طريق الدماء من إدلب لطرابلس.. تركيا لا تملك غير الدمار بمشروع ميت قبل الولادة

الجمعة، 03 يناير 2020 07:59 م
طريق الدماء من إدلب لطرابلس.. تركيا لا تملك غير الدمار بمشروع ميت قبل الولادة

تتعامل تركيا في منطقة شمال افريقيا، ضمن سياقات الخلفية التاريخية للحقبة العثمانية، وكما تخلت الدولة العثمانية قديماً عن ليبيا لصالح إيطاليا، فإن نفس المساومة يطمح الأتراك بتكرارها مع الجانب الروسي، الذي بدوره حقق التفوق الميداني في سوريا، وضيق هامش المناورة للنظام التركي في رقعة جغرافية تمتد ل400 كم وبعمق 30 كم، ضمن نقاط تماس مع الجيش السوري والوحدات الروسية. ما يجعل لروسيا زمام المبادرة لخلق المساومات، والتسويات، لا للوقوع أسيرة اختيارات النظام التركي.
 
إذ تطمح تركيا من تواجدها في ليبيا إيجاد تموضع إقليمي أكبر لها، فهي بتواجدها في ليبيا وابرامها اتفاقية غير قانونية مع حكومة الوفاق، تسعي لفرض الأمر الواقع لإجبار الثلاثي، مصر- قبرص – اليونان، للدخول في مفاوضات لتقاسم ثروات المتوسط طبقا لرؤية النظام التركي، ومحاولة خفض الارتباط الاستراتيجي بين مصر مع قبرص واليونان، مقابل خفض احتمالات الصدامات والمواجهات العسكرية معهما. ومن جهة أخري تثبت أقدامها في مناطق الشمال السوري، لتساوم الروس بإدلب ومناطق الأكراد مقابل شرق المتوسط. 
 
بيد أن وجهات النظر المصرية والروسية تجاه قضايا الطاقة والإرهاب قد حققت تقارباً يصل إلى مرحلة التطابق أحياناً. فتحول مصر لمركز إقليمي لتداول الطاقة لم يأتِ علي حساب المصالح الروسية، حيث تستثمر روسيا أكثر ملياري دولار في حقل ظهر المصري، كما تنفذ مشروع مناورات هو الأكبر خارج حدودها، والمعروف بـ "حماة الصداقة" مع الجانب المصري، والذي شهد ميلاد جديد للقوة المصرية المحمولة جواً، وكذا تدريب القوات الروسية علي التعامل مع ميادين شمال إفريقيا والمدن الساحلية فيها لمعالجة تهديدات الإرهاب العابر للحدود. 

إطلاق الجيش الوطني الليبي للمرحلة الثالثة من معركة تحرير العاصمة طرابلس، واتجاهه لتحقيق تقدمات ميدانية ملحوظة بالمحور الجنوب الغربي، بالتزامن مع توطيد الارتباط الاستراتيجي بين تركيا وحكومة الوفاق وميليشياتها العسكرية، دفع الأخيرة إلى تفعيل بند من بنود مذكرتي التفاهم الموقعة مع الجانب التركى، وتمثل فى طلب رسمي للحكومة التركية بالتدخل عسكرياً في الأراضي الليبية. لتواجه مصفوفة الأدوار الإقليمية تحدِ آخر، وليصبح الميدان الليبي أمام احتمالات قوية لاستنساخ الحالة السورية، كبؤرة صراع دولية وإقليمية، بشكل يهدد الأمن القومي المصري على نحو غير مسبوق، وهو ما عبّرت عنه تصريحات القيادة المصرية في الآونة الأخيرة بأن ليبيا والسودان امتداد للأمن القومي المصري، وأن مصر لن تسمح بالمساس بأمنهما من أطراف أخري. أفرزت التطورات المتسارعة عن نشاط ملحوظ للقوي الدولية ولاسيما روسيا وفرنسا وإيطاليا، ودفع أيضاً تركيا للجوء لتكتيكات مغايرة وكاشفة لأنماط دورها وأبعاد مستقبل انخراطها علي نحو ستعالجه النقاط التالية.
 
