دولة المؤسسات.. تحفظ جميل السابقين وتلبى احتياجات المواطنين
الخميس، 20 أغسطس 2020 04:04 م
لم يكن مشهد تكريم الرئيس عبد الفتاح السيسى بالرئيس السابق المستشار عدلى منصور الأحد الماضى يمر مرور الكرام على المصريين وبل والعرب، فرغم انها لم تكن الأولى، لكنها كانت تأكيداً لدولة المؤسسات التي أرسى دعائمها الرئيس السيسى منذ ان أنتخب رئيساً لمصر في 2014، الدولة التي تحترم الجميع، وتعطى كل ذي حق حقه.
فالمستشار عدلى منصور كما قال الرئيس السيسى "شخصية وطنية ساهم بدور عظيم، وكان له دور عظيم في أصعب المراحل التي مرت على مصر"، ولم يكن إطلاق اسمه على محطة مترو الانفاق بالقاهرة الا تقديراً للدور الذى قام به خلال عام تولى خلاله رئاسة مصر، في فترة شديدة الصعوبة، فاستحق تقدير واحترام كل المصريين وفى مقدمتهم رئيس مصر، الذى لم يترك مناسبة الا وتحدث عن أخلاق وفضل هذا الرجل.
هذا المشهد وهذه الصورة هي خير معبر عن مصر الحديثة التي كنا نبحث عنها في خيالنا، فنراها اليوم تتحقق، نعم سبقه مشاهد أخرى كثيرة، وكانت البداية حينما وقف الرئيسان الحالي والسابق في 2014 ليعلنا مراسم التسليم والتسلم التي لم تعتادها مصر من قبل، وربما الكثير من دول منطقتنا، فسارت هذه القاعدة التي تسير عليها كل مؤسسات الدولة، فرأينا وزير سابق يسلم الراية والملفات للرئيس الجديد، وكذلك المحافظين وغيرهم، وهو سلوك حضارى لم يكن ليخرج الا من دولة ذات حضارة وتاريخ.
لكن الجديد فيما فعله الرئيس الأسبوع الماضى، ان الرئيس عدلى منصور ترك منصبه منذ ستة أعوام، لكنه أبداً لم يغيب عن قلوبنا وعقولنا، ولم يختفى أسمه كما كان يحدث في الماضى مع أصحاب المناصب السابقة، فها هو اليوم مستدعى للتكريم الرئاسي في مشهد اشتقنا كثيراً له.
هذا المشهد جاء أيضاً في مناسبة مهمة، وهى افتتاح عدد من محطات الخط الثالث لمترو الانفاق، والتي جاءت ضمن مجموعة من المشروعات القومية التي استهدفتها الدولة الفترة الماضية، وها هي اليوم ترى النور، رغم أن البعض منا لم يملك التفاؤل الكافى بأن هذه المشروعات سيتم إنجازها في هذه الأوقات القياسية، لكن تحقق المطلوب في وقت قياسى، يتناسب مع سرعة أداء الدولة بالمجمل في انجاز ما تأخر من مشروعات، ولتعويض ما فاتها من فرص.
ويكفى هنا الإشارة إلى حجم التحديات التي واجهت البرنامج الإصلاحى الطموح الذى وضعته الدولة، ففي منتصف الطريق فاجأتنا جائحة كوورنا التي أثرت بالسلب على كل الاقتصاديات العالمية، فلم تنجو دولة من هذه الجائحة، لكن تعددت نسب الخسائر وفق تعامل كل دولة مع الجائحة، وكان للتعامل المصرى مع كوورنا منذ البداية دور في أن تعبر مصر هذه الأزمة بأقل الخسائر، فقد كانت التكليفات منذ البداية أن تنتهج الدولة المصرية لمسارات تعامل تتسم بالمرونة على قدر المستطاع لتحقيق التوازن بين الإجراءات التي فرضتها جائحة كورونا وثبات وتماسك الاقتصاد مع الضمان الكامل لصحة وسلامة المواطنين، وفى ذات الوقت الاستمرار في العمل على التحسين المتواصل للمؤشرات الاقتصادية والمالية، خاصةً معدلات التضخم والتشغيل، فضلاً عن زيادة معدلات نمو الناتج المحلي الإجمالي، على نحو يمكن الدولة من توفير موارد إضافية للمساهمة في رفع مستوى معيشة المواطنين، وكذا تخفيف الأعباء على الفئات الأكثر احتياجاً والأولى بالرعاية في المجتمع.
