اتفاقية أردوغان والسراج المشبوهة.. تكتيكات الردع الصامت وحدود الموقف المصري في شرق المتوسط
السبت، 04 يناير 2020 10:00 ص
الاتفاقية المشبوهة التي أبرمها الرئيس التركي رجب طيب إردوغان مع رئيس حكومة الوفاق فايز السراج؛ أثارت انتقادات إقليمية ودولية، كونها جاءت بصورة غير قانونية، وبمعزل عن رئاسة الوزراء والبرلمان الليبيين وتنافي مبادئ اتفاق الصخيرات، الذي يُعد بمثابة وثيقة دستورية تمت صياغتها تحت إشراف أممي ويتم العمل تحت مظلتها، وتستند إليها مختلف الطوائف والفصائل الليبية في صياغة نظام سياسي جامع للمكون الليبي وصياغة حل للأزمة وحالة الانكشاف الأمني والانهيار المؤسساتي التي تعيشها البلاد منذ قرابة الثمان سنوات.
ويتطرق البند الثامن من المادة الثامنة من الاتفاق بأن تشمل اختصاصات مجلس الوزراء عقد الاتفاقيات والمعاهدات الدولية بشرط موافقة مجلس النواب عليها. حيث رفض البرلمان الليبي اتفاق السراج مع تركيا، وقال بيان صدر عن لجنة الشؤون الخارجية والتعاون الدولي بمجلس النواب، إن البرلمان يدين "الاتفاق الذي أبرمه السراج، رئيس حكومة الوفاق الوطني الليبية، مع "النظام التركي برئاسة رجب أردوغان الداعم للإرهاب والمليشيات". ولفت البيان إلى أن "هذا الاتفاق يعتبر تهديدا حقيقيا وانتهاكا صارخا للأمن والسيادة الليبية، واعتداء كاملا على صلاحيات مجلس النواب المنتخب من الشعب الليبي صاحب الحق الأصيل والوحيد في الإقرار والتصديق على المعاهدات والاتفاقات الدولية".
في صبيحة يوم الخميس، الموافق 28 من نوفمبر الماضي، وفي مدينة إسطنبول، استقبل الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، فايز السراج رئيس حكومة الوفاق، ووقع على مذكرتي تفاهم، المذكرة الأولي تختص بالتعاون الأمني والعسكري، والثانية تختص بترسيم الحدود البحرية علي نحو تجاهل دول بعينها في المنطقة أبرزها اليونان. بنود الاتفاقية ظلت غامضة، ولكن تكشفت أبعادها من تصريحات المسؤولين الأتراك بدءاً من مدير الاتصالات في الرئاسة التركية وصولاً للرئيس التركي، وجميعها عبرت عن انتهاك الأراضي والأجواء الليبية واستخدامها كنقطة دعم لوجيستي للمشروع التركي في المنطقة.
وتمكن موقع "نورديك مونيتور" السويدي والمتخص في التحقيقات الاستقصائية والاستخباراتية، من كشف وثائق الاتفاق الموقع في إسطنبول، والذي يحمل عنوان "مذكرة التفاهم بين تركيا وليبيا بشأن تعيين حدود المناطق البحرية في البحر المتوسط". كما ينص الاتفاق على أن "كل من تركيا وليبيا قد حددتا تحديدًا دقيقًا وعادلًا للمناطق البحرية لكل منهما في البحر الأبيض المتوسط حيث يمارس الطرفان السيادة والحقوق السيادية و/ أو الولاية القضائية وفقًا لقواعد القانون الدولي المعمول بها، مع مراعاة جميع الظروف ذات الصلة".
المادة 1، والتي اتفق فيها الطرفان على هذه الحدود ضمن الجرف القاري، وجاءت كما يلي:
تبدأ حدود الجرف القاري والمنطقة الاقتصادية الخالصة في البحر المتوسط بين جمهورية تركيا وحكومة الوفاق الوطني الليبي من «النقطة أ» (34 ° 16 ′ 13.720 ″ N -026 ° 19 ′ 11.640 ″ E) وتنتهي عند النقطة ب (34 ° 09 ′ 07.9 ″ N -026 ° 39 ′ 06.3 ″ E).
وألحقت الاتفاقية برسم بحري أشارت إليه الاتفاقية، ويبدو واضحا في بنود الاتفاقية سعى تركيا لتأمين نصيبها من النفط الليبي. وتجاهلت تماماً دولة اليونان.
