حمدى عبد الرحيم يكتب: عندما تلعب تركيا بالبيضة والحجر
السبت، 25 يناير 2020 01:27 م
لا يعد النقاش حول أفكار الرؤساء ترفًا، هو فى ساعات يصعد إلى مرتبة الضرورة الحيوية التى لا يستقيم الأمر بتجاهلها. الترك أمة عريقة لا جدال فى ذلك، ولكن تلك الأمة واقعة الآن تحت وطأة تخبط أفكار رئيسها، فالدستور والتقاليد ومجمل المجال الثقافى، كل هذه تتحدث عن هوية علمانية تتحلى بها الأمة التركية، لكن الحقائق التى على الأرض تشير إلى متاهة عبثية يضع الرئيس التركى أمته بداخلها ، فالرئيس التركى المنتخب بمشروعية من دستور علمانى يباغتنا بأن يعتمر أمام الكاميرات عمامة الخليفة، ويتحدث فى مواقف خطيرة وبجدية تامة وأحلام الخلافة تداعب خياله.
قال الرئيس معتمر عمامة الخلافة أمام برلمان بلاده العلمانية: «لا أحد بإمكانه أن ينتظر منا إشاحة وجهنا عن إخوتنا الليبيين الذين طلبوا منا يد العون.. إن نصرة أحفاد أجدادنا فى شمال أفريقيا تأتى على رأس مهامنا، إن أبناء كور أوغلو (أتراك ليبيا) سواء عندنا مع تركمان سوريا والعراق وأتراك البلقان وأتراك الأهسكا فى القوقاز، نحن على وعى بمسئوليتنا التاريخية تجاه إخوتنا العرب والأمازيغ والطوارق فى ليبيا، هؤلاء وقفوا بجانبنا فى أحلك أيامنا بالتاريخ، وعلينا أن نكون بجانبهم، إن ليبيا كانت لعصور طويلة جزءًا مهمًا من الدولة العثمانية، لذلك لا يمكن لتركيا أن تقف مكتوفة الأيدى أمام ما يجرى هناك».
هل نحن بهذا الخطاب أمام رئيس صاحب أفكار علمانية أم أمام رجل يحلم بالخلافة الدينية؟
ثم يراكم أردوغان فى هذا الاتجاه، فتسرب أجهزته لصحيفة الصباح ما نصه: «إن الوثائق الأرشيفية التى أعلنت عنها وزارة الدفاع التركية، تثبت أن «كمال مصطفى» الذى وُلد عام 1882 وهو جد أردوغان، قد استشهد متجمدًا بفعل البرد الشديد، خلال معركة صارى قامش بين الدولة العثمانية وروسيا».
من عمامة الخلافة واستشهاد الجد، نرى أردوغان فجأة يخطب بمناسبة عيد الجمهورية قائلًا: «أسأل الله سبحانه وتعالى أن يتغمد بواسع رحمته كافة الجرحى، وفى مقدمتهم الغازى مصطفى كمال أتاتورك مؤسس الجمهورية والقائد المظفر فى حرب التحرير، لقد أعلن الشعب التركى فى 1923 بروحه ودمه للعالم أجمع أنه لن يرهن إرادته للغير، والروح التى حققت النصر فى حرب الاستقلال وبثت الحياة فى جسد الجمهورية، ما زالت شامخة، حالها اليوم كحالها قبل 94 عامًا».
طريقة «عين فى الجنة وعين فى النار»، أو طريقة «اللعب بالبيضة والحجر»، لا تقود الدول إلا إلى الهاوية، لأن تلك الطريقة تربك الشعب وتعيد طرح سؤال الهوية التى يجب أن تكون راسخة، بحيث لا تتبدل ولا يواجه بنيانها بهجوم مفاجئ من هذه الجهة أو تلك.
على طريق أردوغان المتخبط بين عمامة الخلافة وتحية أتاتورك، يسير وزير دفاعه خلوصى أكار، الذى صرح ـ بدون خجل أو تردد ـ تصريحًا عجيبًا جدًا، جاء فيه: «ليبيا هى جارتنا عبر البحر ومن غير المرجح أن نبقى على الحياد، بينما تتواجد هناك دول ليست جارة لليبيا مثل الإمارات العربية المتحدة ومصر والمملكة العربية السعودية».
ماذا هذا؟ هل لا يعرف وزير دفاع جغرافية مسرح عمليات يعتزم النزول بقواته عليه؟
هل قال أحد إن السعودية والإمارات جيران لليبيا؟
الرجل ينفى المنفى لكى ينفى المثبت، فمصر جارة لليبيا برًا وبحرًا، ولن نتحدث عن روابط غاية فى المتانة تربط بين الدولتين، نحن نتحدث عن الجغرافيا فقط.
هل الرجل جاد فعلًا ولا يعرف أن مصر جارة لليبيا، فتكون تلك مصيبة، أم هو يروج لوهم فتكون المصيبة أعظم وأخطر.
قد يكون الرجل يخاطب عامة الترك الذين قد لا يعرفون أين تقع ليبيا أصلًا، فيبيع لهم أوهام نصرة الإخوة الذين يستغيثون برئيسه أردوغان.
إن أفكار أردوغان ووزير دفاعه تؤكد أن بلدهما لم تبرح بعد مقعدها ضمن دول العالم الثالث، حيث يظن الجميع أن الحجر لن يكسر البيضة لكى تستمر الملهاة!