عبر فتاوى الإرهابيين.. كيف شرعنت حكومة الوفاق إلى تركيا لاحتلال ليبيا؟
الإثنين، 15 يونيو 2020 04:42 م
تستغل تركيا دائما ذوي النفوس الضعيفة لافتتاح أبواب بلادهم حيث تمارس فيه انتهاكاتها متحدية المجتمع الدولي والمواثيق الإنسانية، وتستبيح الأراضي بالمرتزقة والسلاح والقتل والتنكيل بكل من يعارضعهم ليكون المقابل جزء ولو صغيرا من السلطة يضمن عودة تنظيم الإخوان.
وقع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اتفاقية أمنية وعسكرية وأخرى بحرية مع رئيس حكومة الوفاق فائز السراج، في نوفمبر الماضي، كانت نقطة الانطلاق لتدخله العسكري في ليبيا الذي عززه فيما بعد بإرسال السلاح والمرتزقة السوريين بمباركة مسؤولين في حكومة الإخوان التي تسيطر على طرابلس تحت حماية الميليشيات الإرهابية.
أما عن فتحي باشاغا وزير الداخلية في حكومة الوفاق، المتحكمة فيها الميليشيات وأعضاء سابقين في تنظيم القاعدة برتب عسكرية، فقد أدى دورًا هامًا في دمج المرتزقة والمستشارين العسكريين الأتراك ضمن قواته لمحاربة الجيش الوطني الليبي واستعادة مدن وقواعد عسكرية مهمة كانت تحت سيطرته غرب طرابلس.
وبرر «باشاغا» التدخل التركي في ليبيا بأنها في مصلحة الشعب الليبي وهي في الحقيقة لإنقاذ نفوذ حكومة الوفاق ومن خلالها استعادة الإخوان لنفوذهم في المنطقة مقابل وضع تركيا يدها على ثروات شرق البحر الأبيض المتوسط الطبيعية من نفط وغاز.
وكتب باشاغا، أمس السبت في تغريدة على موقع تويتر أن «مبادرات إنهاء الأزمة السياسية وتوحيد مؤسسات الدولة الليبية مرحب بها متى ضمنت سيادة ليبيا ومدنية السلطة التي تحتكم لإرادة الشعب وخضوع الجيش للسلطة المدنية ولا مكان لمجرمي الحرب الطامعين في الاستيلاء على السلطة بقوة السلاح».
تغريدة باشاغا لخصت تماما ما تفعله حكومة الوفاق وميليشياتها لكن باشاغا عكسه تماما على اعتبار أن "شرعية" حكومة الوفاق لا تزال قائمة بقوة السلاح التركي ولم تنتهي صلاحياتها على عكس البرلمان الليبي الذي يستمد منه الجيش الليبي شرعيته.
وتعددت خلال الأسبوعين الماضيين المبادرات الداعية لحقن دماء الليبية والعودة إلى طاولة المفاوضات كان آخرها المبادرة المصرية التي لاقت ترحيبا دوليا وإقليميا قويا، لكن الطرف المعارض الوحيد لها كانت حكومة الوفاق ومن ورائها تركيا وقطر.
وكان أردوغان ينتظر انتصارات أخرى على الميدان خاصة في مدينة سرت الغنية بالنفط في موقف يؤكد هدفه الواحد تجاه ليبيا وسعيه لاستمرار الاقتتال بما سيسمح لأنقرة بمزيد التوغل في ليبيا لهثا وراء ثرواتها فيما تسعى الدوحة لتعزيز نفوذ حلفائها في تنظيم الاخوان خدمة لأجنداتها المشبوهة في المنطقة، بحسب "ميدل إيست أون لاين".
وخصصت تركيا وقطر منابرهما الإعلامية لقيادات إخوانية في إسطنبول والدوحة وطرابلس خلال اشتداد المعارك ميدانيا، لشن حملات تشويه ضد الجيش الوطني الليبي بخطاب ديني استخدمت فيه الفتاوى والتحريض لتبرير الاحتلال التركي تحت راية ما أسمته «حماية الإسلام والمسلمين».
وفي خضم ذلك خرج المفتي المعزول صادق الغرياني والمعروف بالفتاوى المثيرة للسخرية، ليحرم - ضمن توجيهات الإخوان-، شراء سلع من بعض الدول العربية التي رفضت التدخل التركي في ليبيا، معتبرا أن كل دولار يدفع لتلك الدول بمثابة "رصاصة في صدور أبنائنا"، مضيفا أن "التجارة معهم تقوية لهم، وكل دولار ندفعه لهم هو رصاصة في صدور أبنائنا".