تعتبر اليونان الدولة الأكثر تضرراً من الاتفاقية الموقعة بين الجانب التركي ورئيس حكومة الوفاق، إذ تعدت ألغت الاعتراف بالمياة الاقتصادية الخالصة للجانب اليوناني في جزيرة كريت، واستندت تركيا إلى مبدأ الجرف القاري بدلاً من حدود المياة الإقليمية المعمول به في الأمم المتحدة والمنبثق عنه قانون البحار. أي أن تركيا وحكومة الوفاق الليبية ستتقاسمان البحر المتوسط بينهما مناصفةً في تعد صارخ علي المواثيق القانونية والشرعية الدولية، بيد أن أنماط التحركات التركية في المنطقة اتسمت بالحدة وتجاهل سيادة الدول وهو ما عبر عنه التعاطي التركي في شمال شرقي سوريا، حيث نفذت حتي الآن ثلاثة عمليات عسكرية كبري منذ 2016، اقطتعت من خلالها مساحات كبيرة من تلك المنطقة، والتي سرعان ما تم تحجيم عمق تدخلها في الأراضي السورية بالتلويح بالعقوبات الأمريكية والتفاهمات الروسية في المناطق الممتدة من الحسكة حتي ريف حلب الشرقي. وعلي نفس النهج، تتعاطي تركيا في شرق المتوسط بصورة محفزة علي خلق حالات عدم الاستقرار الممتد، ولعرض واستنباط تكتيكات الردع المصرية يجب أولاً معالجة التعاطي التركي مع كل من قبرص واليونان:
هذا فضلاً عن ارسال سفن التنقيب التركية ضمن المنطقة الاقتصادية الخالصة لقبرص، ووصل عدد سفن التنقيب التركية في هذه المنطقة لأربعة سفن، ترافقها عدد من القطع البحرية العسكرية من فرقاطات وزوارق حربية.
هذا يأتي بعد يومين من إغلاق مقاتلة ميراج يونانية علي فرقاطة تركية من طراز MEKO، يعد ذلك الإغلاق الأكثر قرباً بين قطع عسكرية تركية ويونانية، إذ قامت المقاتلة اليونانية بالإغلاق الراداري بصاروخ اكسوسيت المضاد للسفن من مسافة قريبة للغاية.
وبصورة عامة يمكن ملاحظة التباين التركي في التعاطي مع كل من قبرص واليونان، كما أن تكتيكات التحركات التركية الأخيرة تندرج ضمن سياقات العزلة الإقليمية التي تشهدها في نطاق دول الحوض، ولاسيما بعد التحركات المصرية الأخيرة خلال الخمس سنوات الماضية والتي نجحت في تقديم نفسها كمركز لتبادل الطاقة وعقدة الوصل للغاز المتدفق لجنوب أوروبا من خلال امتلاكها لبني تحتية لصناعات الغاز غير موجودة في دول الحوض كمنشآت التسييل في إدكو ودمياط علي ساحل البحر المتوسط، ونجاحها في تحقيق ارتباط استراتيجي بين كل من قبرص واليونان وفرنسا وإيطاليا علي وجه الخصوص. يأتي ذلك في ضوء ثبات الدولة السورية في معادلة القوة بين المحاور الإقليمية المتناحرة في الحرب الدائرة علي أراضيها، ورفضها – أي الدولة السورية – مد خط أنابيب للغاز القطري اقترحته الدوحة ليمر من خلال سوريا، ويتجه لتركيا، ومنها يتدفق لجنوب أوروبا معززاً فرص تحول تركيا لمركز وعقدة الغاز الجديدة في المنطقة، لكن الرفض السوري لذلك المقترح كان أحد أسباب اندلاع الحرب في سوريا حسبما صرّح الرئيس السوري بشار الأسد، في لقاء مع صحيفة "إيل جورنالي" الإيطالية، في ديسمبر من العام 2016. لتتلاشي بذلك طموحات تركيا في الاستحواذ علي موقع " مركز وعقدة الغاز" في المنطقة.