مع دخول معارك تحرير طرابلس المرحلة الثالثة، تكشفت أكثر أنماط الانخراط التركي في الأزمة. حيث كانت مناطق الساحل الليبي وتحديداً " مصراتة – سرت - طرابلس "، واجهة لاستقبال خطوط الدعم والإمداد التركية لتغذية الصراع وتسليح الميلشيات المنضوية تحت لواء حكومة الوفاق، بأسلحة نوعية تمكنها من الاستمرار كفواعل وقطع علي رقعة الشطرنج الليبية، إلا أن كثافة هجوم الجيش الوطني الليبي دفع تركيا لتنفيذ تكتيكات مغايرة علي أرض الميدان، بالتوازي مع العمل علي مشاريع في البرلمان للتصديق علي إرسال قوات تركية وانشاء قواعد عسكرية بالأراضي الليبية، وكان أبرز هذه التكتيكات:
 
- تكثيف الدعم عبر البحر من خلال سفن الشحن والتجارية
 
فمنذ الحادي عشر من الشهر الجاري، وصلت أكثر من 14 سفينة شحن لموانئ الخمس وطرابلس، جميعها انطلقت من الموانئ التركية.
 
- جسر جوي باستخدام الطائرات المدنية والشحن
 
حيث رصد موقع flight radar  المعني بمراقبة حركة الطيران المدني والعسكري، عن رحلات جوية مدنية انطلقت من المطارات التركية والجزائرية وكان هدفها مطاري مصراتة وطرابلس. حيث نفذت طائرة شحن مسجلة ضمن دولة مولدوفا، أربع رحلات منذ بداية الشهر بين إسطنبول وأزمير التركيتين، والعاصمة الجزائرية ومطاري مصراتة وطرابلس. وفي هذا الصدد رصد المرصد المصري بالتفصيل خطوط إمداد وتدفقات السلاح من تركيا إلي ليبيا في ورقة "تركيا وشرق أوروبا".
 
التطويق من الجنوب
 
لجأت تركيا لفتح جبهة جديدة بعيداً عن خط المواجهة بطول الساحل الليبي، هذه المرة كانت في قبائل الطوارق، التي تحكم سيطرتها علي مناطق الحوض الجنوبي الليبي. فمنذ إبريل الماضي لم تتوقف مساعي أنقرة لتوطيد علاقاتها بالطوارق، وتقديم كافة أشكال الدعم. الرجل المسؤول عن ملف الطوارق في الحكومة التركية هو أمرالله ايشلر مبعوث الرئيس التركي لليبيا وواحد من الرجالات المقربين من الدوائر الاستخباراتية التركية. إيشلر استضاف عشرة شيوخ من قبائل الطوارق في إسطنبول، وبحسب مؤسسة نورديك مونيتور المعنية بدراسة التنظيمات الإرهابية والقضايا الأمنية، فإن تركيا تستخدم مع الطوارق نفس المؤسسات الخيرية ذات الغطاء الاستخباراتي التي قدمت الدعم لتنظيمات مرتبطة بتنظيم القاعدة في الميدان السوري.
 
 ما يعطي مؤشرات حول إمكانية ابتزاز دول مثل مالي والنيجر وتشاد، والقوي الدولية الفاعلة في تلك المناطق ولاسيما فرنسا، التي ساءت علاقاتها مع تركيا علي وقع الاجتياح التركي الأخير بالشمال السوري ودعم فرنسا لقضية الأكراد. إذ تعد دول الساحل والصحراء والحدود المشتركة بينها مسرح لتنقلات قبائل الطوارق ومسارات تهريب الأسلحة والمخدرات. وهو ما يفسر الزيارات المكثفة لمسؤولي محور أنقرة – الدوحة، لهذه الدول في الربع الأخير من العام الحالي.
 
 
 
 

 

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق