الغرب يرفض مساعدة روسيا له ضد كورونا
الثلاثاء، 07 أبريل 2020 10:15 م
هبت روسيا لمساعدة الدول التي يجتاحها وباء فيروس "كورونا" وانطلقت إدارة الخدمات الطبية في وزارة الدفاع الروسية بطائراتها الحربية محملة بفرق أطباء من ضباط الجيش الروسي، وعشرات الأطنان من المساعدات الطبية إلى عدة دول، على رأسها إيطاليا والولايات المتحدة وصربيا وغيرها، وأثار استخدام روسيا لطائرات الشحن والنقل العسكرية تساؤلات وجدلاً واسعاً، خاصة في بعض الأوساط السياسية من اليمين المحافظ في أوروبا الرافض للتقارب مع موسكو، وكذلك من الديمقراطيين في واشنطن.
وكان رد موسكو على ذلك، كما قال رئيس أكاديمية المسائل الجيوسياسية، الفريق أول ليونيد إيفاشوف، أن "الجيش الروسي لديه بُنيةٌ حافظت على تجربة الرعاية الصحية السوفيتية الفعالة وتقاليدها، أكثر من أي مكان آخر، على الرغم من جميع عمليات إعادة التنظيم، هناك تشكيلات منسقة بشكل جيد ومجهزة تجهيزا جيدا للدفاع ضد الإشعاع والأسلحة الكيميائية والبيولوجية، وهناك طب عسكري متقدم وفعال، تدعمه قاعدة علمية صلبة، وهناك احتياطيات تعبئة للطوارئ الصحية تكاد تفتقر إليها البلدان الأوروبية بسبب انتفاء الحاجة اليومية إليها".
ورغم فداحة أزمة وباء كورونا وتداعياتها المأساوية على معظم دول العالم، ورغم انشغال الحكومات والأنظمة في هذه الأزمة بشكل كبير، ورغم أن الوباء يهدد شعوب العالم كله، وعلى رأسها الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة والصين وروسيا ودول أوروبا الكبيرة، إلا أن هناك جهات تشغلها الصراعات السياسية أكثر من المأساة الإنسانية ومن التهديدات المحيطة بها من الوباء، وتعد روسيا أكثر الدول التي تعاني من تسييس أزمة كورونا، خاصة وأنها من أكثر الدول التي تقدم مساعدات للدول الأخرى في الأزمة، وتأتي مساعدات روسيا لإيطاليا لتحظى بأكبر حملة من التسييس الذي وصل إلى حد رفض بعض وسائل الإعلام الإيطالية مساعدات روسيا للحكومة وللشعب الإيطالي في مكافحة كورونا، بحجة أن روسيا تسعى لخدمة أغراضها السياسية من وراء هذه المساعدات.
وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد أجرى اتصالا برئيس الوزراء الإيطالي جوزيبي كونتي، بحثا خلاله مواجهة وباء كورون، وقالت الرئاسة الروسية في بيان، إن بوتين أكد لكونتي استعداد روسيا تقديم مساعدات عاجلة لإيطاليا في مواجهة الوباء، وأن موسكو تخطط لتزويد روما بالمستلزمات الوقائية، والمعدات الطبية، والتجهيزات الخاصة بالتعقيم، إضافة إلى إرسال فرق من الأخصائيين الطبيين لتقديم المساعدات العملية للسلطات الإيطالية في المناطق الأكثر تضررا من انتشار الفيروس. وأورد الكرملين أن هذه الإمدادات ستنفذ من خلال وزارة الطوارئ الروسية، بمشاركة طائرات تابعة للقوات الجوفضائية الروسية.
وأعرب رئيس الوزراء الإيطالي كونتي عن امتنانه العميق على "الخطوات التي تتخذها روسيا لدعم إيطاليا في هذه الفترة الصعبة التي تمر بها"، وانطلقت المساعدات الروسية لإيطاليا بالفعل، حيث أقيم في مدينة بيرجامو الإيطالية، مركز إيطالي روسي مشترك لمكافحة فيروس كورونا، لكن الحملة الإعلامية من اليمين المحافظ المناهض لروسيا في إيطاليا انطلقت مع بدء العمل المشترك بين البلدين في مكافحة وباء كورونا، وادعت الحملة أن روسيا تسعى لتحقيق أغراض خاصة، على رأسها رفع العقوبات المفروضة عليها من واشنطن والاتحاد الأوروبي، وردت الخارجية الروسية على هذه الحملة تقول: " تؤكد موسكو أنها لا تسعى لرفع العقوبات المفروضة من قبل إيطاليا في مقابل المساعدات لها، وأن الحملة الروسية إنسانية بحتة وبعيدة عن السياسة".
ولم تقتصر المساعدات الروسية للخارج على إيطاليا فقط بل ذهبت للولايات المتحدة الأمريكية، حيث هبطت طائرة عسكرية روسية "آن-124"، تحمل مساعدات إنسانية لمكافحة كورونا في مطار كينيدي الدولي بنيويورك، في الوقت الذي يشهد القطاع الصحي في الولايات المتحدة نقصا في المعدات الطبية، بما في ذلك معدات الحماية.
وتعتبر هذه الخطوة تاريخية، إذ أنه منذ سنوات طويلة لم تحط أي طائرة تابعة للقوات الفضائية الجوية الروسية على الأراضي الأمريكية، وقال الناطق باسم الكرملين دميتري بيسكوف، أن التحضيرات لإرسال الطائرة جرت وتم بحثها خلال المكالمة الهاتفية الأخيرة بين الرئيسين فلاديمير بوتين، ودونالد ترامب، وأضاف أن "الجانب الروسي عرض المساعدة على خلفية الوضع الصعب في أمريكا بسبب انتشار الوباء"، وأشار إلى أن ترامب وافق على قبول هذه المساعدات، وأعرب عن امتنانه لروسيا.