وهو ما تبرهن عليه التكتيكات التركية الأخيرة والممثلة في الاتفاق المزعوم بينها وبين رئيس حكومة الوفاق الليبية، حيث جاء الاتفاق بما ينافي قانون البحار المنبثق من الأمم المتحدة، وأيضاً ينافي ما نشرته مؤسسة الأبحاث البحرية التركية وشملت الرؤية التركية السابقة لمنطقتها الاقتصادية الخالصة، التي رغم مخالفتها لقواعد تعيين المناطق الاقتصادية الخالصة لم تكن تمتد لتمثل حاجزا بين مصر واليونان. ويؤكد ذلك أن مد حدود تلك المنطقة غربا ليس له من هدف إلا قطع أي تواصل يسمح بإنشاء مشاريع تربط البنية الأساسية بين مصر واليونان، خاصة في مجالي الكهرباء والغاز الطبيعي ولاسيما بعد توقيع حكومتي مصر وقبرص اتفاقا بمد خط أنابيب للغاز الطبيعي من حقل أفروديت القبرصي للسواحل المصرية سبتمبر من العام الماضي. وتوقيع الحكومة المصرية في مايو 2019 اتفاقا للربط الكهربائي مع كلا من قبرص واليونان من خلال مد كابل كهربائي بحري بطاقة ألفي ميجاوات وبطول 1707 كيلومترات
وعليه، فإن التحركات التركية الأخيرة تعاطت مع قبرص واليونان بأعمال التحرش وانتهاك السيادة في التنقيب بمناطق تقع ضمن نطاقات المناطق الاقتصادية الخالصة، فضلاً عن تنفيذ الاختراقات الدولية للمجال الجوي والبحري. لكن تعاطي تركيا مع مصر في شرق المتوسط اتخذ أنماطاً تتسم بالحذر وتجنب المساس بالمنطقة الاقتصادية الخالصة المصرية. فهل حققت مصر معادلة جديدة للردع قادرة علي لجم النشاطات العدائية التركية وحصرها في تكتيكات الالتفاف والتطويق؟
من خلال الشراكات المتعددة مع القوي الدولية والصاعدة ونقل تكنولوجيا التصنيع الحربي المتقدم ولاسيما التصنيع البحري.
وتعتبر تلك النقطة الأهم في مسار التحديث الشامل للقوات المسلحة المصرية، إذ اتسمت عمليات التحديث والصفقات التسليحية بتنويع مصادر التسليح وعدم حصره فقط علي المكون الأمريكي، فاتجهت القيادة العسكرية لدول كبري مثل فرنسا، ألمانيا، روسيا، الصين، دون خسارة حيلف أو خلق عدو. ولكن تلك الصفقات ركزت بشكل رئيسي علي سلاحي الجو والبحرية.
لدي البحرية المصرية تاريخ عريق بجانب بحريات القوي الدولية الكبرى، فحسب المؤسسات الغربية المعنية بدراسات الاستخبارات، تقع البحرية المصرية كسادس أقوي بحرية في العالم، مع حذف القدرات النووية للدول. قبل إجراء القوات المسلحة لعمليات التحديث الشاملة قبل 2013، كانت البحرية المصرية تُصنف كبحرية تأمين سواحل، ولكن بعد قدوم حاملات المروحيات وسفن الإنزال والهجوم البرمائي "ميسترال" تحولت البحرية المصرية لبحرية أعالي البحار.
وبعيداً عن رصد كافة الأسلحة البحرية الجديدة لدي القوات المسلحة المصرية وتتبع صفقاتها التسليحية، يمكننا الوقوف علي أبعاد وسقف القوة البحرية المصرية الجديدة بالنظر لحاملات المروحيات، وما حققته في القدرة النارية المصرية، وما غيرته بصورة قاطعة علي الصعيد العملياتي والتخطيطي والتسليحي، يمكن تفنيده كالاتي:
بقدوم حاملات المروحيات وسفن الهجوم البرمائي ميسترال، أفرزت قدراتهما التعبوية الاستراتيجية خارج الحدود الدولية، ومدي جديتها في عمليات الإبرار البحري، ونقل القوات وقيادة مسرح عملياتي في عمق البحر؛ إلي توزيعهما بالبحرين، الأحمر، والأبيض المتوسط، كل واحدة منهما تشكل عصب وعقل الأسطول. الأسطول الشمالي بمسرح عملياتي يشمل البحر الأبيض المتوسط، والجنوبي يشمل خط عملياتي يبدأ من ميناء بورسعيد شمالاً حتي باب المندب جنوباً وسواحل الصومال.
يُلاحظ انتباه القيادة العسكرية لأخطار الصراع علي المضائق والممرات البحرية، ومن جهة أخري إدراك تحركات القوي المعادية علي ضفاف المضائق ولاسيما باب المندب، إذ أن أي مهام لمعالجة التهديدات القادمة من تلك البؤر ذات الاختناقات المرورية تطلب آلة نقل تعبوي استراتيجي عابر للحدود الدولية، وهو ما تقدمه حاملات المروحيات وسفن الهجوم البرمائي "ميسترال".
