مَنْ سرق المصحف؟
السبت، 08 أغسطس 2020 08:28 م
قبل أن يكرم الله الإنسان باختراع المطبعة، كانت عمليات نشر الكتب من ألفها إلى يائها تجري بطريقة يدوية، ولذا كانت الكتب نادرة جدًا وكان الشخص الذي يمتلك كتابًا يعد من الأثرياء الذين يشار إليهم بالبنان، وكان امتلاك نسخة من المصحف الشريف يكاد يكون مقصورًا على خاصة المسلمين، أما عامتهم فلا يحلمون سوى برؤية نسخة مخطوطة بين يدي عالم أو ثري أو بائع كتب.
في ذلك الزمان البعيد كان يعيش الشيخ الإمام مالك بن دينار وهو من أكابر التابعين الزهاد، وكان من أمهر نسّاخ المصاحف، وكان عندما يحلس في المسجد لوعظ الناس تهفو إليه القلوب.
حكى فريق من المؤرخين قصة نسبوها لمالك بن دينار يقول ملخصها: جلس مالك في المسجد وحوله المئات فوعظهم عن السرقة وظل يظهر لها قبحها ، إلى أن بكي الحاضرون من قلوبهم لا من عيونهم ، وكان بين يدي مالك مصحف تعب في كتابته وأجتهد في تجليده ، ثم خرج لأمر ما من المسجد لقضاء حاجة من الحوائج ، تاركًا مصحفه الثمين أمام عيون الحاضرين ، وعندما عاد إلى مجلسه لم يجد مصحفه ، فلم يظهر اهتمامًا وسيطر على مشاعره وعاد ليستكمل وعظه عن قبح السرقة ، فعاد الحاضرون إلى البكاء ، هنا نظر إليهم وقال كلمته الشهيرة التي صارت مثلًا :" ويحكم كلكم يبكى فمن سرق المصحف؟".
تلك الكلمة القاسية الفاضحة يجب توجيهها إلى السياسيين اللبنانيين ، فهم منذ عصر الثلاثاء الأسود عندما دمر انفجار مرفأ بيروت شوارعًا من العاصمة ، هم من لحظتها يبكون لبنان وأرز لبنان وبيروت ومرفأ بيروت ، ثم يبكون الضحايا والمصابين ثم يبكون كل شيء وأي شيء ، حالة من البكاء العمومي المجاني الذي لن يقدم ولا يؤخر، فهذا البكاء لن يقرر خطة إصلاح ولن يرسم خارطة طريق نهضة أو فلاح أو تقدم ، فما أكثر الدموع وما أهونها ، وقديمًا قال شاعر العرب أبو الطيب المتنبي :" ولن يرد عليك الفائتَ الحزنُ " ما حدث قد حدث وما وقع قد وقع ، والرجال الرجال يعضون على شفاههم كما الجٍمال ثم يشرعون في البناء ، ولكن ما يفعله السياسيون غير ذلك ، هم يتبادلون الاتهامات ويجلسون للبكاء وكل منهم يقسم أنه برئ براءة الذئب من دم ابن يعقوب .
إذا كنتم جميعًا أبرياء فمن الذي سرق المصحف أو بالأحرى دمر المرفأ؟.