بعد 100 عام على ظهورها بمصر.. ماذا تبقى من الليبرالية؟
الثلاثاء، 19 نوفمبر 2019 01:30 م
تعريفات عديدة لمصطلح الليبرالية، إلى أن أقربها يشير إلى الفلسفة السياسية أو الرأي المنتشر حول مجموعة من أفكار الحرية والمساواة، حيث تعنى التحرر السياسى والاقتصادى.
منذ 100 عام، بدأت مصر تشهد أولى ملامح تيار جديد يقوده الزعيم سعد زغلول، هو التيار الليبرالى الذى بدأت أولى نسائمه تظهر بشكل واضح مع تأسيس الزعيم المصرى سعد زغلول حزب الوفد الذى يعد أول حزب ليبرالى فى مصر ، ثم يشارك بقوة فى البرلمان المصرى فى بداية العشرينيات من القرن الماضى ليتشكل هذا الفكر الذى كان يستهدف نشر الأفكار التنويرية ويحارب الأفكار الاستعمارية وكذلك الراديكالية.
سنوات عديدة بعد اندلاع ثورة 1919 ، وظل هذا التيار هو السائد وكان أحد أبرز التيارات التى واجهت الجماعات الراديكالية فى مصر وعلى رأسها جماعة الإخوان التى نشأت عام 1928، لتبدأ مرحلة الصدام بين الليبرالية ممثلة فى حزب الوفد، والراديكالية ممثلة فى جماعة الإخوان خاصة عندما كان حزب الوفد هو من يشكل الحكومة فى مصر حينها وظل هذا الصراع قائما حتى مقتل مؤسس الجماعة حسن البنا عام 1949.
ومنذ أن بدأ التيار الليبرالى نضوجه فى مصر منذ ما يقرب من 100 عام، تولى حزب الوفد قياداته، ورغم حالة التضاد الكبيرة بين التيار الليبرالى والتيار الراديكالى إلا أنه فى وقت من الأوقات حدث ما يمكن أن نطلق عليه تزاوج بين التيارين ليخرج منهما شخصيات متناقضة على رأسهم أيمن نور رئيس قناة الشرق الإخوانية الذى يزعم أنه أحد زعماء التيار الليبرالى إلا أنه وضع يده فى يد الإخوان، وكذلك ياسر الهوارى الذى كان عضوا فى حزب الدستور إلا أنه تحالف مع الإخوان ويقيم حاليا فى قطر.
الأزمة التى تواجه التيار الليبرالى سببها الدخلاء على هذا التيار، فقبل 25 يناير كان حزب الوفد هو الممثل الرئيسى لهذا التيار، بجانب بعض الأحزاب الصغيرة كحزب الجيل وحزب الغد، إلا أنه بعد 25 يناير 2011، بدأت أحزاب كثيرة تظهر وتؤكد انتمائها للتيار الليبرالى أبرزها حزب الأحرار الدستوريين والأحرار الاشتراكيين وحزب الدستور وحزب غد الثورة وحزب مصر الحرية، والشعب الجمهورى، والسلام الاجتماعى والسلام الديمقراطى وحزب المؤتمر وحزب المصريين الأحرار.
رغم كثرة الأحزاب التى تنتمى للتيار الليبرالى، إلا أن هذا التيار ينتابه الكثير من الغموض بشأن مستقبله، خاصة بعد أن تمكنت للجماعة من استقطاب بعض من تلك الأحزاب على رأسها حزب غد الثورة الذى أسسه أيمن نور والذى انضم مؤسسه فعليا إلى تحالف الإخوان فى تركيا.
تحديات كثيرة تواجه هذا التيار خلال الفترة الراهنة، حيث يقول الدكتور طارق فهمى، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، إن الليبرالية في مصر تواجه إشكاليات حقيقية في غياب الروية والتصور وعدم تقديم البدائل والخيارات الواقعية للتماشي مع الظروف والتحديات الحقيقية التي تواجه مصر حيث لا يمكن الإشارة لوجود أحزاب ليبرالية بالمعنى العام مثلما هو قائم في العالم من حولنا برغم وجود برامج ليبرالية علي المستوي النظري ولكن لا يوجد ما يمكن التأكيد على وجود تيار ليبرالي حقيقي في مصر في الوقت الراهن والحقيقة أن الليبرالية مثل الاشتراكية والتيارات الشعبية عجزت عن الخروج بنموذجها من الحيز الضيق لآفاق رحبة.
