يوسف أيوب يكتب: مصر والكويت.. وأد الفتنة في مهدها
الخميس، 06 أغسطس 2020 10:09 ص
استطاعت وزارة الخارجية وأد الفتنة التي أراد البعض إشعالها بين مصر والكويت، والتي تعددت اتجاهاتها، ما بين التضخيم في واقعة "فيديو حرق العلم الكويتى"، واعتباره – كذبا- معبراً عن رغبات المصريين، أو تحويل مسار قرار الكويت بوقف استقبال الرحلات من 31 دولة بينها مصر لأسباب صحية، فقد أبت مصر أن تترك هذه الأمور لتعكر صفو العلاقات ما بين البلدين، وأصدرت بياناً موزوناً يهدف إلى تفويت الفرصة على كل المغرضين بدلاً من تسليمهم النار ليزكوا الفتنة التي لعنها الله.
الخارجية أكدت في بيانها – الجمعة الماضية - على قوة العلاقات الأخوية بين مصر والكويت شعباً ودولةً لاسيما على ضوء اشتراك مواطني البلديّن في نضالات مشتركة امتزجت فيها دماؤهم الذكية تضامناً مع بعضهما البعض، وأن هذه العلاقات تتمتع باهتمام الجانبين وتحظى بحرصهما المتبادل على تنميتها إلى أفاق أرحب بما يحقق المصلحة المشتركة للشعبيّن، مع الإشارة إلى أنها "تابعت بمزيج من الرفض والاستنكار مؤخراً بعض المحاولات على وسائل التواصل الاجتماعي والتي تسعى للوقيعة بين الشعبين الشقيقين، وذلك من خلال المس بالرموز أو القيادات من الجانبين، حيث تقف وراء هذه الإساءات جهات مُغرضة تستهدف العلاقات الطيبة القائمة بين الجانبين".
هذا البيان جاء بعد ساعات من بيان انفعالى صدر عن السفارة الكويتية بالقاهرة قالت فيه "أنها تابعت بإستهجان بالغ ما تم تداوله أمس من مقاطع فيديو تضمنت دعوة لحرق علم دولة الكويت، وتؤكد السفارة في هذا الصدد أن هذا العمل الذي يمثل إساءة بالغة، ومرفوضه لدولة الكويت ورمزها الوطني من شأنه أن ينعكس و بشكل سلبي على العلاقات الأخوية بين البلدين"، مشيرة ايضاً "إلى أن هذا العمل المشين قد أثار إستياءً بالغاً لدى الأوساط الرسمية والشعبية في دولة الكويت ومثل جرحا في وجدان شعبها، وقد أجرت السفارة اتصالاتها بالمسؤولين في جمهورية مصر ونقلت إليهم ذلك الإستياء وشجب تلك الأعمال المرفوضة، وتدعو السفارة في هذا الصدد السلطات في جمهورية مصر العربية الشقيقة إلى اتخاذ الإجراءات اللازمه الكفيلة بردع مثل هذه الممارسات المرفوضة ومحاسبه كل من صنع وشارك وروج لهذه الإساءات ووضع حد لها لما سيؤدي اليه استمرارها من تداعيات مضرة بالعلاقات الأخوية القائمة بين البلدين الشقيقين".
