الطريق إلى موقعة الجمل.. لماذا حركت أم المؤمنين عائشة الجيوش لقتال علي بن أبى طالب؟
السبت، 02 مايو 2020 11:00 ممحمد الشرقاوى
بيعة «على» كانت البداية.. وحلف «طلحة والزبير» سرع المواجهة
بعد مقتل الصحابي الجليل عثمان بن عفان، في عام 35 من الهجرة، بعد فتنة كبيرة، تورط فيها الكثيرون من الصحابة والتابعين كل بموقفه، استمرت تداعيات الفتنة حتى بعد مقتله وأخذ المتمردون ما جاءوا لأجله.
بيعة الإمام على
ظن المسلمون أنه بمبايعة الإمام علي بن أبي طالب خليفة للمسلمين، ستهدأ الأمور، لكنها كادت تعصف بالدولة الإسلامية، فما أن تسلم على رضى الله عنه الخلافة بعد مقتل عثمان بسبعة أيام، في 25 ذي الحجّة عام 35 من الهجرة قاد حملة تطهير واسعة، لكنها زادت الأمور سوءا، فعَزل وُلاة عثمان المتورطين في نهب الثروات، كذلك عزل معاوية بن أبي سفيان، رغم نصائح بعدم عزله في هذا التوقيت إلا بعد استقرار الأوضاع، وهو ما لم يحدث.
الروايات في الفترة التي تلت مقتل عثمان كثيرة، لكن بحسب كتاب البداية والنهاية للإمام عماد الدين إسماعيل بن كثير الدمشقي (ابن كثير)- أكثر الكتب ثقة بين العلماء والباحثين-، أنه لما وقع قتل عثمان بعد أيام التشريق، كان أزواج النبي ﷺ أمهات المؤمنين قد خرجن إلى الحج في هذا العام فراراً من الفتنة، فلما بلغ الناس أن عثمان قد قتل، أقمن بمكة بعد ما خرجن منها، ورجعن إليها وأقمن بها، ينتظرن ما يصنع الناس ويعرفن الأخبار.
رواية أخرى
في كتاب «الفتنة: جدلية الدين والسياسة في الإسلام المبكر» للمؤرّخ هشام جعيط، يقول إنه في الوقت الذي جرى فيه تنصيب عثمان عبر توافق مجموعة عبر اجتماع «أهل الحل والعقد» في مجلس شورى، فقد جرى تنصيب علي بن أبي طالب (رغم ممانعته) بسرعة لتدارك الكارثة التي حلت، لكن مبايعة المقاتلة/ القراء للخليفة الجديد ستستخدم، مع أسباب أخرى لمعارضة تولي علي «إمارة المؤمنين»، لتبدل التوازنات في المدينة، ولاحقا في الأمصار مع رفع السيدة عائشة أم المؤمنين، راية الثأر لعثمان، وإيجادها حلفا مع الصحابيين الجليلين طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام (اللذين كانا قد بايعا عليا من ضمن من بايعه من الصحابة في المدينة).
الفرار إلى مكة
حينما نودى بمبايعة على وصار حظ الناس عنده بحكم الحال وغلبة الرأي، لا عن اختيار منه، لذلك رأى أولئك الخوارج الذين قتلوا عثمان مع أن عليا في نفس الأمر يكرههم، ولكنه تربص بهم الدوائر، ويود لو تمكن منهم ليأخذ حق الله منهم، ولكن لما وقع الأمر هكذا واستحوذوا عليه، وحجبوا عنه علية الصحابة فر جماعة من بني أمية وغيرهم إلى مكة، واستأذنه طلحة والزبير في الاعتمار، فأذن لهما فخرجا إلى مكة، وتبعهم خلق كثير وجم غفير.
وكان علي لما عزم على قتال أهل الشام قد ندب أهل المدينة إلى الخروج معه فأبوا عليه، فطلب عبدالله بن عمر بن الخطاب وحرضه على الخروج معه، فقال: إنما أنا رجل من أهل المدينة، إن خرجوا خرجت على السمع والطاعة، ولكن لا أخرج للقتال في هذا العام، ثم تجهز ابن عمر وخرج إلى مكة، وقدم إلى مكة أيضا في هذا العام يعلى بن أمية من اليمن - وكان عاملا عليها لعثمان - ومعه ستمائة بعير وستمائة ألف درهم، وقدم لها عبدالله بن عامر من البصرة، وكان نائبها لعثمان، فاجتمع فيها خلق من سادات الصحابة وأمهات المؤمنين.
