«التغيرات المناخية» خطر يهدد الزراعة المصرية.. كيف نستعد له؟

الأحد، 09 فبراير 2020 01:00 م
«التغيرات المناخية» خطر  يهدد الزراعة المصرية.. كيف نستعد له؟
التغيرات المناخية خطر قادم على الحاصلات الزراعية
كتب ــ محمد أبو النور

تُعدّ التغيرات المناخية، التي تسود العالم حالياً من أخطر التحديات التي يواجهها سكان الكرة الأرضية منذ مئات السنين حيث ستترك هذه التغيرات في المناخ أثرها السلبى بل والكارثى على البحار والأنهار والرقعة الخضراء والنباتات والحاصلات الزراعية، وهو ما يهدد في مجمله الأمن الغذائي العالمى قبل تهديده للسكان والمنشآت العمرانية والشواطىء ومن يعيشون ويقطنون بالقرب منها.

وقد استجابت مصر، لنداءات وتحذيرات الباحثين والخبراء في هذا المجال كما أخذت البحوث والدراسات في هذا المجال مأخذ الجدّ واستعدت بكل ما تستطيع لمواجهة هذه الأخطار.

السيد القصير وزير الزراعة واستصلاح الأراضي
السيد القصير وزير الزراعة واستصلاح الأراضي

 

الحرائق وذوبان الجليد وغرق الشواطئ

بعيداً عن الدراسات والمؤتمرات والمناقشات، فقد شاهد العالم بعيونه المترقبة، خلال الشاشات كيف أن المناخ أخذ يضرب هنا وهناك ويقترب رويداً رويداً من مناطق الاعتدال المناخي التي كانت تمثل استقراراً مناخياً على مدار آلاف السنين، والأمثلة على ذلك كثيرة، ويصعب حصرها، ومنها الحرائق لغابات تاريخية، مثل الامازون وسيبريا وأستراليا، وذوبان للجليد التاريخي، فى مناطق كانت بعيدة تماماً عن مناطق النزاعات المناخية وكل هذه التغيرات سيكون لها تداعيات سلبية، على مناطق العالم الاقتصادية والمكتظة بالأنشطة البشرية، وبالطبع منها الزراعة واستصلاح الأراضى وإنتاجية المحاصيل.

وقد بدأت مصر تشهد آثار التغيرات المناخية المزعجة الآن حيث تقع مصر جغرافياً ومناخياً في غالبيتها تحت نطاق مناخ إقليم البحر المتوسط والذي كان على مدار آلاف السنين من أكثر مناخات أقاليم العالم وضوحاً واستقراراً، فهو ـ كما علمناً في مراحل تعليمنا الأولى ــ حار جاف صيفاً معتدل دافيء ممطر شتاءً، وهذه الخاصية المناخية، تعود إلى كتلتين هوائيتين مختلفتي الخصائص المناخية والمصدر في رسم صورته المناخية فالكتلة المدارية البحرية القارية هي المسئولة عن حرارة الصيف وجفافه في حين أن الكتلة القطبية البحرية تعود إليها أمطار واعتدال ودفء الشتاء .

زراعة البطاطس
زراعة البطاطس

 

استنزاف جهود التنمية فى مصر

وبعد هذه الدراسات والبحوث فإن تغير المناخ أصبح المستنزف الأكبر لجهود التنمية في مصر على المستوى الفردي والمؤسسي أو القومي كما يراه الدكتور محمد علي فهيم، الخبير الزراعي والأستاذ في المناخ بمركز البحوث الزراعية وقد أصبحت التغييرات المناخية واقعاً لا مهرب منه، كما أن المعاملات الزراعية، وسط هذا المناخ المتغير والعدائي للمملكة النباتية والحيوانية أيضاً، يجب أن تتغير وأن يتم وضع برامج وأساليب جديدة و توقيتات للعمليات الزراعية، تناسب الوضع الجديد والمتغير كما أن الاستخدام الجائر للمبيدات حالياً سببه زيادة معدلات توالد الحشرات عن المعدل الطبيعي عشرات الأضعاف وهو ما يعتبر إجهاداً كيماوياً مضافاً إلى الإجهاد الحراري وبالتالي كسر صفات التحمل في جميع أصناف النباتات سواء خضروات أو أشجار مثمرة فزيادة هطول الأمطار وزيادة الرطوبة الحرة والرطوبة الجوية ساعدت على انتشار الكثير من الأمراض الفطرية والبكتيرية.