أقول بيان انفعالى لأنه في الحقيقة كُتب بطريقة انفعالية غير دبلوماسية، وبطريقة لا تعبر عن حقيقة العلاقات الشعبية والرسمية القوية بين البلدين، ومنح الفرصة للراغبين في اشعال الفتنة أن يفعلوا ما يشاءوا، مع الأخذ في الاعتبار أن واقعة –فيديو الحرق- المرفوضة من كل المصريين، جاءت بعد أيام قليلة من الاعتداء على مواطن مصر في الكويت، حينما تلقى صفعة على الوجه من أخر كويتي، وأيضاً بعد سيل من الاعتداءات المرفوضة من كويتيين سخروا السوشيال ميديا للإساءة والهجوم غير المبرر على مصر والجالية المصرية بالكويت، ولم نشهد أي رد انفعالى مصر، بل كانت كل التحركات والردود المصرية تحكمها مجموعة من الأطر المحترمة، وهى الحفاظ على كرامة المصريين في الكويت، وفى نفس الوقت احترام القوانين الكويتية، وقبل ذلك كامل التقدير والاحترام للاشقاء الكويتيين قيادة وشعباً، لذلك كله اعتبر بيان سفارة الكويت بالقاهرة مستغرباً، لأنه حكم على الواقعة بما لا يليق بها، كما أنه وضع لها أطارا ما كان ينبغي للسفارة أن تضعه خاصة حينما قالت "أن هذا العمل الذي يمثل إساءة بالغة، ومرفوضه لدولة الكويت ورمزها الوطني من شأنه أن ينعكس و بشكل سلبي على العلاقات الأخوية بين البلدين".
وجاء تحرك السلطات المصرية سريعاً لوأد الفتنة في مهدها، فإل جانب بيان وزارة الخارجية، كان تحرك النيابة العامة التي استدعت مصور فيديو "تحدي حرق علم دولة الكويت"، للتحقيق معه، وأصدرت النيابة العامة بياناً وافياً للواقعة، قالت فيه أن المصور قرَّرَ في التحقيقات أن قصده من تصوير المقطع المذكور إثبات أن الشعب المصري ذو مبادئ ولا يغريه المال ولا يرضى بالإساءة للآخرين، وأن العلاقة بين الشعبين المصريِّ والكويتيِّ علاقةٌ وَطِيدة، وذلك إثر تداول واقعة التعدي على مصري بدولة الكويت خلال الشهر الجاري، وقد شاهدت «النيابة العامة» على هاتف المتهم المضبوط مقطعَ الفيديو المتداول، وكذا مقطعًا آخر للمتهم يتحدث فيه عن عدم رغبة الشعب المصري في الإساءة إلى الآخرين، وأن الشعبين الكويتيَّ والمصريَّ سيظلا شعبين شقيقين.
وأكدت تحقيقات «النيابة العامة» عدم قصد مُصوِّر مقطع «تحدي حرق علم دولة الكويت» الإساءةَ إلى دولة الكويت أو شعبها، حيث كانت «وحدة الرصد والتحليل بإدارة البيان بمكتب النائب العام» قد رصدت تداول مقطع مصوَّر لشخصٍ حالَ استطلاعه رأي البعض من عامة الناس في حرقهم علم دولة الكويت مقابل أخذهم مبلغًا ماليًّا، ورفض من استطلع رأيهم ذلك، وبعرض الأمر على المستشار حماده الصاوي، النائب العام، الذي أمر بالتحقيق في الواقعة. هذا، وقد أكدت تحريات «قطاع الأمن الوطني» حول الواقعة، عدم انضمام المتهم لأي جماعة إرهابية، وأن قصده من ترويج المقطع المتداول توطيد العلاقات بين الشعبين المصري والكويتي، وقد أمرت «النيابة العامة» بإخلاء سبيل المتهم.
الشاهد أن مصر والسلطات المصرية لم تترك واقعة تحمل في طياتها أي شبه أساءة للأشقاء في الكويت، أو أي دولة عربية شقيقة، بل لا تترك لأحد الفرصة للهجوم أو مجرد الإساءة للاشقاء، وهو ما ظهر في أعقاب قرار الكويت بتعليق استقبال رحلات الطيران من 31 دولة بينها مصر، فقد جرى تصوير هذا القرار "على السوشيال ميديا" بأنه رداً على فيديو الحرق، وأنه قرار سياسى وليس صحى كما أشار بيان الكويت، وهنا تدخلت الخارجية لوأد فتنة جديدة من خلال بيان جديد عن اتصال هاتفي بين سامح شكرى ونظيره الكويتى الشيخ الدكتور أحمد ناصر المحمد الصباح، الذى أكد في الاتصال أن قرار وقف رحلات الطيران من مصر سيكون محل مراجعة خلال الفترة القادمة، كما أشار البيان إلى مناقشة الوزيران للترتيبات الخاصة بأوضاع الجاليتين المصرية والكويتية، فى إطار الحرص على التواصل بين البلدين ضمن العلاقات المُميزة القائمة بينهما وعلى رعاية مواطنى البلدين المُقيمين فى كل منهما، فضلاً عن اتفاقهما على أن يتواصل وزيرا الصحة فى البلدين لتحديد الإجراءات الكفيلة بعودة الأمور إلى طبيعتها تسهيلاً لعملية التنقل والتواصل بين البلدين الشقيقين.
