سيناريو سوريا .. هل تكرره روسيا في ليبيا؟
الإثنين، 10 فبراير 2020 02:01 م
تطورات الأحداث في الأزمة الليبية تشير إلى أن الأمور معقدة والحلول السياسية بعيدة عن الواقعـ في ظل إصرار الأطراف المتصارعة هناك على إزالة كل منهم للأخر، بمعنى أن توقعات تصعيد القتال هي الأكثر احتمالاً، كما أن دخول تركيا على ساحة الصراع في ليبيا زاد من حدته، خاصة مع الاتهامات المتتالية من جهات عديدة، دولية وأوروبية وأمريكية لنظام الرئيس أردوغان بدعم حكومة فايز السراج، ليس فقط بالسلاح ولكن بفرق من المقاتلين المرتزقة.
وأدانت الأمم المتحدة في وقت سابق تدفق السلاح والمقاتلين الأجانب إلى ليبيا، غير أنها لم تعلق بشكل مباشر على تقارير واتهامات تفيد بأن تركيا ترسل مقاتلين مرتبطين بـ"داعش" و"القاعدة" للعمل كمرتزقة في ليبيا، كما ظهرت تقارير أمريكية نشرتها وكالة "أسوشيتد بريس" تفيد بأن تركيا ترسل حاليا مقاتلين سوريين تابعين لجماعات مسلحة مثل تنظيمي "القاعدة" و"داعش" للقتال نيابة عن حكومة الوفاق الليبية، ورغم أن تصريحات أردوغان تنفي ذلك، لكنها لا تنفي دعمه لحكومة السراج وعدائه وكراهيته للمشير خليفة.
تطور الأحداث يثير الجدل حول الدور الروسي في ليبيا، حيث تحاول روسيا أن تبدو محايدة تجاه اطراف الصراع في ليبيا، ولهذا دعت الأطراف لجلسة حوار في موسكو أواخر يناير الماضي، أسفرت عن اتفاق بوقف تصعيد القتال، وكانت تركيا ضمن المدعوين من قبل موسكو لجلسة الحوار، ورغم أن تطورات الأزمة الليبية منذ البداية تكشف عن تأييد سياسي من روسيا للمشير خليفة حفتر، وإن كانت موسكو لا تصرح بذلك، بينما تأييد تركيا لحكومة السراج وعدائها لخليفة حفتر واضح وعلنى، والسؤال هنا يدور حول تناقض مواقف موسكو المرتبطة بعلاقات قوية مع نظام الرئيس التركي أردوغان، وهناك تنسيق واضح بينهما في سوريا، فكيف تسمح موسكو لأردوغان بتقديم الدعم لحكومة السراج، وإرساله لفرق ميليشيا مجهولة الهوية إلى ليبيا للحرب ضد الجيش الوطني الذي يقوده خليفة حفتر؟!.
هذا السؤال يثير الجدل حول السؤال الرئيسي، وهو، ماذا تريد روسيا في ليبيا؟، وللإجابة على هذا السؤل يجب توضيح بعض الأمور.
بعد التجربة الروسية في سوريا باتت روسيا هي الأمل لدى الكثيرين في مكافحة الإرهاب، بعد أن أثبتت قدراتها وكفاءتها في سوريا، ليس فقط في مكافحة التنظيمات الإرهابية مثل داعش والنصرة وغيرهما، لكن أيضاً في قدرتها على مواجهة الضغوط الدولية والإقليمية سواء من الغرب وواشنطن أو من القوى الإقليمية مثل تركيا وقطر وغيرهما، بحيث باتت روسيا هي اللاعب الرئيسي على الساحة السورية.
الآن هناك ساحة أخرى مشتعلة وقابلة للاشتعال أكثر، وهي ليبيا، حيث الجماعات الإرهابية منتشرة في مناطق عديدة من الدولة، وكذلك هناك الصراعات الدولية المستمرة والمتداخلة في ليبيا، خاصة من الأوروبيين وعلى رأسهم إيطاليا وفرنسا، ورغم عدم وجود أي دور ملحوظ لروسيا على الساحة الليبية، إلا أن روسيا مرشحة لدخول هذه الساحة وبقوة، خاصة وأن الجهات الأقوى عسكريا في ليبيا على علاقات وطيدة مع موسكو، كما أن الجيش الوطني الليبي معظم تسليحه روسي سوفييتي.