ومن تلك الأمراض، الندوة المتأخرة فى البطاطس واللطعة الأرجوانية فى البصل والثوم والتبقعات والبياض الزغبي فى الخضر والنباتات الطبية العطرية وبعض اشجار الفاكهة في مناطق عدة من مصر كما أن زيادة التذبذبات فى الحرارة ما بين النهار والليل وما بين الأيام أدى إلى انتشار الكثير من الآفات الحشرية، مثل حشرات المن والتربس نواقل للأمراض الفيرسية الخطيرة، وكذلك ديدان الأوراق وديدان الثمار وغيرها وقد حدث ذلك بكثافة هذا العام، وخصوصاً حشرة المن على النباتات الطبية والعطرية والمن على البطاطس وتسببه في نقل فيرس التفاف الأوراق في مصر وسادت ظروف مناخية شديدة التقلب والتباين خلال نهاية الشتاء والربيع وبدايات هذا الصيف، وكانت فى معظمها مناسبة جداً لأسرع تطور فى دورات حياة الآفات والأمراض النباتية، والتى فاقت قدرة المواد الفعالة للمبيدات المتداولة، أو جرعاتها فى الحد منها، وظهور آفات جديدة، فى مناطق لم تكن موجودة بها،  وتحول قطاع كبير من الآفات والأمراض "الثانوية" إلى آفات وأمراض نباتية "رئيسية".

الإصابة بأمراض النباتات
الإصابة بأمراض النباتات

 

التغيرات المناخية وأثرها على قطاع الزراعة

 ويتابع الدكتور محمد علي فهيم، الخبير الزراعي، وأستاذ المناخ بمركز البحوث الزراعية، حديثه عن آثار التغيرات المناخية على الزراعة في مصر، فيؤكد أن الزراعة المصرية، تعتبر ذات حساسية خاصة للتغيرات المناخية، حيث تتواجد في بيئة قاحلة وهشة، وتعتمد أساساً على مياه نهر النيل، وتتأثر بالتغيرات المناخية المتوقعة، من خلال عدة عناصر، وهى:- سوف تؤدى الزيادة المتوقعة في درجات الحرارة وتغير نمطها الموسمي إلى نقص الإنتاجية الزراعية لبعض المحاصيل والحيوانات المزرعية، وكذلك إلى تغيرات في النطاقات الزراعية البيئية، حدوث تأثيرات سلبية على المناطق الزراعية الهامشية وزيادة معدلات التصحر، كما سوف يؤدى ارتفاع درجات الحرارة إلى زيادة البخر وزيادة استهلاك المياه، حدوث تأثيرات اجتماعية واقتصادية كهجرة العمالة من المناطق الهامشية والساحلية، الارتفاع المحتمل لمستوى سطح البحر وأثره السلبي على الأراضي الزراعية بالدلتا.

آفات زراعية
آفات زراعية

ويتابع الخبير الزراعى حديثه قائلاً:التغيرات المناخية تحدث على مدى عشرات السنين، وتأخذ أشكالاً مختلفة في كل فترة زمنية، ومعناها طبعا حدوث تقلبات جوية على مدى السنوات، تؤدي بدورها إلى تغيرات في المناخ على المدى الطويل، والآن صار الشتاء يتقلص في مصر، ومن المتوقع أن يصبح شهراً واحداً على مدار العام، ففي عام 2017 شهدت المنطقة دفئاً شديداً، واستمر ذلك في عام 2018، وبدأ الشتاء مع منتصف ديسمبر، ويكاد أن يكون انتهى، تخللته موجات حرارة عالية، وهذا التشوه في المنظومة المناخية، في المنطقة، يحتاج لمزيد من الدراسات والاستعداد والجاهزية، خاصة وأن أكثر المناطق تأثراً بتلك التغيرات، هي الواقعة في مناطق جغرافية صعبة، مثل الصحراء الغربية وغرب آسيا، بما في ذلك مصر طبعاً، ثم حدث العكس فى موسم شتاء 2019، والذي بدى طويلاً بارداً متقلباً ثم دخل صيف 2019، هذا العام بدون "تفاهم" كما رأينا.