وكما لاحظنا جميعاً فقد استخدم البعض في الكويت ومصر قرار وقف الرحلات، واستغلاله سياسياً، فرأينا النائبة "صفاء الهاشم" عضو مجلس الأمة الكويتى على سبيل المثال، تتباهى بصدور القرار وتضمينه مصر، مواصلة تصريحاتها الاستفزازية والعدائية ضد مصر والجالية المصرية، ورغم ذلك لم نرى تحركاً واضحاً تجاه هذه النائبة المنفلتة في تصريحاتها ضد مصر!.
الشاهد في كل ما حدث ويحدث أن محاولات الفتنة بين مصر والكويت لاتزال قائمة، وأنه من المفيد للدولتان تقييم ما حدث خلال الشهور والأسابيع الماضية، ووضع حد لحالة الانفلات السوشيالى لدى البعض، لأن تاريخ العلاقات أقوى وأبقى من تفلتات "صفاء الهاشم" أو فيديوهات ريم الشمرى "البذيئة" أو حتى تغريدات البغيلى المباعة، أو حتى فيديو لا يملك صاحبه من رصيد في الشارع يتخطى أفراد منزله.
المطلوب وقفة مع النفس، وهنا أستدعى مجموعة من التغريدات كتبها أحمد الجارالله، الكاتب الكويتى الكبير ورئيس تحرير صحيفة السياسة، والملقب في الكويت بعميد الصحفيين، وكلها تغريدات كان لها أثر كبير في نفوس المصريين، لإنها هدأت من غضبتهم، وكان لها مفعول السحر في وأد الفتنة.
الجارالله قال في تغريدته الأولى رداً على بيان الخارجية المصرية "شكراً لبيان وزارة الخارجية المصرية حول علاقات البلدين، والمطلوب بيان من وزارة الخارجية الكويتية علي وزن بيان الخارجية المصرية، علينا أن نرد التحية بأحسن منها، لقد عاشت العلاقات المصرية الكويتية حالة توتر قادها أشرار التواصل الاجتماعي والكثير منهم مجهول الهوية لكن الاهداف واضحة".
وفى واقعة فيديو الحرق كتب الجار الله "نعوذ بالله من غضب الله أشرار التواصل الاجتماعي بأهدافهم الشريرة، تكالبوا علي مواطن مصري أراد أن يثبت لنا أن الشعب المصري محب للكويت وأهلها وقادتها، المواطن أخذ صورة للعلم الكويتي وأجري مقابلات مع المارة وطلب منهم حرق العلم، الكل رفض وأبدي مشاعر أخلاق أهل مصر تجاه الكويت إنه مواطن طيب"، مستتبعاً بتغريدة أخرى قال فيها " يا أمن مصر، الشاب الذي أراد أن يثبت لنا أن شعب مصر محب لشعب الكويت لم يرتكب جرماً يحاسب عليه، اتركوه إنه لم يفعل منكر.. أنا كويتي ولم أجد ما فعله جريمة، لقد أراد خيراً ولم يرد شراً، سأل المارة وأغراه بالمال وأثبت أن مشاعر أهل مصر لا تشتري.. الشاب نيته طيبه بيضاء.. فليخرص أشرار التواصل الاجتماعي".
اعتقد أن ما كتبه العميد أحمد الجار الله يحتاج إلى دراسة من جانب الأشقاء بالكويت، لأنه يحمل الكثير مما يمكن أن يقال وينفذ حتى لا نترك الفرصة لدعاة الفتنة.