وكان من نتاج هذه التكليفات التي سبق وأصدرها الرئيس السيسى للحكومة أنه بالنظر إلى مؤشرات الأداء الاقتصادي خلال العام المالي 2019/2020، سنجد أن التقديرات الأولية تشير إلى أن مصر تعد من الدول المحدودة للغاية على مستوى العالم التي استطاعت أن تحقق معدل نمو حقيقي خلال عام 2020 في ظل تداعيات جائحة كورونا، فضلاً عن أن معدل النمو بها يعتبر هو الأعلى على مستوى معظم الدول الناشئة، وهو ما يعكس نجاح الحكومة المصرية في التعامل مع تداعيات جائحة كورونا بشكل متوازن وسليم.
كما أن نسبة النمو في الاستثمارات الحكومية المنفذة خلال العام المالي 2019/ 2020 بلغت 26%، خاصةً في قطاعات الإسكان والنقل والتعليم والصحة، فضلاً عن استقرار معدل التضخم خلال تلك الفترة، إلى جانب استمرار صافي الاحتياطات الأجنبية في الارتفاع للشهر الثالث على التوالي ليصل إلى 38,3 مليار دولار في شهر يوليو 2020، وارتفاع صادرات السلع غير البترولية خلال الربع الثالث من عام 2019/2020 بنسبة 5,4%، لتحقق أكبر حصيلة لها منذ أكثر من 10 سنوات، وهو ما كان له دور في انخفاض العجز التجاري بنحو 11%.
ووفق التقرير الذى رفعه محافظ البنك المركزي طارق عامر للرئيس السيسى، فإن كافة المؤشرات عكست قدرة الدولة المصرية على عبور تداعيات كورونا لتحافظ على استقرار مؤشراتها المالية والنقدية طبقاً لأرقام وبيانات ميزان المدفوعات للعام المالي الماضي 2019/ 2020، والذي شهد استقرار أسعار الصرف ونسب التضخم، وذلك مقارنةً بالدول الناشئة، كما نجح الجهاز المصرفي في ضخ حجم سيولة ضخم في السوق المحلي لتوفير النقد الأجنبي والمحلي، إلى جانب توفير جميع احتياجات القطاع الحكومي لتمويل عملية التنمية، ومضاعفة حجم القروض المحلية خلال العام المالي الماضي مقارنةً بالمعدلات السابقة، فضلاً عن تعزيز دور المنظومة المصرفية في تمويل المبادرات الرئاسية، حيث بلغ حجم تمويل مبادرة دعم المشروعات المتوسطة والصغيرة ومتناهية الصغر حوالي 180 مليار جنيه استفادت منها ما يقرب من 120 ألف شركة ومليون مقترض، بالإضافة إلى إطلاق شهادات إدخار بفائدة 15%.
وتزامنت هذه الأرقام الإيجابية مع استمرار دور الدولة في مساعدة المتأثرين سلبيا من الجائحة، فقبل أيام صرفت الدولة تعويضات الدفعة الثالثة للعمالة غير المنتظمة المتضررة من التداعيات الاقتصادية للجائحة، حيث بلغ إجمالي عدد المستفيدين خلال الفترة السابقة أكثر من 3 مليون مستفيد بإجمالي حوالي مليار و600 مليون جنيه.
كل هذا تحقق لسبب واحد، وهو أن الدولة كان لديها تصميم منذ البداية على التطبيق الحاسم لبرنامج الإصلاح الاقتصادى، لأنه الطريق الوحيد الذى سيبعد عن مصر شبح الإفلاس كما حدث فى دول قريبة منا.
الحسم هو السلاح والمنهج الذى تعتمده الدولة لكى تفى باحتياجات ومتطلبات المواطنين، وفى نفس الوقت تصحيح أخطاء الماضى، وهو نجح الدولة في تنفيذ الكثير من المشروعات القومية التي كان مجرد الحديث عنها يعد من الاحلام التي لن تتحقق، لكنها تحققت بالفعل.
هذه هي دولة المؤسسات، التي تحفظ جميل أبنائها المخلصين، وفى نفس الوقت تواصل تنفيذ ما وضعته من خطط أيا كانت التحديات والمخاطر، لأنها لن تكون أبداً أخطر من أن تقع الدولة في دائرة الفشل أو الإفلاس.