون السابق على أنه: "إذا كانت عبارات العقد واضحة فلا يجوز الانحراف عنها عن طريق تفسيرها للتصرف على إرادة المتعاقدين، أما إذا كان هناك محل لتفسير العقد فيجب البحث عن النية المشتركة للمتعاقدين دون الوقوف على المعنى الحرفي للألفاظ، مع الاستهداء في ذلك بطبيعة التعامل وبما ينبغي أن يتوافر من أمانة وثقة بين المتعاقدين وفقا للعرف الجاري في المعاملات وفى ذلك فقد استقر القضاء على أن لمحكمة الموضوع السلطة المطلقة في تفسير المستندات وصيغ العقود والشروط المختلف عليها بما تراه أو في مقصود المتعاقدين واستخلاص ما يمكن استخلاصه منها متى كانت عبارات العقد تحتمل المعنى الذى حصلته المحكمة، وقد استهدت في سبيل ذلك بظروف الدعوى وملابساتها وبالظروف التي أحاطت بالعقد.
وتُضيف "المحكمة" – متى كان الأمر على ما سلف وقد جاء عقد الإيجار سند الدعوى المؤرخ 1 يناير 2000 خالياَ من تعين وتحديد مدة سريان ذلك العقد، وقد اختلف طرف العقد بشأن تلك المدة بين القول من قبل المدعين أمام أول درجة بأنه غير محدود المدة ومن ثم يعتبر منعقداَ للمدة المحددة لدفع الأجرة قبل المدعين أمام أول درجة بأنه غير محدد المدة ومن ثم يعتبر منعقداَ للمدة المحددة لدفع الأجرة فيه وهى مدة شهر واحد، ويخضع في طلب انهائه لأحكام المادة 563 مدنى، بينما ذهب الطاعن وهو المدعى عليه أمام أول درجة أنه قد اتجهت إرادة طرفي العقد في تاريخ تحريره إلى أنه يسرى لأقصى مدة يجيزها القانون، استدل على ذلك بالشرط المضاف إلى عقد الايجار وكذلك الإقرار اللاحق الصادر من المؤجر وطلب اثبات ذلك أيضاَ بشهادة الشهود.
هذا وكان الثابت من مطالعة عقد الايجار سند الدعوى المنوه عنه آنفاَ تضمن بنداَ محرراَ بخط اليد مضافاَ إلى البنود المطبوعة بالعقد يتضمن تحديد بداية سريانه والقيمة الايجارية، ونسبة الزيادة التي تطبق عليها، والمدة التي تطبق بعدها تلك الزيادة دون نهاية لتلك المدد المتعاقبة أو الحد الأقصى لتلك الزيادات، كما تضمن الإقرار المنسوب صدوره للمؤجر مورث المستأنف ضدهم فضلاَ عما سبق استلامه لمبلغ 18 ألف جنية تحت حساب تشطيب الشقة عين التداعي وطريقة خصم هذا المبلغ من القيمة الايجارية وكذلك توزيع الأعباء المالية الخاصة بالتشطيب بين طرفى العقد دون أن يتضمن هذا الإقرار ثمة إشارة إلى مدة سريان العقد.
وقد شهد شاهدى المستأنف على نحو ما سلف في سرد وقائع الاستئناف بأن النية لدى طرفى العقد وقت تحريره استمراره لأطول فترة يسمح بها القانون، وكانت المحكمة تضمئن لأقوالهما التي جاءت متسقة مع ما تضمنه عقد الايجار سند الدعوى والإقرار الملحق المشار إليه آنفاَ الأمر تنتهى معه هذه المحكمة، والحال كذلك أن مدة سريان ذلك العقد ليست المدة المحددة لدفع الأجرة فيه أي شهر واحد لتعارضها مع ما هو ثابت بالعقد والاقرار السابق، وتكون مدته في هذه الحالة 59 عاماَ قياساَ على الحكر على سند مما سلف بيانه.