وأعلن المتحدث باسم الجيش الوطني الليبي أحمد المسماري أن حل الأزمة في ليبيا يتطلب تدخل روسيا ورئيسها فلاديمير بوتين شخصيا، وقال المسماري أن "الأزمة الليبية بحاجة إلى تدخل من قبل روسيا والرئيس بوتين شخصيا، وإبعاد لاعبين أجانب عن الساحة الليبية، كتركيا وقطر وتحديدا إيطاليا" وطالب المسماري الدبلوماسية الروسية أن تلعب دورا مهما في هذا الشأن"، لافتاً إلى أن "ليبيا تحتاج لروسيا أكثر فأكثر في مجال مكافحة الإرهاب، لاسيما وأننا نعلم أن روسيا تعتبر من أكثر البلدان فاعلية في مواجهة الإرهاب، وسوريا خير دليل على ذلك".
ويقيم المشير خليفة حفتر اتصالات وثيقة مع موسكو، وزار العاصمة الروسية أكثر من مرة في السنوات الأخيرة، حيث عقد لقاءات مع مسؤولين في وزارتي الخارجية والدفاع الروسيتين، ومجلس الأمن الروسي.
وفي أخر مباحثات أجريت في موسكو بين قائد الجيش الوطني الليبي المشير خليفة حفتر ووزير خارجية روسيا سيرجي لافروف قال حفتر: "نحن لم نتحدث عن دور معين لروسيا في التسوية، ولكننا سنكون سعداء إذا ما ساعدتنا"، مشيراً إلى إن روسيا دعمت رغبة المشير في ضمان الاتفاق مع رئيس حكومة الوفاق الوطني فايز السراج، وكما كان متوقعا، طلب حفتر من القيادة الروسية المساعدة في الحصول على الأسلحة للجيش الوطني الليبي بالطبع، وصرح بأن "روسيا صديقتنا، وآمل أنها لن ترفض".
ومن الواضح أن تزويد حفتر بالسلاح لن يكون عملية سهلة، حيث إن موسكو لن تنتهك قرار مجلس الأمن الدولي المتعلق بذلك، وهو بحاجة إلى شريك قوي قادر على دعمه، خاصة أن علاقات جيدة تكونت بينه وبين وروسيا، وبالنسبة للدور التركي في ليبيا، فيبدو أنه لا يزعج روسيا كثيرا، وأنه إلى حد ما يسير تحت رقابة روسية، أما صمت موسكو عنه وعدم انتقادها لأردوغان، فلأن روسيا مستفيدة من الموقف التركي الذي صعد الغضب الأوروبي ضد تركيا، وأفقد حكومة السراج دعما سياسياً أوروبياً كبيراً، خاصة بعد تهديدات أردوغان للأوروبيين بتوجيه فلول اللاجئين السوريين نحو أراضيهم، وبعد أن أكد الكثيرون أن أردوغان يرسل ميليشيات عسكرية إلى ليبيا، لكن عدم انفعال موسكو إزاء هذا، يوحي وكأنها تعلم جيداً حدود انفعالات أردوغان وفحواها، وأن أردوغان في صراعه مع الأوروبيين ومع واشنطن أيضاً، لن يقبل على ما يغضب روسيا، وذلك مع تصاعد الحديث حول نفوذ الرئيس الروسي على الرئيس التركي أردوغان وتحكمه، وربما توجيهه له وفق أهداف روسيا، وهو ما تثيره المعارضة التركية ضد أردوغان، وما يتهم به الغرب وواشنطن لأردوغان من خضوعه لبوتين وانصياعه له، خاصة بعد استلام أنقرة منظومة الدفاع الروسية (إس 400) رغم اعتراض واشنطن والغرب عليها بشدة.