أجرت البحرية المصرية صفقات تسليحية مع الجانب الألماني تم بمقتضاه الاتفاق علي توريد غواصات التايب الهجومية بواقع أربعة قطع قابل للزيادة. تمتلك غواصات التايب قدرة هجومية نوعية كبيرة، وقدرات متعددة المهام تتنوع ما بين الاستطلاع والرصد وأعمال الاستخبار الالكتروني. لطالما كان قدرات مصر في الأعماق نقطة ضعف أمام خصومها في الإقليم، ما يجعل الإجراءات المصرية لتحديث قدراتها في الأعماق كاشفاً عن التصور المصري لأبعاد القوة البحرية الجديدة الناشئة، وهو ما عبرت عنه تصريحات مسئول عسكرى كبير فى سلاح البحرية الإسرائيلى، إن فرع الغواصات بالبحرية المصرية ينمو وبشكل كبير تحت الماء وعلى السطح، ولا يمكن أبدا تجاهل هذا التطور المذهل لهذا الفرع. وأن الخطر الأكبر يكمن فى امتلاك البحرية المصرية لغواصة ألمانية متطورة.
المكون الفرنسي للبحرية المصرية شمل أيضاً علي الكورفيتات "جويند 2500"، بعدد أربعة قطع. لتعزز القدرة الصاروخية المصرية في عرض البحار وإمكانات مكافحة الغواصات علي حد سواء.
المكون الألماني كان حاضراً أيضاً في الترسانة الناشئة للقوة البحرية المصرية، بإجمالي 6 قطع من فرقاطات الـ MEKO A-200 الألمانية، ذات القدرات المعززة
فهي قادرة على خوض الحرب الكاملة رباعية الأبعاد من مكافحة سفن السطح ، ومكافحة الغواصات، والدفاع الجوي، والحرب البيولوجية والكيماوية والعمليات المستدامة عبر مجموعة كاملة من العمليات والمهام العامة: كالدوريات والاعتراض، ودعم عمليات القوات الخاصة، وعمليات البحث والإنقاذ.
يُلاحظ أن قدوم المسترال قد فرض ضرورة تكوين مجموعة قتالية لكل منهما لأعمال الحماية، حماية الأعماق، وسماء المسرح العملياتي البحري، علي نحو ظهرت من خلاله سلسلة من الصفقات التسليحية تختص لاتمام دوائر الحماية لكل عصب وعقل اسطول من الاسطوليين المصريين، حاملات المروحيات ميسترال.
شهدت سلاح الجو المصري طفرة كبيرة في قدراته، إثر موجات متتالية من صفقات التسليح كان أبرزها توريد مقاتلات الرافال الفرنسية، وهي مقاتلات كل المهام، وليست متعددة المهام فقط. توفر الرافال قدرة اخماد الدفاعات الجوية في العمق المعادي، وكذلك مهام السيطرة الجوية نظراً لامكاناتها الميكانيكية الكبيرة في المناورة، وقدراتها الالكترونية المميزة وبصمتها الرادارية والحرارية المنخفضتين.
بجانب مقاتلات الرفال، تأتي مقاتلات السيادة الجوية الروسية، سوخوي 35، التي أعلن عنها مؤخراً، فضلاً عن مقاتلات الميج 29 الروسية المعدلة المخصصة لأعمال الدفاع والاعتراض الجوي داخل نطاق الدفاعات الجوية المصرية.
يُلاحظ التكاملية التي يعمل من خلالها سلاح الجو المصري، والتنوع بين قطعه العاملة، من القطع الامريكية والروسية والفرنسية المطورة. بيد أنه بعد أقل من عام علي تدريب الطيارين المصريين علي مقاتلات الرافال، نفذت مهام قتالية في العمق الليبي في مايو من العام 2017، وقصفت أوكار الجماعات الإرهابية. قامت الرفال بتوسيع المدي العملياتي لسلاح الجو المصري ليكافئ مدي البحرية الناشئ والمتسع ليشمل بحريين هامين في طرق النقل والتجارة الدوليين، البحر الأحمر والمتوسط والمناطق الساحلية المتاخمة لحدودهما.
يُلاحظ إدراك القيادة العسكرية والسياسية المصرية لمحورية دور الحرب الحديثة، ومستقبلها، في معالجة تهديدات الأمن القومي، ومواجهة الأطماع التوسعية للقوي الإقليمية الصاعدة. الحرب الحديثة، هي حرب (جو – بحرية) يكن لسلاحي الجو والبحرية فيها الدور الأعظم في مسارات المعارك وعليهما تقع غالبية تنفيذ مهام الدفاع والهجوم المتقدم علي حد سواء. كما ان استقدام حاملات المروحيات وسفن الهجوم البرمائي ميسترال أضفي علي قدرات مصر في هذه الحرب الحديثة، قدرات نوعية عززت معها قدرة الردع، بأنماطه المختلفة، ولاسيما الردع بالإنكار. وثني الخصوم والأعداء عن الإقدام علي أية عمليات عدائية أو استفزازية تجاه الدولة المصرية.
