رامز رحلات
السبت، 02 مايو 2020 01:56 م
هل تذكر البنت ميرفت؟.. لم تكن أجمل بنات الدفعة لكنها كانت قادرة على إشعال النار فى جبل ثلج، نعم هى ميرفت التى كانت ترقص فى أتوبيس الرحلات.
هل تذكر الولد مينا؟.. مينا الذى لم يكن يذهب إلى الكنيسة إلا فى عيد القيامة، لكنه كان قادرًا على إقناع «أبونا» بمنحه تمويلا سخيا لأى نشاط يحدده مينا.
هل تذكر الولد أشرف؟، لم يكن صاحب وسامة ملفتة، لكنه كان يستطيع مواجهة الجموع بغناء أغنيات، تبدأ من سى عبده الحامولى، وتنتهى بسى عمرو دياب.
إنهم رفاق رحلات الجامعة، كانوا نجومها الزاهرة، ورحلة ليس بها ميرفت ومينا وأشرف لا يعول عليها.
لهؤلاء ينتمى رامز جلال، ومن معاطف هؤلاء خرج، شاب منبت، لا أرضًا قطع ولا ظهرًا أبقى، نبت فى الفراغ وإلى الفراغ سيمضى، لديه قدرات ميرفت ومينا وأشرف على مواجهة الجموع بما يريده هو، وهو لا يريد سوى لمعان ضوء اللحظة، ما قبل اللحظة عنده عدم وما بعدها عنده عدم، إنه ابن ساعته، بل ابن ثانيته، ثم فليذهب ما عدا لحظته إلى أى جحيم يشاء.
رامى الذى كميرفت ومينا وأشرف، كان من المفترض أن يكون ممثلُا كوميديًا، ولكن الكوميديا يا صاحبى فلسفة طويلة عريضة عميقة تحتاج لأن يكون صاحبها من أصحاب البصيرة المضيئة، تلك البصيرة التى تخترق القش وتذهب إلى اللب، بضحكة أو بكلمة أو حتى بإيماءة.
لم يقدم رامز الكوميديا التى قدمها الريحانى وإسماعيل يس وشكوكو وصبحى ودريد لحام وعادل إمام وسعيد صالح.
هل جرب التراجيديا؟.
التراجيديا أيضًا فلسفة، لا يستطيع السباحة فى بحورها إلا أمثال أحمد زكى وزكى رستم وصلاح منصور ومحمود مرسى.
ما علاقة رامى بهؤلاء أو أولئك؟.
لا شىء سوى أنه مثلهم يقف أمام جهاز يدعى الكاميرا، والكاميرا مأمورة بعين المصور، وتوجيهات المخرج ومال المنتج، صورى يا كاميرا فلانًا فتصور فلانًا، اجعليه يطير فى الهواء، فتجعله يطير حتى يعانق السحاب، الكاميرا عبد المأمور لا تستطيع إلا تنفيذ أمر صدر إليها، ليس للكاميرا حق الاحتجاج أو التظاهر أو الإضراب السلمى عن العمل.
ومع الكاميرا هناك مكسبات اللون والطعم والرائحة، هناك خلق من البلاستيك الأعمى الأصم، والشائع أننا شعب تهضم معدته الزلط، فكيف لا تهضم كائنًا حيًا كان يدعى رامز جلال، فأصبح يدعى وعن حق رامز رحلات؟.
الفنانون الذين يعانون عبء الفن يشغلهم سؤال التاريخ، إنه سؤال جارح ينغص عليهم معيشتهم، ترى الواحد من هؤلاء مرهقًا متعبًا، ويظل على تلك الحالة من الإرهاق والتعب، ولا يعرف الراحة إلا عندما يطمئن إلى أنه أحرز فى مرمى التاريخ هدفًا مسجلًا باسمه، فإذا رحل، كما سنرحل جميعًا بقى هدفه ليقول: من هنا مر فلان.
رامز ليس مشغولًا لا بالتاريخ ولا بالجغرافيا ولا حتى بكتاب الدين، الرجل ممثل أو هكذا يقول، ويجب أن يعمل وقد جرب الأفلام والمسرحيات والمسلسلات فلم ينجح ولو فى خدش ذاكرة المشاهد، فما بالك بالحفر عليها، ثم جاء الحل الأسطورى الذى يضمن له المال الوفير والوجود الحى لشهر كامل، فراح يصنع برامج المقالب المتفق عليها وسابقة التجهيز التى لا دهشة بها ولا ابتكار ولا خفة ظل ولا أى شىء غير اللاشىء الكبير، غير السراب الكونى الذى يملأ الأفق «يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّىٰ إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا».
صدقنى لن تجد عند نجم الرحلات شيئًا غير ومضة اللحظة، ثم سيسقط فى جب النسيان، مثله مثل صاحبته ميرفت التى ترهلت وأصبحت من ذوات وزن الفيل ولم يعد يشغلها شىء إلا البحث عن أسهل طرق صنع المحشى.
قد يهولون عليك بأنه النجم الأكثر مشاهدة، يا رجل عيب عليك أن تسلم رأسك لهؤلاء الهاتفين لكل دافع، أى جهة محايدة نزيهة أكدت أنه الأكثر مشاهدة؟.
لن تجد جهة أو مؤسسة أو حتى مركزا بحثيا صغيرا يتبنى هذه المقولة الباطلة، ثم يا أخى فلنفرض أنه الأعلى مشاهدة، إن أصغر واحد من الحواة يستطيع سحر عيون الناس، ولكن بعد قليل سينفض عنه الجميع ساخرين.
إنك إن أخذت نجم الرحلة على محمل الجد تعبت ولكى تعرف الراحة فلا تشاهده، وبهذه المقاطعة سيرتاح كل العرب من حمل كل الصابون.