دار الإفتاء vs السلفيون.. الاحتفال بالكريسماس بين الإباحة والتحريم
السبت، 28 ديسمبر 2019 09:00 ص
الفتاوي المغرضة، لازالت آفة تنخر في عظام النسيج المصري، وبين الحين والأخر تخرج هذه الفتاوى على الساحة، في ظل رفض مجتمعي، لما اتسم به الشعب المصري من تسامح وقبول الآخر، وفتاوى السلفيين التي تطفو من المياه الراكدة لأفكارهم، ترد عليها المؤسسات الدينية الرسمية فى مصر سواء الأزهر أو دار الإفتاء، ومنها تحريم الاحتفال بالكريسماس مع اقتراب بداية العام الميلادي الجديد.
دعوات التحريم في المناسبات المختلفة للأقباط، هي الماضي الحاضر، لدى السلفيين، فلا يتركون مناسبة إلا ويصدرون فتاوى يحرمون بها فرحة عموم المصريين، تارة ضد الاحتفال بشم النسيم، وأخرى ضد الاحتفال بعيد الميلاد المجيد، حتى عروسة المولد، وشجرة الكريسماس، وقد استمرت هذه الفتاوي المغرضة وفى سنة من السنوات دشن سلفيون هاشتاج «أعياد الكفار» تداولوا من خلاله ملصقات ومطبوعات تنهى عن المشاركة فى احتفالات رأس السنة أو تهنئة الأقباط تحت شعار «أنا مسلم لا أحتفل بالكريسماس».
من ضمن الفتاوي المضللة للتيار السلفي، فتوى الداعية السلفى حسين مطاوع، الذى قال فى تصريحات له عبر صفحته الرسمية على «فيسبوك»: «إذا كنا نقول بدعية الاحتفال بالمولد النبوي وننكر على من يحتفل به لمخالفة ذلك سنة النبي صلى الله عليه وسلم وفعل صحابته والتابعين من بعده، فكيف بمن يشارك المسيحيين احتفالهم بميلاد المسيح؟ فالمسلم الذي يقر بهذا الاحتفال لا يخلو من حالتين أن يعلم أن هذا الاحتفال محرم، وهذا لا عذر له فلا يجوز له أن يهنئهم ولو على سبيل المجاملة».
والداعية السلفى حسين مطاوع، تابع أيضا، «بل قد يخرجه ذلك من الملة إن اعتقد صحة هذه العقيدة، فإن أعيادنا حق جاء بها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لكن عيدهم هذا باطل لأنهم يحتفلون فيه بميلاد المسيح أو أن يكون جاهلا بالحكم الشرعي وعليه فالواجب عدم كتمان الحق عنه وتعليمه فإن أصر بعد البيان فإنه يلحق بصاحب الحالة الأولى ».
الفتوي التحريضية التي لا تعكس طبيعة الشعب المصري، ردت عليها دار الإفتاء المصرية، بتأكيدها بأن الاحتفال بالكريسماس ليس حراما، حيث قالت إن المسلمين يؤمنون بأنبياء الله تعالى ورسله كلهم، ولا يفرقون بين أحد منهم، ويفرحون بأيام ولادتهم، وهم حين يحتفلون بها يفعلون ذلك شكرًا لله تعالى على نعمة إرسالهم هداية للبشرية ونورًا ورحمة، فإنها من أكبر نِعم الله تعالى على البشر، والأيام التي وُلِدَ فيها الأنبياء والرسل أيامُ سلام على العالمين، وقد أشار الله تعالى إلى ذلك؛ فقال عن سيدنا يحيى: ﴿وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا﴾ [مريم: 15]، وقال عن سيدنا عيسى: ﴿وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا﴾ [مريم: 33]، وقال تعالى: ﴿سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ﴾ [الصافات: 79]، وقال تعالى: ﴿سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ﴾ [الصافات: 109]، ثم قال تعالى: ﴿سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ﴾ [الصافات: 120]، إلى أن قال تعالى: ﴿وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لله رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾ .
وأضافت دار الإفتاء فى فتواها للرد على فتوى الداعية السلفي حسين مطاوع، إذا كان الأمر كذلك، فإظهار الفرح بهم، وشكر الله تعالى على إرسالهم، والاحتفال والاحتفاء بهم؛ كل ذلك مشروع، بل هو من أنواع القرب التي يظهر فيها معنى الفرح والشكر لله على نعمه، وقد احتفل النبي صلى الله عليه وآله وسلم بيوم نجاة سيدنا موسى من فرعون بالصيام؛ فروى البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما قدم المدينة وجد اليهود يصومون يومًا -يعني: عاشوراء-، فقالوا: هذا يوم عظيم، وهو يوم نجى الله فيه موسى، وأغرق آل فرعون، فصام موسى شكرًا لله، فقال: «أَنَا أَوْلَى بِمُوسَى مِنْهُمْ» فصامه وأمر بصيامه، فلم يعدَّ هذا الاشتراك في الاحتفال بنجاة سيدنا موسى اشتراكًا في عقائد اليهود المخالفة لعقيدة الإسلام.
وتابعت دار الإفتاء، بناءً عليه فاحتفال المسلمين بميلاد السيد المسيح من حيث هو: أمرٌ مشروعٌ لا حرمة فيه؛ لأنه تعبيرٌ عن الفرح به، كما أن فيه تأسِّيًا بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم القائل في حقه: «أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ فِى الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، لَيْسَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ نَبِي»، مضيفة أن هذا عن احتفال المسلمين بهذه الذكرى، أما تهنئة غير المسلمين من المواطنين الذين يعايشهم المسلم بما يحتفلون به؛ سواء في هذه المناسبة أو في غيرها؛ فلا مانع منها شرعًا، خاصة إذا كان بينهم وبين المسلمين صلة رحم أو قرابة أو جوار أو زمالة أو غير ذلك من العلاقات الإنسانية.