وهو ما ظهر في التدريبات النوعية الأخيرة للبحرية المصرية قبل يومين، إذ أجرت للمرة الأولي عملية أطلاق حي لصاروخ هاربون عمق سطح بمدي 130 كم في عرض البحر المتوسط، وهو من البحار ذات النطاق العرضي الضيق مقارنة بطوله، ما يرسل رسالة شديدة اللهجة للأطراف الإقليمية الفاعلة، بأن ثمة مساس بالحقوق المصرية في المياه الاقتصادية الخالصة سيُقابل بجملة إجراءات تختلف وقد تتعدي الاستجابة القبرصية واليونانية للتحرشات التركية الدورية بهما.
وعليه فإن منظومة الردع المصرية لم تٌشكل فقط بالقدرة العسكرية الكبيرة، وإنما أيضاً بالشراكات الاستراتيجية مع دول الحوض، حيث أتمت مصر شراكاتها مع كل من قبرص واليونان، ومن جهة أخري بدول فرنسا وإيطاليا وأسبانيا والبرتغال. لتغلق دائرة حوض المتوسط بشراكات وعلاقة مستقرة قابلة لتفعيل أطر وسبل التعاون المشترك.
بيد أن منظومة الردع المصرية والتحول الذي صاغته شراكاتها الاستراتيجية في خريطة الطاقة ومراكز تداولها علي نطاق إقليم شرق المتوسط، أبقت التحركات التركية تدور تحت سقف محاولات فرض وقائع مادية وقانونية تفتح له الباب أمام مساومات يطمع في إملائها علي دول المتوسط:
المساومة علي مشاريع البني التحتية "الطاقوية" وربطها بين مصر وأوروبا:
إذ يلاحظ أن الاتفاقية المزعومة بين تركيا ورئيس حكومة الوفاق جاءت لتحول بين مشاريع ترسيم الحدود بين مصر واليونان وأية خطط لنقل الطاقة في هذه المنطقة. ولاسيما بعد توقيع الحكومة المصرية والقبرصية اتفاقا لانشاء أنبوب لنقل الغاز من حقل أفروديت لمصر.
تقسيم التقسيم:
تكوين مناطق تجحز بين المناطق الاقتصادية الخالصة لقبرص واليونان، ومن جهة أخري بين مصر وقبرص واليونان مجتمعين.
اقتراح تسوية مع اليونان تتضمن بخاصة القبول بمد خط أنابيب غاز شرق المتوسط عبر تركيا، والحد من أي عمليات لتعزيز العلاقات مع مصر أو توسيع التعاون معها في مجالات الربط الكهربائي أو مد خطوط للغاز الطبيعي.
لكن سقف المساومات التركية قائم علي الاحتفاظ بآخر معاقل مشروعها التوسعي في المنطقة، وهي العاصمة الليبية طرابلس، التي يبدوا من الشواهد والمؤشرات الأخيرة أنها ستشهد معركة فاصلة، علي إثرها ستتداعي المساعي التركية وهامش مناوراتها فيما لو فقدت الميليشيات المسلحة المدعومة منها السيطرة علي مفاصل العاصمة، وهو ما يفسر التعاون والدعم المصري الكبير للجيش الوطني الليبي في حربه ضد التنظيمات والجماعات المسلحة الخارجة عن سلطة القانون والتي تدار من قِبل عناصر مدرجة علي قوائم الإرهاب الدولي.
والشاهد أن ما يريده أردوغان يمضي في أكثر من اتجاه ، فهو عبر الاتفاق العسكري مع السراج يجد منفذا لتسليح الإرهابيين بشكل رسمي، وينقل المعركة لوجستيا إلى الأراضي الليبية، من خلال وجود أقرب ما يكون لقاعدة تركية على الأراضي الليبية. أي أن معركة طرابلس ومساراتها المعقدة ترتبط بكل من، مدي فعالية منظومة الردع المصرية التي نجحت حتي الان في حصر التحركات التركية في تكتيكات التطويق والالتفاف، دون المساس بالمياه الاقتصادية الخالصة المصرية، وكذا سقف محاولات المساومة التركية لدول الحوض.