دور السيدة عائشة
كان للسيدة عائشة رضوان الله عليها، دور كبير في شحن الناس ضد علي بحجة الثأر لعثمان، وهو ما تأكد في روايات كثيرة، فبحسب ابن كثير، قامت أم المؤمنين عائشة في الناس تخطبهم وتحثهم على القيام بطلب دم عثمان، وذكرت ما افتات به أولئك من قتله في بلد حرام وشهر حرام، ولم يراقبوا جوار رسول الله ﷺ، وقد سفكوا الدماء وأخذوا الأموال، فاستجاب الناس لها، وطاوعوها على ما تراه من الأمر بالمصلحة، وقالوا لها: حيثما ما سرت سرنا معك.
وأراد القوم الذهاب للشام لأخذ الثأر من قتلة عثمان رضى الله عنه، لكن البعض قال إن معاوية بن أبي سفيان قد كفاكم أمرها، ولو قدموها لغلبوا، واجتمع الأمر كله لهم، لأن أكابر الصحابة معهم، وقال آخرون: نذهب إلى المدينة فنطلب من علي أن يسلم إلينا قتلة عثمان فيقتلوا، وقال آخرون: بل نذهب إلى البصرة فنتقوى من هنالك بالخيل والرجال، ونبدأ بمن هناك من قتلة عثمان، واتفق الرأي على ذلك، وكان بقية أمهات المؤمنين قد وافقن عائشة على المسير إلى المدينة.
المسير إلى البصرة
لما اتفق الناس على المسير إلى البصرة رجعن عن ذلك، وقلن لا نسير إلى غير المدينة، وجهز الناس يعلى بن أمية فأنفق فيهم ستمائة بعير وستمائة ألف درهم وجهزهم ابن عامر أيضا بمال كثير، وكانت حفصة بنت عمر أم المؤمنين قد وافقت عائشة على المسير إلى البصرة، فمنعها أخوها عبدالله من ذلك، وأبى هو أن يسير معهم إلى غير المدينة، وسار الناس صحبة عائشة في ألف فارس، وقيل تسعمائة فارس من أهل المدينة ومكة، وتلاحق بهم آخرون، فصاروا في ثلاثة آلاف، وأم المؤمنين عائشة تحمل في هودج على جمل اسمه «عسكر» اشتراه يعلى بن أمية من رجل من عرينة بمائتي دينار، وقيل بثمانين دينارا، وقيل غير ذلك، وسار معها أمهات المؤمنين إلى ذات عرق ففارقنها هنالك وبكين للوداع، وتباكى الناس، وكان ذلك اليوم يسمى يوم النحيب.
إشارة ربانية بضلال المسير
لم تلتفت السيدة عائشة لإشارة جاءتها في الطريق، بضرورة الرجوع، ورغم حين مسيرها بـ«ماء الحوأب»، يقول ابن كثير، لما سار الناس قاصدين البصرة، وكان الذي يصلي بالناس عن أمر عائشة ابن أختها عبدالله بن الزبير، ومروان بن الحكم يؤذن للناس في أوقات الصلوات، وقد مروا في مسيرهم ليلا بماء يقال له الحوأب، فنبحتهم كلاب عنده، فلما سمعت ذلك عائشة قالت: ما اسم هذا المكان؟ قالوا: الحوأب، فضربت بإحدى يديها على الأخرى، وقالت: إنا لله وإنا إليه راجعون ما أظنني إلا راجعة.
قالوا: ولم؟ قالت: سمعت رسول الله ﷺ يقول: لنسائه: «ليت شعري أيتكن التي تنبحها كلاب الحوأب». ثم ضربت عضد بعيرها فأناخته، وقالت: ردوني ردوني أنا والله صاحبة ماء الحوأب. الحديث صححه الألباني وقال من أصح الأحاديث، فأناخ الناس، وجاء ابن الزبير، وقال: إن الذي أخبرك أن هذا ماء الحوأب قد كذب، ثم قال الناس: النجا النجا، هذا جيش علي بن أبي طالب قد أقبل، فارتحلوا نحو البصرة.
