يوسف أيوب يكتب: من راجح القاتل إلى شاب القطار.. دولة القانون هي الفيصل
السبت، 02 نوفمبر 2019 02:00 م
- نقف أمام دولة قانون لا تنظر للأمر نظرة سياسية بل تتعامل بمنطق العدالة معصوبة العينين
النتيجة التى يمكن أن نتوصل إليها من مجمل الأحداث التى شهدتها مصر طيلة الأيام الماضية أن دولة القانون هى التى تحكم، مهما علت الأصوات أو اشتد النقاش على صفحات وسائل التواصل الاجتماعى، ففى النهاية هناك قانون سيطبق على الجميع، أيا كان منصبه أو وضعه الاجتماعى.
فى قضية مقتل الشاب محمود البنا المعروفة إعلاميا بـ«شهيد الشهامة»، امتلأت الدنيا صخبا حول وضعية المتهم فى القضية، الشاب محمد راجح، وكان هناك تشكيك لم يستند لمنطق أو واقع يسير فى اتجاه أن الوضع الاجتماعى لأسرة المتهم سيكفل له الخروج من القضية بأى شكل من الأشكال، ورأينا وتابعنا الكثير الذى قيل فى هذا الأمر، عبر حسابات بعضها «وهمية» وكثير منها لجان إلكترونية كانت تهدف كلها إلى زرع الشك فى نفوس المصريين بأن القانون سيكون مغيبا لصالح أهداف أخرى غير قانونية، وفى نفس الوقت كانت تعمل هذه الحسابات للضغط على السلطة القضائية، التى تعاملت كعادتها بقاعدة «العدالة معصوبة العينين»، فلم تنظر إلا للأوراق التى أمامها، ووفق هذا المبدأ الذى تسير عليه السلطة القضائية بداية من النيابة العامة ووصولا إلى المحكمة، أخذت القضية مسارها القانونى، دون تأثر بأى شىء قيل أو سيقال مستقبلا.
من قضية «شهيد الشهامة» إلى قضية أخرى كانت شديدة السخونة الأسبوع الماضى، وهى قضية «محمد عيد عبدالحميد»، أو المسماة إعلاميا «شهيد القطار»، فما إن تم الإعلان عن القضية عبر الإعلام ووسائل التواصل الإجتماعى، حتى امتلأ الفضاء الإلكترونى بتفسيرات كلها سياسية، ولها أهداف كلنا نعرفها ونعلمها، لأنها لا ترتبط بالقضية ذاتها بقدر ارتباطها برغبة لدى بعض الجماعات والتيارات المعروفة لدينا سواء فى الداخل أو الخارج، لاستغلال أى حادث مهما كان، للتسخين ومحاولة تأليب الرأى العام، وفى نفس الوقت ممارسة سياسة التشكيك فى كل المؤسسات.
ومرة أخرى نقف أمام دولة قانون لا تنظر للأمر نظرة سياسية، بل تتعامل بمنطق العدالة معصوبة العينين، التى لا ترى فى شخص المتهم إلا ما ارتكبه من فعل، فرغم الكثير من التفسيرات التى قيلت بشأن الحادث، فإن للقانون رأيا آخر، وهو ما عبر عنه البيان المحترم الذى أصدره النائب العام المحترم، المستشار حمادة الصاوى، مساء الثلاثاء الماضى، والذى أكد للجميع أن دولة القانون موجودة، وأن القانون هو الذى سيقتص من المخطئ أيا كان، وسيعيد للمجنى عليه حقه، فالبيان الذى جاء شارحا لكل تفاصيل الحادث، وفقا لما أدلى به شهود الواقعة يؤكد ذلك، وليسمح لى القارئ العزيز أن أعيد عليه نص هذا البيان الذى حمل عنوان «بيان من النيابة العامة فى واقعة القطار رقم 934 بهيئة السكك الحديدية»، لأنه كفيل بالرد على كل محاولات التشكيك والضرب فى مؤسسات الدولة، أو الطعن فى دولة القانون.
قال البيان نصا «أمر النائب العام بحبس المتهم مجدى إبراهيم محمد، رئيس القطار رقم 934 بهيئة السكة الحديد، 4 أيام احتياطيا على ذمة التحقيقات، لارتكابه أفعالا أضرت بسلامة راكبين بالقطار، وأفضت إلى موت أحدهما وإصابة الآخر.
وكشفت تحقيقات النيابة العامة، عن استقلال المجنى عليهما محمد عيد عبدالحميد، وأحمد سمير، ليلة الثامن والعشرين من أكتوبر للعربة رقم 4 من القطار 934 حال توقفه بمحطة طنطا مسافرين إلى محافظة القاهرة دون تذكرة أو تصريح، ولذلك استوقفهما المتهم بعد منتصف الليل ولعلمه بعدم امتلاكهما ما يكفى لدفع ثمن التذكرة والغرامة، فتح باب القطار وخيرهما بين الدفع أو تقديم بطاقتى تحقيق شخصيتيهما لتحرير محضر بالواقعة أو النزول من القطار، وذلك حال مرور القطار بمحطة دفرة القديمة بسرعة اختلف الشهود على تحديدها، فقفز المجنى عليه أحمد سمير وأصيب بكدمات بمواضع متفرقة من جسده، ولحقه من توفاه الله محمد عيد، حيث أمسك بمقبض باب القطار ثم اختفى تحته فقام ركاب القطار بإبلاغ النجدة.