وأضاف أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، أن الليبرالية المصرية ورموزها لم تشارك بالفعل في تحولات السياسة المصرية وبقيت تيارا نظريا وخلت الساحة من قواعد حقيقية الليبرالية المصرية وهي ليست كسائر التيارات الأخرى التي شهدتها مصر في السنوات الأخيرة بالرغم من أن مصر قبل ثورة 23 يوليو 1952 عرفت أحزابا ليبرالية عديدة وتيارًا ممثلًا لها.
ويتابع الدكتور طارق فهمى :"يمكن التأكيد أن لدينا رؤى ليبرالية في مجال الاقتصاد والاجتماع ومجالات أخرى تعمل في مجالات الاستثمار لكن ليس لدينا ليبرالية سياسية حقيقية يمكن أن تقود وتطرح وتقدم الحلول لمجتمع تعاني فيه الأحزاب من حالة ترهل وبرامج مكررة ومتشابهة ولا تملك حضورا جماهيريا.
ويستطرد أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، أن الليبرالية المصرية تحتاج للخروج من حالة السبات العميق لتقديم نموذج مصري خاص بها وليس تقليدا لاحد أو التعبير عن وجود لا علاقة له بالواقع السياسي والاقتصادى الراهن، كما تحتاج إلى تغيير خطابها السياسى والاقتصادي وتطبيقه على مصر كدراسة حالة وعدم استدعاء قوالب جاهزة للطرح حيث يجب مراعاة التجربة المصرية في طرح نموذج الليبرالية الحقيقية كمثيلتها في العالم.
وبشأن أسباب عدم نجاح التجربة الليبرالية فى مصر رغم نجاحها فى العديد من دول العالم قال الدكتور طارق فهمى، إن الحالة المصرية لها خصوصية في المجال السياسي والاقتصادي فلم تكن لدينا قنوات للممارسة السياسية سواء كانت احزاب حقيقية أو مؤسسية صحيح ان حزب الوفد كان اقرب لهذا الطرح في مواجهة التجمع مثلا لكن الوفد ليس حزبًا ممثلًا لليبرالية المعاصرة كما غابت البرامج الليبرالية المؤثرة والفعالة في الاقتصاد والاجتماع ولهذا فشل التيار الليبرالي قولًا واحد في ايجاد ارضية حقيقية جماهيرية ولها وجود مؤثر في المجتمع المصري باستثناء بعض النجاحات في المجال الاقتصادى وفي توقيت وتجربة مختلفة في الشكل والمضمون.
وفيما يتعلق بمواجهة التيار الليبرالى التيارات الراديكالية، قال هشام النجار، الباحث الإسلامى، إن التيار الليبرالي لا يملك الإمكانيات والدعم الذي يمكنه من ذلك بالمقارنة بالدعم المادي والامكانيات الإعلامية الهائلة التي تملكها جماعات الإسلام السياسي وتمويلها من جهات خارجية، وانحصرت جهود التيار الليبرالي في هذا السياق في جهود فردية على مدى عقود وعلى الرغم من ذلك تحققت نجاحات كبيرة على مستوى الإنتاج الفكري والمناظرات لكن نظرا للافتقار للمؤسسية ولعدم وجود إمكانيات إعلامية ظلت هذه الانتصارات على مستوى النخبة ولم تجد الرواج الجماهيرى المطلوب.
وتابع الباحث الإسلامى: لأسباب كثيرة استطاع التيار الأصولى طمس الكثير من هذه النجاحات الليبرالية وتشويهها بالعنف والتكفير والاغتيالاات، والآن تغير الوضع نظرا للمستجدات على الساحة ونظرا لامتلاك النخب الليبرالية منافذ إعلامية يوظفونها لتوعية الجمهور وتعريفه بحقيقة الصراع الجارى وهو ما غير الكثير من أوراق المعادلة وموازين القوى.