في المقابل تجاهل - المفتي حسب الطلب- الغرياني رأيه في نفط وغاز ليبيا الذي قدم على طبق من ذهب لتركيا وكيف استباحت الأموال القطرية التركية دماء الليبيين حين قدمت للميليشيات والإرهابيين السلاح والعتاد، ودعا الشهر الماضي إلى إعطاء تركيا الأسبقية في الشراكة الاقتصادية والأمنية وتسليم ثروات ليبيا لها عبر منحها الحق في عمليات التنقيب عن النفط والغاز، بعد أن استكمل مديحه لأردوغان في فيديو نشره على صفحته في فيسبوك.
ويقدم "الغرياني" نهج الإخوان في الاستيلاء على السلطة من تركيا التي يقيم فيها ويظهر يوميا على قناة إخوانية تمولها أنقرة والدوحة للتحريض على الإقتتال في ليبيا.
من جهته ظهر القيادي الإخواني علي الصلابي منذ مدة بشكل لافت على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد أن خصصت له تركيا وقطر هو الآخر منابرها الإعلامية لتخفيف حدة رفض الليبيين للتدخل التركي في بلادهم، فأصبح يطل على الليبيين عبر برامج تلفزيونية تروج لخطاب يمجد حكم الإسلاميين تحت غطاء الفتاوى والمواعظ، مستذكرا في ذلك أمجاد الإمراطورية العثمانية التي يحلم أردوغان باستعادتها.
وليس بالغريب عن الصلابي تعلقه بالدولة العثمانية وتمجيده لسلاطينها فقد سبق وأن كتب كتابا مخصصا لتلميع صورتهم منذ سنوات يتحدث عن السلطان محمد الفاتح الذي يصفه بـ"السلطان والقائد الإسلامي الفذ"، زاعما أن كل ما ارتكبه من جرائم خلال فترة حكمه هي "محاولة تشويه تاريخه والنيل من رمزيته بكيل الاتهامات والأباطيل له".
ومنذ التدخل العسكري التركي في ليبيا أصبح للصلابي حضورا لافتا على وسائل الإعلام والصحافة التركية والقطرية، أما على صفحته في فيسبوك فيعتمد على ما كتبه عن السلطان التركي لتبرير التدخل التركي في ليبيا، مستشهدا تارة بابن تيمية وسيد قطب وتارة أخرى بيوسف القرضاوي.
ويأتي ظهور الصلابي الذي يقيم هو الآخر في قطر، عبر المنابر الإعلامية التي تروج لجماعات الإسلامي السياسي، بعد أن كان قد ساهم في السابق في تغيير المراجع الفكرية للجماعات الإسلامية المتشددة والمقاتلين قبل التحاقهم بالميليشيات التابعة لحكومة الوفاق وتجنيدهم للقتال معها ومكافئتهم برتب عسكرية وأمنية تمحي سجلهم الإرهابي.
وعلي الصلابي هو شقيق الإرهابي إسماعيل الصلابي المعروف بـ"خفاش الظلام" وقائد مليشيات 17 فبراير المسؤولة عن مقتل المئات من أهالي مدينة بنغازي التي أسس فيها فرعا لتنظيم أنصار الشريعة تحت مسمى "مجلس شورى بنغازي".
وقاد إسماعيل الصلابي العديد من الجماعات الإرهابية في ليبيا، كما شارك في تأسيس الكثير منها وعلى رأسها "كتيبة راف الله السحاتي" و"سرايا الدفاع عن بنغازي" التابعة لأنصار الشريعة وتنظيم القاعدة الإرهابي، والتي أعلنت مسؤوليتها عن مقتل جنود فرنسيين في ليبيا في يوليو 2016.
كما تورط الصلابي في العديد من المذابح ضد الليبيين أبرزها عمليات الهجوم على منطقة الهلال النفطي 2016 و2018، قبل أن يستردها الجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، كما تورطت قواته في قتل 140 جنديا ليبيا داخل قاعدة براك الشاطئ حيث شاركت في الهجوم والتنفيذ.
ولا يبدو تمجيد الإخوان للاحتلال التركي بالغريب عنهم حيث انتهجوا نفس الطريقة خلال الفوضى التي عاشتها ليبيا في السنوات الماضية لإبعاد الشبهات عنهم والتغطية عن جرائمهم بالتحالف مع العناصر الإرهابية ضد الليبيين للإفلات من العقاب باعتبارهم تحت حماية الحكومة المعترف بها دوليا في طرابلس.
يذكر أن باشاغا والسراج وغيرهم من المسؤولين في حكومة الوفاق من الذين "باركوا" تدخل أردوغان في ليبيا، هم من أصول تركية.
واختيار تركيا لهؤولاء المسؤولين ليس اعتباطيا فهي تسعى لإعادة نفس السيناريو حاليا للتغطية على الانتهاكات الجسيمة التي ارتكبتها الميليشيات والمرتزقة السوريين الذين جندتهم ليكونوا في الصفوف الأولى خلال الحرب، حيث حرصت على ارسال بعض المستشارين الأتراك فقط إلى ليبيا خوفا من المحاسبة.