رش المبيدات الزراعية
رش المبيدات الزراعية

 

وما يحدث حالياً أن الزراعات القائمة فعلياً، سواء نباتات طبية وعطرية أو محاصيل حبوب أو خضروات، يبدأ النبات في النضج المبكر، خاصة لو أصبحت في النصف الثاني من عمرها، بمعنى أن المحصول الذي يبلغ عمره 120 يوماً، ينضج في موجة حرارة واحدة خلال 90 يوماً فقط، وهو نضج مبكر يجعل المحصول أكثر جفافاً، خاصة في القمح والشعير والأرز والذرة وحبوب النباتات الطبية والعطرية ودرنات البطاطس، وهو ما يقلل الإنتاجية بنسبة كبيرة لا محالة، خاصة لو كانت في النصف الثاني من عمر النبات، أما لو كانت في النصف الأول من عمرها، فسيحدث ضغط فسيولوجي على النبات، وبدون وجود نسبة رطوبة كافية، سيعجز النبات عن النمو، ويظل متقزماً حتى نهاية الموسم، ونتيجة لهذا أصبحت هناك مشكلة في إنتاجية البطاطس لدى الكثير من المزارعين.

ظهور الحشرات والأمراض النباتية

ويتابع الخبير في المناخ والزراعة، فيؤكد أن هناك العديد من التأثيرات الضارة، بخلاف ضعف الإنتاجية، أهمها ظهور الحشرات والأمراض النباتية الموجودة في البيئة المصرية، مثل "توتا أبسلوتا" في الطماطم، فهي حشرة اعتادت على طبيعة معينة، وحين ترتفع الحرارة، يحدث قصر لمدة الجيل، فيصبح طور حياتها 15 يوماً فقط، بدلا من 30 يوماً، ومعنى هذا أنه من الممكن حدوث هجوم كبير لحشرة المن على زراعات كثيرة، وازدياد تكاثر القواقع وسوسة النخيل، وهو بالفعل ما حدث هذا العام، حيث شهد نسبة كبيرة من الإصابات، أعلى من أي سنة أخرى، مثل ما حدث أيضا في هجوم الندوة المتأخرة على البطاطس.

وهنا يثور السؤال ..ماذا نفعل، ويجيب الخبير الزراعى، وزارة الزراعة مسئولة عن جزء كبير من الأمن الغذائي في مصر، ونحن نستورد نحو 35 مليون طن غذاء سنويا، أي أننا نستورد ما يعادل 32 مليار متر مكعب مياه من الخارج، ولو أن كل قطاع قام بواجبه تجاه الوطن لارتفعت إنتاجية المحاصيل على نحو كبير.

صوب زراعية لحماية النباتات
صوب زراعية لحماية النباتات

 

لذلك المؤسسات لها دور هام وحيوي جداً وهو ادارة منظومة تتبع التغيرات المناخية عن طريق أنظمة التنبؤ قبل حدوث الأزمة، والإعلان عنها، ونشرها لنشر الوعي بها، لأن المناخ لا دخل للمراكز البحثية أو الحكومات في تعديله بطبيعة الحال، وهذا يعني أننا يجب أن نتعامل مع الأزمة كما هي، لأننا لا نملك تغييرها.

دور مراكز التنبؤ هو إعداد التقارير وإجراء الدراسات تجاه التغيرات المناخية، ودور الإرشاد الزراعي النزول في الحقول، ودور الأجهزة الإعلامية في مصر أن تعمل من أجل صالح البلد أيضا.

ويجب ان تتدخل أجهزة الدولة ممثلة في المراكز والهيئات العلمية والبحثية في شتى المجالات وخصوصا النباتية وما يصاحبها من الآفات الزراعية، لإعادة النظر في سلوك السلالات المرضية والحشرية التي تغيرت تماما بفعل التغيرات المناخية الحالية، حيث أن المواد الفعالة المستخدمة في صناعة مبيدات الأمس، لم تعد مؤثرة على آفات اليوم، واشتداد وطأتها ومقاومتها للمواد الفعالة من المبيدات ما يدفع المزارع إلى الرش بمعدلات تتسبب في كارثة بيئية، سواء على الميكروفلورا الطبيعية، أو صحة الإنسان، بسبب زيادة متبقيات المبيدات في الثمار عن المعدلات المسموح بها عالمياً، بالإضافة إلى اضطلاع المراكز والهيئات العلمية والبحثية بمهامها الأصلية، في حسابات الاحتياجات المناخية اللازمة للنمو الأمثل للمحصول، وعمل خريطة مناخية متراكبة، مع خريطة التركيب المحصولي بشقيه الموسمي والجغرافي.

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق