أمريكا تقتل الذراع الإرهابي لـ «قطر وتركيا»
السبت، 02 نوفمبر 2019 07:00 ممحمود علي
- حزن فى الدوحة وأنقرة على وفاة البغدادى.. والإعلام التركى والقطرى يتشح بالسواد
عاش النظام القطرى يوما أسود فى أعقاب الإعلان عن مقتل زعيم تنظيم داعش الإرهابى أبو بكر البغدادى فى عملية نوعية للقوات الأمريكية، وهو ما ظهر بشكل واضح فى القنوات والمواقع التابعة للإدارة القطرية التى تبث من داخل الدوحة وخارجها.
فبعد أن أعلنت الولايات المتحدة عن القضاء على البغدادى، إلا واتشحت قنوات قطر بالسواد، فيما أظهرت تقارير نشرها الموقع الإخبارى التابع لقناة الجزيرة حجم التحريف والتأييد الأعمى للتطرف، الذى يتبعه الإعلام القطرى فى أى تناول للأحداث التى تشهدها المنطقة.
شبكة قناة الجزيرة بروافدها الإلكترونية وصفحاتها على السوشيال ميديا، كانت ضمن القنوات التى سارعت لتغطية حادث مقتل البغدادى، ولكن كان الاختلاف واضحا فى التناول والمحتوى بينها وبين كل وكالات الأنباء العالمية، فبينما ركز الكثير من التقارير العالمية على الجرائم التى ارتكبها البغدادى طيلة الخمس سنوات الماضية، عمر إقامة «دولة الخلافة المزعومة فى سوريا والعراق»، تناولت الجزيرة بشكل غير مهنى وتوجيهى شخصية الرجل (المتطرف) قبل أن ينضم إلى الجماعات المتشددة، بتركيز أكثر على الجوانب الإيجابية فى شخصيته، وتدرجه التعليمى وهواياته المحببة له، دون أن تناقش وجه البغدادى الآخر، عندما بدأ فى اعتناق الأفكار المتطرفة والشاذة التى أسفرت عن آلاف الضحايا فى المنطقة والعالم.
ربما لا يحتاج أحد إلى محرك البحث «جوجل» للتعرف على جرائم أبو بكر البغدادى فى سوريا والعراق وليبيا، فمنذ ظهور الأخير فى يونيو عام 2014 للإعلان عن إقامة داعش، من على منصة مسجد النورى فى الموصل وتنصيب نفسه «خليفة» لأنصاره، وانتشرت مشاهد الذبح، والجرائم غير الإنسانية التى حاولت أذهاننا نسيانها لشدة قساوتها، إلا أن الذاكرة خلدتها؛ ووثقتها بالصوت قبل الصورة، حتى أصبحت مثار رعب عالمى، فوفقا للمرصد السورى لحقوق الإنسان فإن هذا التنظيم نفذ بقيادة أبو بكر البغدادى ما بين عامى 2014 و2015 3027 عملية إعدام فى سوريا، طالت 1787 مدنيا، بينهم 74 طفلا، ذبحا أو صلبا أو رميا بالرصاص أو رجما أو حرقا، وكان الأكثر بشاعة، نشر التنظيم صورا لتصفية الآلاف من طلاب كلية القوة الجوية فى قاعدة سبايكر فى تكريت، فيما تفنن فى قطع الرؤوس والإعدامات الجماعية، وإلقاء الجثث فى نهر دجلة، أو وضعها فى مقابر جماعية ضمت المئات.
ومن الطرق العديدة التى تفنن فيها التنظيم خلال جرائمه الإرهابية، الإعدام بالحرق أبرزها وأكثرها بشاعة حرق الطيار الأردنى معاذ الكساسبة بعد أسره من قبل داعش، لكن الجزيرة تجاهلت كل هذه الجرائم فى تغطيتها للحادث، قبل أن تصدم جمهورها بلقطة مذيعة النشرة الإخبارية بالقناة وهى ترتدى الزى الأسود أثناء تغطية العملية العسكرية التى قضت على البغدادي، وكأن القناة أرادت توصيل صورة تجميلية غير حقيقيه للرجل الذى لا يختلف أحد على إرهابه وأفكاره المتطرفة.
غضت القنوات القطرية وخاصة الجزيرة أيضا البصر، عندما كتبت تقريرا أثار الكثير من الجدل حول ماهيته، تحت عنوان «تخصص فى التجويد وبرع بكرة القدم.. من هو أبو بكر البغدادى؟» فى لقطة تجسد وتعبر بشكل حقيقى عن المحتوى الذى تقدمه القناة فى كل حدث مسلط عليه الضوء فى العالم. كما امتنع الإعلام القطرى، فى سرده لتغطية الحادث عن وصف البغدادى بالإرهابي، مخصصا جزءا من التقارير المقروءة والمرئية، فى شرح دور الرجل بسوريا وكيفية تأثيره على الثورة السورية.
