رئيس تركيا يقلد مشهد علاء ولى الدين.. «لف وارجع تاني»
السبت، 18 يناير 2020 01:00 ممحمود على
أيام قليلة تفصلنا بين تصريحات الرئيس التركى رجب طيب أردوغان المستفزة التى تشير إلى تحفزه لغزو ليبيا، وتراجعه الآن بشكل لافت، ومطالبته بوقف إطلاق النار فى ليبيا دون وضع شروط أمام الجيش الوطنى الليبى، الذى قاد معركة ضارية منذ أبريل الماضى، حقق فيها مكاسب عديدة ضد ميليشيات الوفاق التى تأتمر بأمر النظام التركى.
الكثير استغرب التراجع الأردوغانى من التهديد بتدفق السلاح وإرسال الجنود والمرتزقة للعاصمة الليبية لمحاربة الجيش الليبى الذى يقوده المشير خليفة حفتر إلى إعلانه من أنقرة تطلعه إلى مشاركة القائد العام للجيش الليبى فى المفاوضات رغم أنه وصفه فى السابق بأنه غير شرعى حسب زعمه.
التغير فى خطاب الرئيس التركى، أعاد للذاكرة مشهد النجم الراحل علاء ولى الدين فى فيلم «الناظر»، وجملته الشهيرة «لف وارجع تانى»، فماذا حدث فى هذه الأزمة، دفع أردوغان إلى التراجع عن الخطاب الحاد والظهور بموقف الضعيف الذى ليس له حيلة فى ليبيا؟.
السبب الأساسى فى إعادة أردوغان النظر فى التدخل العسكرى المباشر فى ليبيا، هى الخسائر المتتالية التى تلقتها حكومة طرابلس الموالية له فى المعارك العسكرية، فمن تمكن قوات الجيش الوطنى من السيطرة على سرت إلى وصولها لجزيرة الشريف بمشروع الهضبة فى طرابلس وتقدم وحداتها تجاه منطقة السدرة جنوب طرابلس، اصطدمت تركيا بالواقع الذى يتطلب بعض المرونة، وعدم التسرع بالدخول فى معارك خاسرة.
كما جاء توسيع الجيش الليبى الحظر الجوى ليشمل مطار معيتيقة وقاعدته الجوية ليرسم ملامح المعركة الجوية التى تستمر فيها نجاحات سلاح الجو الليبى بعد إسقاطه عدد من الطيارات التركية المسيرة فوق العاصمة، فضلا عن أن انتشار الجيش الليبى بشكل واسع فى منطقة السدرة بالعجيلات، وإحكام السيطرة عليها بعد اشتباكات مع الميليشيات أعطى مؤشرات قوية على قرب حسم المعركة، لاسيما أن هذه المنطقة تبعد عن طرابلس العاصمة بـ79 كيلومترا فقط.
لذلك فإن التفسير الموضوعى لتخفيف أردوغان حدة خطابه يرجع بالأساس إلى إنقاذ حكومة السراج وميليشياته قبل ساعات من سقوطهم وتلاشيهم بعد التقدمات السريعة التى أحرزها الجيش الوطنى الليبى.
تحرير سرت
الاثنين قبل الماضى، أحرز الجيش الليبى صدمة لميليشيا الوفاق بإعلانه عن تحرير مدينة سرت بالكامل، ما شكل نقطة تحول فى معركة طوفان الكرامة التى بدأها فى أبريل 2019 بقيادة المشير خليفة حفتر، والتى دخلت مرحلتها الثانية عقب إعلانه انطلاق ساعة الصفر فى الشهر الماضى لتحرير العاصمة طرابلس من التنظيمات الإرهابية المسلحة.
وجاء تحرير مدينة سرت بالكامل فى هذا التوقيت، ليبعث بكثير من الرسائل التى تشير إلى ترنح الميليشيات فى المحاور والمناطق القريبة من العاصمة؛ قبل دخول عدد كبير من القوات التركية العاصمة دفاعا عن حكومة طرابلس غير المعترف بها من قبل مجلس النواب الليبى، فرغم نفى ميليشيات الوفاق فى أكثر من مناسبة سيطرة الجيش الليبى على كامل سرت، فإن الصور والفيديوهات المتداولة على نطاق واسع عن المعركة أظهرت انسحاب قوات الميليشيات من تمركزاها أمام المفاجأة العسكرية من قوات الجيش الوطنى الليبى.
ولمدينة سرت أهمية كبيرة إذ أنها المدينة التى تقع وسط ليبيا، ويقول مراقبون إن من يسيطر عليها فلدية مفاتيح التحرك نحو شرق وغرب البلاد بحرية تامة، فموقعها الجغرافى المميز أعطاها أهمية كبيرة فى ظل الصراع الدائر بين الجيش الليبى والجماعات المتطرفة التابعة لميليشيات الوفاق وجماعة الإخوان وتركيا.
مدينة سرت الساحلية التى تطل على البحر الأبيض المتوسط، تقع فى منتصف الساحل الليبى، تربط مدينتى طرابلس وبنغازى، كما أنها تقترب من حقول النفط الواقعة جنوب شرقها، وكذلك موانئ النفط الرئيسية فى ليبيا مثل «البريقة، ورأس لانوف، والسدرة» وهو ما يزيد من أهميتها الاستراتيجية الكبرى.
ويبلغ تعداد سكان المدينة نحو 128 ألف نسمة بحسب آخر إحصاء عام 2013، لكن ظلت سرت فى الفترة التى تلت ثورة فبراير الليبية علامة فارقة، حيث اتخذها الرئيس الراحل معمر القذافى مقرًا له بعد فقدانه السيطرة على طرابلس، وبقى فيها حتى قُتل فى 20 أكتوبر من نفس العام.
وظلت المدينة بعد اغتيال القذافى محور اهتمام الجميع حتى سيطر عليها التنظيمات المتطرفة والميليشيات إلى أن سيطر عليها تنظيم (داعش) فى مايو 2015 بعد معارك استمرت نحو شهرين، ولكن فى النهاية سيطر عليها الجيش الليبى، وأعطى قادة الميليشيات درسا قاسيا بعدما أنهى سيطرته على المدينة فى فترة لا تتجاوز 3 ساعات.
الفشل فى سوريا يلاحقه
من ناحية أخرى، فإن هذا الفشل التركى الذى ظهر فى ليبيا بعد اعتراف النظام التركى الصريح بأن المشير خليفة حفتر قائد الجيش الليبى رقم مهم فى المعادلة الليبية ولا يمكن أن تتجاهله، لا يختلف كثيرا عن الفشل الساحق الذى شهده النفوذ التركى فى سوريا، فى أعقاب إعلان شن عدوان على شمال شرق سوريا، فيما يعرف بعملية «نبع السلام»، حيث بدت تركيا هى الخاسر الأكبر جراء ممارسات أردوغان التى لا تجلب سوى الخراب للمنطقة العربية والسمعة الرديئة والسيئة للقائمين على الحكم فى تركيا.
يكشف تراجع النظام التركى عن تهديداته باستمرار العدوان على سوريا وعدم تحقيقه مكاسب على الأرض فى الملف الليبى أن الرئيس التركى رجب طيب أردوغان لا يمكن بأى حال من الأحوال أن يتجاهل حق الشعب فى تحديد مصيره دون تدخل أجنبى، فمن ناحية فإن الشعب السورى بجميع مكوناته التى تتمثل فى الأكراد والعرب حتى التركمان، رفضوا استمرار العدوان التركى، بل وقاوموا بكل الأساليب من أجل إفشال مخططات وأجندات أردوغان التوسعية لاحتلال البلاد.