عائشة تجمع الحلفاء
لما اقتربت السيدة عائشة رضى الله عنها من البصرة، كتبت إلى الأحنف بن قيس وغيره من رءوس الناس أنها قد قدمت، فبعث عثمان بن حنيف عمران بن حصين وأبا الأسود الدؤلي إليها ليعلما ما جاءت له، فلما قدما عليها سلما عليها واستعلما منها ما جاءت له، فذكرت لهما ما الذي جاءت له من القيام بطلب دم عثمان، لأنه قتل مظلوما في شهر حرام وبلد حرام، وتلت قوله تعالى: { لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرا عَظِيما } [النساء: 114] فخرجا من عندها فجاءا إلى طلحة، فقالا له: ما أقدمك؟، فقال: الطلب بدم عثمان. فقالا: ما بايعت عليا؟ قال: بلى والسيف على عنقي، ولا أستقبله إن هو لم يخل بيننا وبين قتلة عثمان. فذهبا إلى الزبير فقال: مثل ذلك. قال: فرجع عمران وأبو الأسود إلى عثمان بن حنيف.
وقال عثمان بن حنيف: إنا لله وإنا إليه راجعون دارت رحا الإسلام ورب الكعبة، فانظروا بأي زيفان نزيف، فقال عمران: إي والله لتعركنكم عركا طويلا، يشير عثمان بن حنيف إلى حديث ابن مسعود مرفوعا: «تدور رحا الإسلام لخمس وثلاثين» الحديث كما تقدم.
ثم قال عثمان بن حنيف لعمران بن حصين: أشر علي. فقال: اعتزل، فإني قاعد في منزلي، أو قال قاعد على بعيري فذهب، فقال عثمان: بل أمنعهم حتى يأتي أمير المؤمنين، فنادى في الناس يأمرهم بلبس السلاح، والاجتماع في المسجد فاجتمعوا، فأمرهم بالتجهز، فقام رجل وعثمان على المنبر فقال: أيها الناس، إن كان هؤلاء القوم جاءوا خائفين فقد جاءوا من بلد يأمن فيه الطير، وإن كانوا جاءوا يطلبون بدم عثمان فما نحن بقتلته، فأطيعوني وردوهم من حيث جاءوا.
فقام الأسود بن سريع السعدي فقال: إنما جاءوا يستعينون بنا على قتلة عثمان منا ومن غيرنا، فحصبه الناس، فعلم عثمان بن حنيف أن لقتلة عثمان بالبصرة أنصارا، فكره ذلك، وقدمت أم المؤمنين بمن معها من الناس، فنزلوا المربد من أعلاه قريبا من البصرة، وخرج إليها من أهل البصرة من أراد أن يكون معها، وخرج عثمان بن حنيف بالجيش فاجتمعوا بالمربد، فتكلم طلحة - وكان على الميمنة - فندب إلى الأخذ بثأر عثمان، والطلب بدمه، وتابعه الزبير فتكلم بمثل مقالته فرد عليهما ناس من جيش عثمان بن حنيف، وتكلمت أم المؤمنين فحرضت وحثت على القتال، فتناور طوائف من أطراف الجيش فتراموا بالحجارة.
معركة فم السكة
تحاجز الناس ورجع كل فريق إلى حوزته، وقد صارت طائفة من جيش عثمان بن حنيف إلى جيش عائشة فكثروا، وجاء حارثة بن قدامة السعدي فقال: يا أم المؤمنين! والله لقتل عثمان أهون من خروجك من بيتك على هذا الجمل عرضة للسلاح، إن كنت أتيتينا طائعة فارجعي من حيث جئت إلى منزلك، وإن كنت أتيتينا مكرهة، فاستعيني بالناس في الرجوع.
وأقبل حكيم بن جبلة - وكان على خيل عثمان بن حنيف- فأنشب القتال وجعل أصحاب أم المؤمنين يكفون أيديهم ويمتنعون من القتال، وجعل حكيم يقتحم عليهم فاقتتلوا على «فم السكة».
وأمرت عائشة أصحابها فتيامنوا حتى انتهوا إلى مقبرة بني مازن، وحجز الليل بينهم، فلما كان اليوم الثاني قصدوا للقتال، فاقتتلوا قتالا شديدا، إلى أن زال النهار، وقتل خلق كثير من أصحاب ابن حنيف، وكثرت الجراح في الفريقين، فلما عضتهم الحرب تداعوا إلى الصلح على أن يكتبوا بينهم كتابا، ويبعثوا رسولا إلى أهل المدينة يسأل أهلها، إن كان طلحة والزبير أكرها على البيعة.
طلحة والزبير وبيعة الخليفة الرابع
اشترط الصلح بين جيش عائشة رضى الله عنها وعثمان بن حنيف، أن يتأكد الناس من بيعة طلحة وعبدالله بن الزبير للإمام علي بن أبي طالب، فإن تبين كرههما على البيعة خرج عثمان بن حنيف عن البصرة وأخلاها لجيش عائشة، وإن لم يكونا أكرها على البيعة خرج طلحة والزبير عنها وأخلوها لهم، وبعثوا بذلك كعب بن سور القاضي، فقدم المدينة يوم الجمعة، فقام في الناس فسألهم:
هل بايع طلحة والزبير طائعين أو مكرهين؟ فسكت الناس فلم يتكلم إلا أسامة بن زيد. فقال: بل كانا مكرهين، فثار إليه بعض الناس، فأرادوا ضربه. فحاجف دونه صهيب، وأبو أيوب، وجماعة حتى خلصوه، وقالوا له: ما وسعك ما وسعنا من السكوت؟
فقال: لا والله ما كنت أرى أن الأمر ينتهي إلى هذا، وكتب علي إلى عثمان بن حنيف، يقول له: إنهما لم يكرها على فرقة، ولقد أكُرها على جماعة وفضل، فإن كانا يريدان الخلع فلا عذر لهما، وإن كانا يريدان غير ذلك نظرا ونظرنا، وقد كعب بن سور على
عثمان بكتاب علي، فقال عثمان: هذا أمر آخر غير ما كنا فيه.
وبعث طلحة والزبير إلى عثمان بن حنيف أن يخرج إليهما فأبى، فجمعا الرجال في ليلة مظلمة وشهدا بهم صلاة العشاء في المسجد الجامع، ولم يخرج عثمان بن حنيف تلك الليلة، فصلى بالناس عبدالرحمن بن عتاب بن أسيد، ووقع من رعاع الناس من أهل البصرة كلام وضرب، فقُتل منهم نحوا من أربعين رجلا، ودخل الناس على عثمان بن حنيف قصره فأخرجوه إلى طلحة والزبير، ولم يبق في وجهه شعرة إلا نتفوها، فاستعظما ذلك.
وبعثا إلى عائشة، فأعلماها الخبر، فأمرت أن تخلي سبيله فأطلقوه، وولوا على بيت المال عبدالرحمن بن أبي بكر، وقسم طلحة والزبير أموال بيت المال في الناس، وفضلوا أهل الطاعة وأكب عليهم الناس يأخذون أرزاقهم وأخذوا الحرس، واستبدوا في الأمر بالبصرة، فحمى لذلك جماعة من قوم قتلة عثمان وأنصارهم.
قاتل عثمان يواجه جيش أم المؤمنين
ركب قتلة عثمان في جيش قريب من ثلاثمائة، وعلى رأسهم حكيم بن جبلة، وهو أحد من باشر قتل عثمان، فبارزوا وقاتلوا، حتى قتل حكيم بن جبلة وهو ونحو سبعين من قتلة عثمان، وأنصارهم أهل المدينة، فضعف جأش من خالف طلحة والزبير من أهل البصرة.
ويقال وفقا لأغلب كتب علماء التاريخ الإسلامي التي اطلعنا عليها، إن أهل البصرة بايعوا طلحة والزبير، وندب الزبير ألف فارس يأخذها معه ويلتقي بها عليا قبل أن يجيء فلم يجبه أحد، وكتبوا بذلك إلى أهل الشام يبشرونهم بذلك، وقد كانت هذه الوقعة لخمس ليال يقين من ربيع الآخرة سنة ست وثلاثين. وفق ابن كثير.
إرهاصات موقعة الجمل
وفق كتاب الفتنة لهشام جعيط، فإن المتحالفين – في إشارة لجيش أم المؤمنين عائشة، تمكنوا من دخول البصرة والسيطرة عليها طالبين من القبائل التي شارك أبناؤها في احتلال المدينة تسليمهم للقصاص منهم، وكان ذلك فاتحة مقتلة رهيبة ذبح فيها 600 من القراء/المقاتلة، وكانت تلك نقطة فاصلة أخرى كبيرة في مصير أولئك القراء ستدفع قصتهم، وقصة الإسلام والمسلمين، إلى أطوار عنيفة أكبر، تمثل موقعة الجمل، بين علي وحلف طلحة والزبير وأم المؤمنين، التي أدت لموج من القتلى (قرابة عشرة آلاف قتيل في عدادهم مشاهير من الكوفة والبصرة، وأشراف قرشيون، ورؤساء قبائل)، واستعادة علي للبصرة.
عائشة تجمع الجيوش
كتبت أم المؤمنين عائشة إلى زيد بن صوحان، تدعوه إلى نصرتها والقيام معها، فإن لم يجيء فليكف يده، وليلزم منزله، أي: لا يكون عليها ولا لها، فقال: أنا في نصرتك ما دمت في منزلك، وأبى أن يطيعها في ذلك. وقال: رحم الله أم المؤمنين، أمرها الله أن تلزم بيتها، وأمرنا أن نقاتل، فخرجت من منزلها، وأمرتنا بلزوم بيوتنا التي كانت هي أحق بذلك منا. وكتبت عائشة إلى أهل اليمامة والكوفة بمثل ذلك.
علي بن أبي طالب يبدأ المسير
كان علي بن أبي طالب ينوي المسير إلى الشام، فلما بلغه قصد طلحة والزبير البصرة، خطب الناس وحثهم على المسير إلى البصرة ليمنع أولئك من دخولها إن أمكن، أو يطردهم عنها إن كانوا قد دخلوها، فتثاقل عنه أكثر أهل المدينة، واستجاب له بعضهم. قال الشعبي: مما نهض معه في هذا الأمر غير ستة نفر من البدريين ليس لهم سابع، وقال غيره: أربعة.
وذكر ابن جرير وغيره قال: كان ممن استجاب له من كبار الصحابة: أبو الهيثم بن التيهان، وأبو قتادة الأنصاري، وزياد بن حنظلة، وخزيمة بن ثابت. قالوا: وليس بذي الشهادتين، ذاك مات في زمن عثمان رضى الله عنه.
وسار على من المدينة نحو البصرة على تعبئته المتقدم ذكرها، غير أنه استخلف على المدينة تمام بن عباس وعلى مكة قثم بن عباس، وذلك في آخر شهر ربيع الآخر سنة ست وثلاثين.
وخرج على من المدينة في نحو من تسعمائة مقاتل، وقد لقي عبدالله بن سلام رضى الله عنه عليا وهو بالربذة فأخذ بعنان فرسه. وقال: يا أمير المؤمنين، لا تخرج منها فوالله لئن خرجت منها لا يعود إليها سلطان المسلمين أبدا، فسبه بعض الناس.
فقال علي: دعوه فنعم الرجل من أصحاب النبي ﷺ، وجاء الحسن بن علي إلى أبيه في الطريق. فقال: لقد نهيتك فعصيتني تقتل غدا بمضيعة لا ناصر لك.
فقال له علي: إنك لا تزال تحن على حنين الجارية، وما الذي نهيتني عنه فعصيتك؟ فقال: ألم آمرك قبل مقتل عثمان أن تخرج منها لئلا يقتل وأنت بها، فيقول قائل: أو يتحدث متحدث، ألم آمرك ألا تبايع الناس بعد قتل عثمان حتى يبعث إليك أهل كل مصر ببيعتهم؟ وأمرتك حين خرجت هذه المرأة وهذان الرجلان أن تجلس في بيتك حتى يصطلحوا فعصيتني في ذلك كله؟.
فقال له علي: أما قولك أن أخرج قبل مقتل عثمان، فلقد أحيط بنا كما أحيط به، وأما مبايعتي قبل مجيء بيعة الأمصار، فكرهت أن يضيع هذا الأمر، وأما أن أجلس وقد ذهب هؤلاء إلى ما ذهبوا إليه، فتريد مني أن أكون كالضبع التي يحاط بها، ويقال: ليست هاهنا حتى يشق عرقوبها فتخرج، فإذا لم أنظر فيما يلزمني في هذا الأمر ويعنيني، فمن ينظر فيه؟ فكف عني يا بني.
ولما انتهى إليه خبر ما صنع القوم بالبصرة من الأمر الذي قدمنا، كتب إلى أهل الكوفة مع محمد بن أبي بكر، ومحمد بن جعفر: إني قد اخترتكم على الأمصار، فرغبت إليكم وفزغت لما حدث، فكونوا لدين الله أعوانا وأنصارا، وأيدونا وانهضوا إلينا، فالإصلاح نريد لتعود هذه الأمة إخوانا.