وقالت الجزيرة فى أحد التقارير: «إن البغدادى أرسل مساعده أبو محمد الجولانى إلى سوريا لكى يوجد لتنظيم القاعدة موطئ قدم هناك، وشكل «جبهة النصرة» التى أعلنت عن نفسها فباتت رقما صعبا ضمن المعارضة المسلحة التى تقاتل نظام الأسد»، فى حين إذا دققنا فى محتوى هذا التقرير سيتضح لنا أن الموقع وصف التنظيم الإرهابى (داعش) بالمعارضة المسلحة، ووضعه فى إطار الجماعات التى حاربت الجيش السورى وظلت رقما مهما فى الأحداث التى شهدتها البلاد منذ 2011.
البغدادى إخوانى تتلمذ على يد القرضاوى
العلاقة المتجذرة بين البغدادى وجماعة الإخوان الإرهابية التى تحتضنها قطر، لا يمكن أن يكذبها أحد حتى من داخل الجماعة ذاتها، لاسيما وأن يوسف القرضاوى، أحد أبرز قادة الجماعة المقيم فى قطر، أكد فى أكثر من مناسبة أن أبو بكر كان عضوا بجماعة الإخوان خلال مرحلة شبابه، ليكشف بهذا التصريح كيف تأثر زعيم داعش بالأفكار المتطرفة للجماعة؟ وتتلمذ على يد الكثير من قادتها القدامى والجدد؟، وهو ما أكده الكثير من الخبراء فى جماعات الإسلام السياسي، والذين أكدوا أنه رغم محاولة إخفاء مفتى الدم (القرضاوى) هذا الارتباط الفكرى بين داعش والإخوان، فلم يكن بمقدوره أن يتنصل من تهمة تأثير التنظيم المتطرف بأفكار الإخوان وكتبها التفسيرية المليئة بالدم وتكفير الآخر التى ابتعدت عن الإسلام الحقيقى.
وكانت من بين الشخصيات الشاهدة على علاقة البغدادى بالإخوان نبيل نعيم أمير تنظيم الجهاد فى تسعينات القرن الماضى، الذى روى فى أعقاب مقتل البغدادى كواليس نشأة زعيم داعش قبل الألفية الجديدة، وكيف كان للجماعة الدور الرئيسى فى سطوعه على السطح مشيرا إلى أن العديد من قادة ودعاة الإخوان أكدوا على «البغدادى» ينتمى لتنظيمهم وفكرهم.
تركيا تحزن لوداع البغدادى
جاءت العملية التى نفذتها القوات الأمريكية الأسبوع الماضي، للقضاء على البغدادى، لتكشف أبعادا أخرى كان يحاول النظام التركى إخفاءها تتعلق بدور أنقرة فى وجود بقايا التنظيم المتطرف ورأسها البغدادى فى الأماكن التى تسيطر عليها القوات التركية والجماعات الموالية لها على الحدود السورية، بعد شنها عدوانا أدى على انسحاب القوات الكردية من الشمال، حيث قال المتحدث باسم قوات سوريا الديمقراطية إن قواته لديها معلومات تؤكد زيادة أبو بكر البغدادى لمدينة هاتاى التركية الحدودية مع سوريا عدة مرات، وهو ما يضع الإدارة التركية فى مرمى الاتهامات التى تردد استخدام أنقرة لداعش وزعيمها البغدادى فى أكثر من مناسبة لتحقيق أهدافها فى سوريا.
كما ألقى مقال بريت ماك جورك مبعوث الولايات المتحدة الأمريكية السابق للتحالف الدولى لمحاربة داعش -وهو ذو حيثية- لمعايشته لكواليس الهجمات التى تشنها الدول المشاركة فى التحالف فى سوريا خلال الحملة التى استهدفت مواقع للتنظيم المتطرف، الضوء على الدور المبهم لتركيا وسبب وجود البغدادى، فى منطقة خاضعة لنفوذها فى شمال سوريا، واصفا تركيا بأنها جنة الإرهابيين الأكبر حول العالم.
وكشف المقال الذى نشرته صحف أمريكية أن القوات التركية غضت بصرها عن قائد التنظيم الإرهابى لفترة لا تقل عن عام، خاصة أن البغدادى لم يعثر عليه خلال العملية فى المناطق التقليدية فى غرب العراق أو فى شرق سوريا، وإنما كان فى مدينة إدلب التى تحميها تركيا بنقاط المراقبة التابعة لها منذ عام 2018، على بعد بضعة كيلومترات من حدودها، ما وضع تركيا أمام تساؤلات كثيرة، لماذا كانت تركيا توفر الغطاء السياسى ليس للبغدادى فقط ولكن لجميع الفصائل الإرهابية التى تعمل فى الشمال السورى طيلة فترة الأزمة السورية، ليتضح عند الإجابة عن هذا السؤال وفقا لمراقبون يتبعون الشأن التركى، أن النظام التركى كان يستفيد من وجود هذا التنظيم وزعيمه فى المناطق التى احتلها لاستمرار عبور النفط السورى إلى تركيا بأبخس الأثمان، وهو ما يوضح عدم سعادة الأخيرة بمقتل البغدادى.