من مصلحة موسكو الآن تعزيز مواقعها في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وسوف ترتكب خطأ فادحا إذا لم تسعَ إلى تطوير نجاحاتها السياسية والعسكرية والمعنوية التي حققتها في سوريا، وخاصة أن الظروف السياسية الداخلية والخارجية في ليبيا تسمح بذلك.
وموسكو، من جانبها، لا تزال تنتهج مبدأ الوقوف على نفس المسافة من المتنافسين السياسيين، وتسعى في نفس الوقت لإزاحة أقدام الأوروبيين من أراضي ليبيا بعد أن نهبوا ثرواتها وخربوها وحولوها إلى بؤرة للإرهاب، وترى موسكو أنه طالما بقت ليبيا على أوضاعها الحالية فإن المنطقة برمتها لن تهدأ وسيظل الإرهاب يرتع فيها، ولهذا فإن هناك مؤشرات تعكس اهتماما متزايدا من روسيا تجاه ليبيا، خاصة تجاه القائد العسكري الليبي البارز ذو الكاريزما الشعبية المشير خليفة حفتر قائد الجيش الوطني الليبي، ويثير هذا الاهتمام جدلاً واسعاً وأيضاً قلقاً لدى دوائر غربية تخشى من سعي روسيا لاستغلال أوضاع ليبيا لفرض نفوذها هناك، وهو ما عبر عنه وزير الدفاع البريطاني السابق مايكل فيلون مؤخراً بقوله "علينا أن نحترس لأن الدب الروسي بدأ يحشر أنيابه في ليبيا".
وذكر مايكل فيلون أن قائد الجيش الليبي خليفة حفتر قام بزيارة إلى روسيا، كما زار حفتر حاملة الطائرات الروسية "كوزنيتسوف"، وتوجه رئيس المجلس الرئاسي فايز السراج أيضا إلى موسكو في زيارة، وعبر مسؤولو البنتاجون ومجلس الشيوخ الأمريكي خلال اجتماعهم عن قلقهم من "تنامي النفوذ الروسي" في الشرق الأوسط وإفريقيا الشمالية.
عاجلا أم آجلا ستضطر موسكو إلى الاختيار، فإذا كان الحديث ممكنا في السابق عن الموقف الموحد للاتحاد الأوروبي لمصلحة فايز السراج وتجاهل المشير حفتر، فإن الكثير قد تغير حاليا، فضلاً عن أن النجاحات العسكرية والسياسية التي حققها المشير توسع شعبيته وازدياد أنصاره خلال السنة الأخيرة كان نتيجة لعدم تحقيق حكومة الوفاق الوطني، صنيعة الدول الغربية والأمم المتحدة، أي نجاحات، وعدم ثقة الليبيين بها، وهذه المسألة جعلت أوروبا تفكر بإمكان تغيير اتجاه سياستها الخارجية والتوجه للتحالف مع حفتر.
لذلك، فإن الخطر المحدق بروسيا يكمن في أنه عند ظهور "أصدقاء" جدد لحفتر، سيحاولون إزاحة موسكو من الساحة الليبية رغم امتلاكها هناك مصالح شرعية، تضررت بسبب سلوك الفرنسيين والإنجليز والأمريكيين، الذين دمروا ليبيا وقسموها إلى أجزاء. لذلك، يرى الروس أنه آن الأوان للتفكير جيدا: هل ستصبح روسيا في ظل هذا التطور للأوضاع ضحية حذرها ودقتها وانتظارها حسم الأمور من غيرها، أم ستتحرك وتتفاعل بجدية مع الأحداث وتسعى للدخول الفعلي في الساحة الليبية مثلما فعلت في سوريا؟
الكثيرون يرون أن روسيا تستطيع الدخول في ليبيا بسهولة أكثر من دخولها لسوريا، خاصة وأن دخولها لسوريا كان ومازال تحدياً لأمريكا، أما تدخلها في ليبيا فسيواجه بالأوربيين الذين هم منقسمين ومختلفين ومتصارعين فيما بينهما هناك في ليبيا.