واكدت ان هذا المستوى العالي من استقرار وإحكام تلك العلاقة اليوم، تأسس منذ ستينيات القرن الماضي على يد أشهر وأمهر من وصل مهاجرا إلى النمسا، في هذا التاريخ المبكر، وهما “يوسف ندا” و“أحمد القاضي” اللذان لم يضيعا دقيقة واحدة في نسج شبكات الإخوان المسلمين، وتأمين إقامتهم والدفع بهم في تحقيق انتشار واسع تجاوز حدود النمسا سريعا، ليصل إلى معظم البلدان الأوروبية الرئيسية لكنه ظل يدار من فيينا على وجه التحديد.
واشارت الدراسة إلى أن “يوسف ندا” عكف على إنشاء الإمبراطورية المالية الإخوانية؛ ما بين الشرق الأوسط وأوروبا، قبل أن يتولى رسميا منصب “رئيس العلاقات الخارجية” في التنظيم الدولي انطلاقا من النمسا.
وأوضحت الدراسة أن يوسف ندا جاب العالم كله تقريبا لتمثيل مصالح الإخوان، خصوصا المالية منها، عبر إنشاء شبكة علاقات واتصالات مكثفة مع قادة الحركات الإسلامية الدولية، حتى أن وصل إلى رؤساء دول من المتعاطفين والمتحالفين مع هذا التيار، أو ممن هم أعضاء رسميين بداخل التنظيم وتمكنوا بطرق مختلفة من الوصول إلى المنصب الأرفع في دولهم.
وأوضحت أنه في تلك السنوات التي تمثل ربيع الانتشار الإخواني، تم اعتبار قصر يوسف ندا في منطقة “كامبيوني ديتاليا” الإيطالية التي تطل على بحيرة “لوجانو” المتاخمة للأراضي السويسرية، بمثابة وزارة خارجية غير رسمية للتنظيم الدولي للإخوان، حيث نجح يوسف ندا في لعب دورا بارز في إدارة “الخلايا المالية” الإخوانية في المحيط الأوروبي بشكل عام، والنمسا بشكل خاص، قبل أن يطور فروع المحافظ المالية إلى دول أخرى مثل بريطانيا وألمانيا، وشارك معه في تلك المهمة التأسيسية “سعيد رمضان” صهر وسكرتير المرشد الأول “حسن البنا” مؤسس التنظيم.
وأشارت الدراسة إلى أن “أحمد القاضي” الذي درس الطب في النمسا بداية من عام 1961، ما لبث أن سار على خط ذات المهمة التي تمثلت في نسج وتأمين الشبكات الإخوانية في أوروبا، بعد استقرار الوضع وإنجاز المراحل الأولى من هذه الغاية، حيث طار القاضي إلى الولايات المتحدة تحت ستار استكمال الدراسات العليا في تخصص “جراحة القلب والشرايين”، مثله مثل كثيرين من هذا الجيل المؤسس الذي دخل إلى الأراضي الأمريكية بهذا الغطاء، على اعتبار أن التنظيم كان يتكفل بمجمل مصروفات سنوات الدراسة والإقامة، في الوقت الذي ينخرط فيه العضو في المهام التنظيمية على اختلاف أنواعها.
القاضي لم يكن عضوا عاديا فهو يتمتع بمهارات التسلل وتشكيل الشبكات على نحو فائق، وتاريخيا يعد من الشخصيات التي أسهمت بأدوار حاسمة في تثبيت أوضاع التنظيم في أوروبا، فضلا عن النجاح في احداث أول اختراق مؤثر للمجتمع الأمريكي والجاليات المسلمة فيه.
ولفتت إلى أن تنظيم الإخوان اعتمد في البداية؛ على استغلال قرارات السماح ببناء المساجد في النمسا من أجل الحصول على التبرعات المالية السخية، قبل أن يمتد هذا العمل وينتقل إلى بقية دول أوروبا، بإشراف أعضاء الإخوان النشطين المعروفين بالمهارة في تشكيل تلك الآلية.
وأشارت إلى أنه بعد عشرة أعوام بالضبط من تاريخ الوصول الأول، أسس الإخوان في فترة السبعينيات والثمانينات بشكل مكثف منظمات ومؤسسات متنوعة تابعة في النمسا، مستخدمين في ذلك اللعبة الشهيرة حيث تتخذ أشكالا عدة، بعضها تجارية وبعضها الآخر انخرط في ساحة العمل الخيري، لكن تظل جميعها تعمل في نشاط جمع الأموال لصالح الإخوان في بلدان الشرق الأوسط.
وذكرت الدراسة أن بعض هذه المنظمات حرصت أن تبدو مستقلة في ظاهرها وظل هناك امعان في صبغها بالصبغة النمساوية، من خلال شركاء محليين أو إدارتها من قبل حاملي جنسيات مزدوجة، لكنهم أمام نمط الرقابة الروتينية الهادئة يظهرون على الأوراق بجنسيتهم النمساوية، إلا أن كافة تلك الكيانات ظلت ومازالت تتبع للإخوان بشكل فعلي، إما من خلال ارتباطها بقيادات إخوانية بارزة كلفت من التنظيم بإدارتها أو ملكيتها لصالح التنظيم، أو غيرها من المؤسسات الإخوانية التي نجحت عبر شبكات التغلغل في مفاصل الدولة، أن تحظى منذ تلك الحقبة بمسمى الـ”مسجلة رسميا".