أردوغان و تابعه تميم.. السلطان العثماني يعلن وصايته على عرش الدوحة
الثلاثاء، 26 نوفمبر 2019 09:00 م
كشفت تصريحات غير مسبوقة للرئيس رجب طيب أردوغان خلال زيارته لقاعدة عسكرية تركية في الدوحة القلق الذي يسيطر على قطر تجاه تطورات إقليمية قد تزيد من عزلتها، ومن تبعيتها لتركيا.
السفاح التركي أردوغان أعلن عن أن قوات بلاده موجودة لكي تكون قطر في مأمن، وهو تصريح اعتبر متابعون للشأن الخليجي أن هدفه إحباط مساعي إعادة قطر للبيت الخليجي.
وقال أردوغان “لا فرق لدينا بين أمننا وأمن قطر”. وأضاف أن “المطالبين بإغلاق القاعدة التركية لا يعلمون أنّنا أصدقاء قطر وقت الشدة”، في إشارة إلى تفاقم القلق لدى الدوحة أكثر مما يبعث لديها الاطمئنان، وهو ما يبحث عنه الرئيس التركي في استمرار ابتزاز الدوحة تحت مسوغ التهديد الخارجي.
ويعكس توالي الزيارات بين أردوغان وتميم، والتي بلغت 26 لقاء في خمس سنوات، حالة قلق مشترك لدى أنقرة والدوحة من مستجدات في الخليج وأفريقيا لا تصب في مصلحة تحالفهما.
ولا تخفي تركيا رغبتها في بسط نفوذها على قطر وتحويلها إلى قاعدة متقدمة في سياق بناء نفوذ إقليمي جديد لها، وهو ما كشف عنه إعلان أردوغان عن بناء “ثكنة خالد بن الوليد”، مشيرا إلى أن الوجود العسكري لبلاده في قطر حماها عند اندلاع الأزمة مع دول الخليج.
وقاعدة طارق بن زياد التي تتسّع لنحو خمسة آلاف جندي وافتتحت رسميا عام 2015، تثير حفيظة السعودية وحلفائها الذين يتبنون سياسية مغايرة لأنقرة في ما يتعلق بالجماعات المتشددة، ما دفعهم إلى مطالبة قطر بإغلاقها كأحد شروط رفع المقاطعة عنها وإعادة العلاقات الدبلوماسية إلى مجراها.
واعتبر الرئيس التركي أنه “لا ينبغي لأحد أن ينزعج من وجود بلادنا في المنطقة” في إشارة إلى موجة نقد خليجية وعربية للسيطرة التركية على قطر وتهديد أمن جيرانها، ومسعى تركي لمنع استعادة الدفء بين الدوحة وبقية العواصم الخليجية.
وفيما دعا أردوغان إلى إنهاء الأزمة الخليجية “في أسرع وقت”، فإن المتابعين للشأن الخليجي يعتقدون أن تصريحات الرئيس التركي التي تتحدث عن “حماية قطر” تضرب مساعي المصالحة وتعيقها من خلال تشجيع قطر على الهروب إلى الأمام.
ويرى هؤلاء أن أنقرة بهذا الخطاب تشجع الدوحة على القطيعة مع عمقها الخليجي، وأن زيارة أردوغان الحالية تأتي متزامنة مع عودة الحديث عن إذابة الجليد بين قطر والدول المقاطعة، في هدف واضح هو منع الدوحة من تقديم تنازلات لافتة تستجيب لمخاوف جيرانها كشرط لفتح باب الحوار، أي منع المصالحة الخليجية بأي الطرق والاستمرار في ابتزاز قطر.
وتثير لقاءات القمة بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني الكثير من الأسئلة بشأنها خاصة أنها تستثني من التنسيق الثنائي أو اجتماعات اللجان العليا بقية المسؤولين في البلدين وتقصرها على الرجلين بما يوحي بوجود أسرار تتجاوز التنسيق التقليدي إلى حالة من القلق بشأن تطورات إقليمية ليست في صالحهما، في وقت يزداد فيه النفوذ التركي في قطر ليشمل قطاعات حيوية مثل القطاعين العسكري والأمني.