وخلال تنسيق الخطوات لتنفيذ اتفاق الرئيسين بوتين وترامب، تكوّن الانطباع بأن بعض المسؤولين من الجانب الأمريكي لم يساعدوا في حل المسائل الفنية بسرعة، خاصة من أنصار الحزب الديمقراطي الذين عبروا عن عدم رضائهم عن قرار ترامب قبول مساعدات من روسيا، واعتبروا هذا أسلوباً لإدخال روسيا في صناعة القرار الأميركي ويساعد على تدخلاتها في الانتخابات الأميركية، كما اعتبروا أيضاً أن روسيا تعطي مبررات لترامب لكي يرفع عنها العقوبات.
هذا في الوقت الذي رحب كثيرون في الولايات المتحدة بالمساعدات الروسية منتقدين سياسة وموقف الديمقراطيين من موسكو.
وانطلقت مساعدات روسيا لدول أخرى منها صربيا، حيث أعلنت وزارة الدفاع الروسية أن "أول طائرة من طراز إيل-76 (طائرة نقل عسكرية روسية) على متنها متخصصون طبيون عسكريون روس ومعدات طبية حلقت من مطار تشكالوفسكي العسكري في روسيا إلى جمهورية صربيا للمساعدة في مكافحة انتشار عدوى فيروس كورونا".
كما قدمت روسيا المساعدات إلى فنزويلا التي تفرض عليها واشنطن والدول المجاورة لها حظراً وعقوبات من قبل ومازالت مستمرة في وقت الوباء، كما رفض صندوق النقد الدولي طلب رئيس فنزويلا مادورو منح بلاده قرضا بـ5 مليارات دولار لمكافحة وباء كورونا، لكن هذا لم يحول دون مساعدة روسيا لها، حيث أعلنت وزارة الخارجية الفنزويلية، تسلمها 10 آلاف جهاز من روسيا للكشف عن الإصابة بفيروس كورونا وقال وزير الخارجية الفنزويلي، خورخي أرياسا، في مؤتمر صحفي: "تسلمنا أول دفعة من روسيا الاتحادية، ما يتيح لفنزويلا إمكانيات أكثر للكشف عن حالات الإصابة بفيروس (كورونا)، والحديث يدور عن 10 آلاف جهاز ومعدات في هذا الغرض".
وكانت الصين أولى الدول التي تلقت مساعدات من روسيا مع بداية أزمة وباء كورونا فيها في أوائل فبراير، حيث أرسلت وزارة الطوارئ الروسية، طائرة محملة بمساعدات إنسانية إلى الصين، وتضم الشحنة التي تحملها أدوية ومعدات وقاية شخصية، وهناك العديد من الدول تلقت مساعدات من روسيا لمكافحة الوباء، ومنها إيران ومنغوليا وكوريا الشمالية، ودول عربية مثل سوريا والجزائر.
هذه المساعدات الروسية للدول في هذه المحنة العصيبة على العالم، تواجه بحملة تسييس وانتقادات من جهات غربية ترى أن روسيا تسعى لأهداف خاصة على رأسها تثبيت وضعها العالمي ورفع العقوبات عنها واستعراض قوتها ونفوذها، ولم تسمح الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وبريطانيا وأوكرانيا وجورجيا للجمعية العامة للأمم المتحدة باعتماد مشروع قرار روسي يدعو إلى رفع العقوبات الأحادية التي تمنع الدول من مواجهة فيروس كورونا المستجد. وكانت روسيا قد اقترحت الشهر الماضي على الجمعية العامة اعتماد إعلان حول التضامن في مكافحة "كوفيد-19". ودعت روسيا الدول إلى تقديم المساعدة للدول الأكثر تضرراً، وخاصة الدول النامية، والتخلي عن الحروب التجارية والتخلي عن تطبيق عقوبات أحادية الجانب التي تتجاوز مجلس الأمن الدولي.
وقد ردت الخارجية الروسية على هذه الحملات، حيث قالت وزارة الخارجية الروسية، السبت 4 أبريل، "إن موسكو تعتبر من المشين حقيقة أن عددا من الدول لا تريد التخلي عن سياسة العقوبات في ظروف الجائحة، وأن تسييس المناقشات حول فيروس كورونا سيؤثر سلباً على الجهود العالمية لاحتواء المرض".
وجاء في تعليق للخارجية الروسية: "لقد أعاقت الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا والاتحاد الأوروبي، و"انقادت" أوكرانيا وجورجيا، تبني هذه الوثيقة ذات المحتوى الإنساني المطلق. ونأسف لأنه حتى على خلفية التهديد العالمي بالوباء، لم يعتبروا أنه من الممكن التخلي عن النهوج المسيسة"، كما دعت وزارة الخارجية الروسية، الأمين العام للأمم المتحدة في الظروف الطارئة الحالية إلى "رفع صوته باستمرار لصالح إلغاء الإجراءات التمييزية".
وأضافت وزارة الخارجية الروسية: "نحن مقتنعون أنه في ظل الوضع الصحي والوبائي الصعب الحالي، فإن تسييس المناقشات حول العدوى الفيروسية سيؤثر سلبا على الجهود العالمية لاحتواء الوباء".
هكذا يتعامل البعض بالإنسانية ومبادئ التعاون بين البشرية، خاصة في الكوارث التي تهدد العالم كله، بينما البعض ممن يحاصرهم وباء كورونا في بيوتهم، مازالوا مصممين على نهجهم في العداء وأساليب الحرب الباردة ولا يفكرون حتى في مصالح شعوبهم.