وما تخشاه تركيا كشفته سريعا بعثة الأمم المتحدة التي اعلنت منذ أيام عن "صدمتها" باكتشاف ثماني مقابر جماعية على الأقل في مدينة ترهونة، مطالبةً بإجراء "تحقيق سريع" حول عمليات "القتل خارج القانون".
وعبّرت البعثة في بيان عن "القلق الشديد" بشأن "التقارير المروعة جدا" عن اكتشاف تلك المقابر الجماعية خلال الأيام الماضية، معظمها في ترهونة التي تبعد 88 كلم جنوب شرق طرابلس.
وكان نشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي قد نشروا منذ أسابيع صورا وفيديوهات لعمليات انتقام قامت بها مجموعة من المرتزقة بقيادة عسكريين أتراك وعناصر من مليشيات الوفاق في ترهونة أظهرت مقابر جنود للجيش الليبي تم حرقها في إطار عملية انتقام واسعة من المدينة التي ظلت تقاوم الغزو التركي لثلاثة شهور.
وللتنصل من المسؤولية زعمت وزارة العدل في حكومة الوفاق استعدادها لتشكيل لجنة تحقيق، للتعرف على ضحايا المقابر الجماعية وأسباب الوفاة وهو نفس الخطاب الذي اعتمدته حكومة السراج في أبريل الماضي حين تعرضت لانتقادات واسعة من قبل بعثة الأمم المتحدة في ليبيا بعد قيام ميليشيات تابعة لها باقتحام سجن مدينة صرمان وإطلاق مئات السجناء من بينهم إرهابيين ومتطرفين بالإضافة إلى ترويع المدنيين من سكان صرمان وصبراتة.
وتعهدت آنذاك بفتح تحقيق في الحادثة دون تنفيذه بل ساعدتها تلك المجموعات الفارة من السجن في المعارك التي دارت في المناطق الغربية لطرابلس.
ومنذ إطلاق ميليشيات الوفاق عمليّة "عاصفة السلام" مدعومة بطائرات تركيّة بدون طيّار وأسلحة تركية أخرى نهاية آذار/مارس، استعادت مدن الساحل غربي طرابلس وصولاً إلى معبر راس جدير الحدودي مع تونس. وأعقبت ذلك السيطرة على قاعدة الوطية الجوّية الاستراتيجيّة على بعد 140 كلم جنوب غرب طرابلس الشهر الماضي.
وبم تتوقف تركيا منذ أشهر عن تأجيج الصراع الذي راح ضحيته مئات القتلى وآلاف الجرحى ونزوح أكثر من 200 ألف شخص، حيث سارعت وتيرة إرسال الأسلحة عبر سفنها في البحر المتوسط إلى ميناء طرابلس متحدية قرارات مجلس الأمن، علاوة عن إرسال آلاف المرتزقة السوريين.
من جهتها عملت حكومة حزب العدالة والتنمية في تركيا خلال الأشهر الماضية على زرع الفتن والانقسامات بين الليبيين، حيث حاولت نزع الصفة الوطنية عن سكان مدينة مصراتة عبر تسميتهم بـ"الكراغلة" لإرجاعهم إلى الأصول التركية.
وفي تقرير أثار غضب الليبيين منذ فترة تعمدت وكالة الأناضول الرسمية التي أصبحت الذراع الإعلامية لحزب العدالة والتنمية، تسمية الميليشيات التابعة للوفاق في مصراتة (200 كلم شرق طرابلس)، بـ"أتراك ليبيا" الذين قاموا بإظهار مقاومة فعالة للسيطرة على مدينة غريان.
لكن القبائل الليبية نددت بذلك النبش التركي للجذور التاريخية، حيث اتهم مجلس مشايخ وأعيان قبائل الكراغلة في ليبيا، أردوغان بالترويج لأكاذيب حول وجود نحو مليون ليبي من أصول تركية يرغب في حمايتهم.
وقال المجلس، في بيان في يناير الماضي إن "تصريحات الرئيس التركي الإخواني باطلة وغير مسؤولة، أجدادنا وأجداد أجدادنا وآباؤنا وأولادنا ولدوا وعاشوا في هذا الوطن وتربينا على خيره ولن نسمح لأي دخيل أن يدنس أرضنا".
وأضاف أن "أبناء الشعب الليبي الذي طرد العثمانيين والطليان وقضى على عهد الاستبداد، وانتصر على الدواعش والمتطرفين سيكون بالمرصاد لكل من تسول له نفسه أن ينتهك حرمة أرضه وسماه".
يذكر أن المناطق المؤيدة للجيش الوطني الليبي على عكس الإخوان خرجت في مسيرات كبيرة للتنديد بالاحتلال التركي للأراضي الليبية مطالبة بمحاسبة السراج وكل عناصر حكومته لسماحهم لأردوغان بالتدخل عسكريا في بلادهم عبر توقيع اتفاقيات مشبوهة من دون وجه حق باعتبار انها حكومة فاقدة للشرعية.