الحنين إلى المستعمر
الجمعة، 07 أغسطس 2020 01:53 م
مطالبة آلاف اللبنانيين بعودة الانتداب الفرنسى إلى بلادهم، بعد الحادث الأخير الذى قتل وأصاب أكثر من 4 آلاف شخص، ليست بدعة فى بلاد العرب؛ فقد سبقهم جزائريون ومغربيون يمنيون وسودانيون..ومصريون إلى ذلك أيضًا، وإن اختلفت المواقف والدوافع. قبل أيام قليلة..دافع مثقفون مصريون، بعضهم يتولى مناصب رسمية وبعضهم دون ذلك،عن عودة تمثال "ديلسبس" بمحافظة بورسعيد. دعكَ من أنَّ انتفاضة ثقافية وشعبية "مُعتبرة" تصدت لهذه الهوان واعتبرته إهانة للشعب المصرى الباسل الذى أسقط هذا التمثال إبان العدوان الثلاثى على مصر، وتكريمًا لمحتل وتمجيدًا لمستعمر قهر المصريين، فى الوقت الذى أدانته فيه بلاده لاحقًا ومعه ابنه وحفيده بجرائمَ مختلفة، دخلوا على إثرها السجن. ولكن المؤسف حقًا أنَّ هناك مَن عاند هذا الغضب الشعبى ودافع عن "ديلسبس" وعدَّدَ مآثره ومناقبه وأفضاله على المصريين! هذا الفريق الماكر المراوغ ينتمى إليه فريق آخر أكبر منه عددًا وهو الذى يحتفى كلما سنحت الفرصة بالحملة الفرنسية ويحنُّ إلى أيامها وسنينها، تمامًا كما اللبنانيين! مؤخرًا.. تحدث وزير مصرى سابق، فى حوار مطول بصحيفة رسمية، بالخير عن الحملة الفرنسية على مصر، وكاد يعتبرها أهم منجز حضارى فى تاريخ بلاده، واعتبر خروجها من الأراضى المصرية خسارة كبيرة لا يمكن تعويضها! ولعل هؤلاء وهؤلاء من نسل جيل لا يزال يُسبح بزمن الملكية ويأكله الشوق والحنين إليه، وهو لا يختلف كثيرًا بطبيعة الحال عن الجيل الذى يترقب عودة الخلافة العثمانية، ويرى فى الرئيس التركى "رجب طيب أردوغان" الخليفة المرتقب والمهدى المنتظر، ليس لبلاد الإسلام بل للإنسانية جمعاءَ !! هذه الحالة الإنسانية المرتبكة تحتاج تشخيصًا نفسيًا دقيقًا، وربما تطلب الأمر إيداع أصحابها مصحَّات نفسية لتصويب سلوكياتهم وأساليب تفكيرهم. "إننا نَتخلَّقُ بأخلاق العبيد، مهما بدا علينا من علائم الحرية وسماتِ السيادة، سأقولُ ذلك وأعيدُه..لعلهُ يطِنُّ في الآذان، فَيرنُّ صداهُ في الرؤوس، فتقرُّ آثارُه في النفوس"، هكذا وصف الدكتور زكى نجيب محمود، هذا الصنف من الناس، وهو صنف معدوم الهوية والنخوة والانتماء. والذين لم يبوحوا بالحنين إلى المستعمر والارتباط بالمحتل فى بلادنا يلعبون لعبة رخيصة أخرى، تتمثل فى الاستسلام لما تنتجه عقلية "المستعمر السابق" حتى الآن ويتحول إلى صدى لها، ويبدو كالحمار يحمل أسفارًا. ولا شك أن تلك الشرزمة التى تعيث فسادًا فى المشهد الثقافى المصرى وتتصدر المشهد وتحتكر الجوائز هى نفسها التى تقتات على ما تنتجه ثقافة المحتل السابق، وتستتر فى العقل الغربى، وتنبطح أمامه، وتتخذه إلهًا لها من دون الله، وهى أيضًا التى تنسلخ من هويتها وثقافتها وتراثها ودينها وأخلاقها وتروج للأفكار والأخلاقيات والثقافية الغربية مهما كانت هدامة، ووجدنا فريقًا منهم يدافع باستماتة عن فتيات "التيك توك" ويطالب بمبايعتهن رموزًا للحرية والتمرد! لا تجلدوا اللبنانيين على مغازلتهم للرئيس الفرنسى وطلبهم عودة الانتداب إلى بلادهم؛ فهم يواجهون ظروفًا قهرية صعبة وفسادًا نخبويًا غير مسبوق، ولكن اللوم يجب أن يوجه لأولئك المثقفين المصريين والعرب الذين جعلوا من ذواتهم المنكوبة مندوبين للمستعمر السابق وممثلين للمحتل القديم، وأولئك هم العبيد الجدد الذين يملأون أوطان العرب والأعراب، وهم الشر المستطير والبلاء العظيم!