وقالت أوساط خليجية مطلعة إن تواتر لقاءات أردوغان والشيخ تميم بشكل غير معهود يعكس وجود أمر مهم يتجاوز التقارب والتنسيق المعهودين، مشيرة إلى أن هذا الأمر لا يخرج عن مسألتين أساسيتين، الأولى تتعلق بتكثيف النفوذ التركي في الدوحة ليصبح متحكما في القطاعات الحيوية مثل الدفاع والأمن ما يضع قطر تحت الحماية التركية، والثانية تظهر حجم القلق الثنائي من تطورات إقليمية تسير عكس مصالحهما إما في الخليج وإما في أفريقيا.
ولا تترك الملفات التفصيلية للعلاقات الثنائية بين البلدين حتى لأقرب المساعدين وكبار المسؤولين بل محصورة بيد أردوغان والشيخ تميم، وهو ما يشير إلى وجود أسرار يخاف الرجلان أن تخرج إلى العلن وربما تكون على علاقة بابتزاز السعودية في ملف الصحافي جمال خاشقجي والحملة الإعلامية والدبلوماسية التي نظمتها أنقرة والدوحة بتنسيق مباشر ومستمر لأسابيع ما يجعل أهدافها أكبر من خاشقجي.
ولا تستبعد الأوساط الخليجية أن تكون هذه الأسرار على علاقة بالفضيحة الأخيرة لقطر التي أظهرت تقارير استخبارات غربية أنها كانت على علم بالهجمات الإيرانية على الملاحة الدولية في مياه الخليج، وخاصة استهداف شركة أرامكو المحورية في الاقتصاد السعودي، وربما تكون قطر قد أشعرت تركيا بهذه الهجمات في سياق تبادل المعطيات بين البلدين.
ويظهر التركيز التركي على قطر أن أردوغان لديه خطط للاستفادة من الصداقة القوية مع الشيخ تميم أكثر من مجرد الدعم المالي الذي تقدمه الدوحة بين حين وآخر إلى استثمار سياسي يقوم على جعل الدوحة تعتقد أن بقاء أردوغان في السلطة هو ضمان وحماية لقطر بأن تستمر في سياستها الحالية القائمة على استفزاز جيرانها والتآمر عليهم بتوظيف كيانات مصنفة إرهابية في المنطقة، وتمكينها من الفضاءات اللازمة لاستهداف أمن بلدانها.
ويرى المتابعون للشأن الخليجي أن تركيا تبتز الدوحة من خلال الإيحاء لها بأن قوة أردوغان هي قوة لها، وأن رحيله سيمثل خطرا على حكم الأسرة الحاكمة في قطر وبقائها، وهو الأمر الذي تستثمر فيه تركيا بكل قوة بإرسال قوات عسكرية إلى الأراضي القطرية، وزيادة الشكوك والمخاوف لدى القيادة القطرية من “مؤامرة خليجية” ضدها، أي أن بقاء أردوغان سيصبح مسألة حيوية للشيخ تميم.
وبات القطريون عاجزين عن التحرك بمفردهم في طريق حل أزماتهم، ولهذا فهم يطلبون نشاطا تركيا داعما أكبر في الملفات خصوصا في الخليج وفي أفريقيا التي بات فيها الوضع يسير لغير صالح تركيا وقطر بعد انكشاف خططهما في الصومال وخسارة نفوذهما في السودان.
ولم يؤد الدعم المالي السخي الذي رصدته قطر لفائدة جماعات الإسلام السياسي إلى تثبيت نفوذها في أي من الملفات الإقليمية، وعلى العكس فقد خسرت الدوحة منصة الربيع العربي التي أرادت من خلالها فرض حكم الإسلاميين في دول مثل مصر وتونس وليبيا واليمن وسوريا قبل أن تتراجع وتوكل المهمة لأنقرة.
ولم تعد قطر تمتلك هامشا للتحرك دون موافقة تركيا خاصة بعد الاتفاقيات الأمنية والعسكرية المثيرة للاستغراب التي تم توقيعها في السابق.