صوت الأمة العدد 1000.. الفرحة وذكرياتها ومشاكلها
السبت، 22 فبراير 2020 03:05 م
هل توجد ثمة مشكلة فى أعداد الجرائد التذكارية الخاصة بمناسبة عزيزة عليها؟
للحق ـ وهذه وجهة نظرى الخاصة ـ فإن الإجابة هى نعم الحاسمة.
صدور ألف عدد من جريدة، مناسبة جديرة بالاحتفال دون أى شك، ولكن تظهر المشكلة عندما تتأمل حال الجريدة، إنها يا صاحبى تبدو يومها مثل عروس ليلة زفافها، ولا أظن أبدا أنه من اللياقة فى شىء انتقاد العروس ولو بأدنى درجات النقد، بل اللياقة تحتم العكس، فيجب أن نمدح جميعا جمالها وأناقتها وخفة الفراشة التى تتحلى بها كل عروس ورشاقة الغزال، التى تجعل قدميها تكاد لا تلمس الأرض.
أرى ابتسامة الشك ترتسم على شفتيك، وكأنك تقول: ومن سيشهد للعروس سوى أمها، أو من سيشهد لصوت الأمة سوى مدير تحريرها.
حسنٌ، إذا كنت تشك فى نيتى فهيا شاركنى فرحتى البعيدة عن زفاف العدد الألفى من صوت الأمة لقرائها.
القصة يا صاحبى أن هذه هى المرة الأولى وظنى أنها ستكون الأخيرة التى يشهد فيها مشوارى الصحفى حدثا بهذه الأهمية والخصوصية، فأنا أبعد الله عنك كل شر، من الذين يقول له أصحابه «علّق خرزة زرقاء على باب الجريدة، فأنت لا تعش لك جرائد».
كثيرة جدا هى تلك الجرائد التى عملت بها بل وشاركت فى تأسيسها، ولكن لأسباب كثيرة لا مجال للخوض فيها، كان غراب البين يأتى بجناحيه الأسودين المخيفين ويخطف أحدنا من الآخر، إما أن يخطفنى فأجدنى فى جريدة جديدة، أو يخطف الجريدة ذاتها فتلحق برتل طويل من جرائد كانت ثم سقطت فى جب النسيان، عشت حالة من الفقد، الأصدقاء يحسدوننى عليه، فهم يرون فيّ شخصية إبراهيم الطاير بطل المسلسل الشهير، بينما أنا كنت أبحث عن الاستقرار والرسوخ فى مكان ما، مكان يلبى الشروط فوق الدستورية التى أحتمى بها وتبرر لى الرغبة فى مواصلة الحياة والمعيشة، شروط لطيفة جدا ولكنها صعبة وطريقها فى غاية الوعورة، شرط أن يكون المكان لطيفًا، شرط أن يكون خاليا من النكد الدسم، ثمة نكد لا يمكن تجنبه، ولكن النكد الدسم يحيل حياتك إلى قطعة من الجحيم.
وما بين الطيران الذى أنا محسود عليه، وما بين الرغبة الدفينة فى وجود كهف يأوى الإنسان إليه، مضى معظم مشوارى الصحفى، فأنا وقد تجاوزت الخمسين لا أظننى سأعمل فى جريدة ثانية تحتفل بعددها الألفى.
«صوت الأمة» وفرت لطائر مثلى الهدوء الذى ينشده، وتلك الأجواء الخالية من دسامة النكد، فكل مشكلة ولها حل، والحل يبدأ وينتهى بالاعتصام بالصبر، ثم بالدفع بما هى أحسن، أكان لا بد من رحلة شاقة طويلة حتى أصل إلى بر صوت الأمة؟
الآن أقول: نعم، ليس من باب «مشيناها خطىَ كتبت علينا ومن كتبت عليه خطيً مشاها»، ولكن من باب زيادة الرصيد فى بنك الألم الإنسانى، وتأمل رحلة شهدت ما شهدته من أحداث بعضها يحلق كملائكة الرحمة فوق السحاب الطاهر المطهر، وبعضها يقود إلى قعر جحيم البذاءة والترخص.
لكل أساتذتى وأصدقائى من مؤسسى صوت الأمة، أقول: لقد تحملتم عبء التأسيس ومشقة الانطلاق، فبوركتم.
وإلى القادمين لـ«صوت الأمة» أقول: خذوا الراية مرفوعة وسلموها لمن سيأتون بعدكم بحب وعطاء أنتم أهل له.