وأمرت النيابة بضبط وإحضار المتهم واستجوبته، فأنكر الاتهام المنسوب إليه وادعى أن القطار توقف ثم بدأ فى السير قبل قفز المجنى عليه بسرعة منخفضة، وأنه حاول منعهما من ذلك.
وكانت النيابة العامة قد بادرت بالانتقال إلى مسرح الواقعة، وتبين أنها وقعت فى محطة مهجورة معتمة، وهى محطة دفرة القديمة وناظرت جثمان المتوفى إذ تبين انفصال رأسه عن جسده، وسألت المصاب أحمد سمير ومختصين وعاملين بهيئة السكة الحديدية وتوصلت لعدد من شهود الواقعة ممن تقدموا للإدلاء بشهاداتهم وممن نشروا على حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعى ما يفيد مشاهدتهم للواقعة، فسألت عددا منهم بنيابة مركز طنطا، بينما أمر النائب العام، بندب أعضاء بنيابة الأقصر لسؤال عدد من الشهود المتواجدين بالمدينة، والانتقال إلى مطار الأقصر الدولى لسماع شهادة ثلاثة آخرين قبل مغادرتهم البلاد، وتواترت شهاداتهم على تخيير المتهم للمجنى عليهما بين الدفع أو تحرير محضر أو النزول من القطار قفزا فى المحطة المهجورة، واختلفت تقديراتهم لسرعة سير القطار حال مروره بها، وندبت النيابة العامة أطباء مصلحة الطب الشرعى لإجراء الصفة التشريحية للمتوفى وتوقيع الكشف الطبى الشرعى على المصاب، كما ندبت متخصصين لفحص جهاز التحكم الآلى بالقطار automatic train controller، للوقوف على سرعته تحديدا وقت الواقعة، تحقيقا لدفاع المتهم ووصولا إلى الحقيقة.
وما زالت النيابة العامة، تتلقى التقارير الفنية ومستمرة فى سؤال الشهود واتخاذ إجراءات التحقيق لكشف تفاصيل الحقيقة، وستصدر بيانا وافيا عاجلا بتلك الإجراءات، وبما يؤول إليه التصرف فى القضية. وتحذر النيابة العامة من الانسياق وراء الأخبار والشائعات التى تزيف الحقائق أو تصف الأمور بغير مسمياتها، وتؤكد أن بياناتها الرسمية الصادرة عنها هى المصدر الرسمى الوحيد لحقيقة ما تتخذه من إجراءات وما تباشره من اختصاصات.
وتُهيب النيابة العامة، بالقائمين على الوزارات الخدمية والمرافق العامة، بتوعية موظفيها والعاملين بها وترسيخ إيمانهم بمقاصد الوظيفة العامة، وغاياتها فى تحقيق المصلحة العامة، وأن أولى أولويات تلك المصلحة، هى الحفاظ على حياة الإنسان وصون كرامته».
إلى هنا انتهى البيان، الذى حمل أيضا رسالة علينا جميعا أن نعيها ونؤكد عليها دوما، وهى عدم الانسياق وراء الأخبار والشائعات التى تزيف الحقائق أو تصف الأمور بغير مسمياتها، لأننا تأثرنا كثيرا طيلة الفترة الماضية من مثل هذه الشائعات التى لا هدف لها سوى التشكيك فى الدولة ومؤسساتها، ومحاولة خلق رأى عام رافض لكل ما تقوم به الدولة، استنادا إلى هذه الشائعات والأقاويل التى لا تمت للواقع بصلة.
نتحدث هنا عن إجراءات قانونية وقضائية بدأت النيابة العامة فى اتخاذها دون النظر لأية اعتبارات سياسية، أو تحركات قامت بها الحكومة، مثل الزيارة التى قام بها وزير النقل لأسرة الشاب المتوفى، فقد يقول قائل إن هذه الزيارة وما تبعها من إجراءات حكومية كفيلة بغلق ملف القضية، لكن القانون يأبى أن يتورط فى هذه الأمور، فالترضيات السياسية شأن الدولة والحكومة، لكن القانون هو حامى الدولة والمجتمع، ولا يمكن أبدا أن يتم غل يده لأسباب أو تحركات سياسية، وهو ما يحدث الآن فى مصر.. نعم إنها دولة القانون.
دولة القانون التى ترفض المساس بأسر الإرهابيين المتورطين فى قتل الأبرياء، أو الداعمين للإرهابيين سواء ماليا أو إعلاميا، فالقانون الذى تحترمه الدولة لا يحاسب شخصا على فعل شخص آخر حتى وإن كان شقيقا أو والدا أو غيرها من صلات القرابة، التى تستخدمها دول أخرى للفتك بالأسر لا لشىء إلا لتورط أبنائهم فى جرائم أقل وطأة من الجرائم التى يرتكبها الإرهابيون فى حق مصر والمصريين.
بشهادة قيادات وأعضاء جماعة الإخوان الإرهابية أو العاملين فى أذرع الجماعة الإعلامية الهاربين فى تركيا وقطر، فإن أسرهم فى مصر يعيشون حياتهم بشكل عادى وطبيعى دون أن يمسسهم سوء، فلم تتعامل معهم الدولة بجريرة ما اقترفه أبناؤهم من جرائم فى حق المجتمع.
هذه هى دولة القانون التى ستظل موجودة، مهما علا صوت النشاز المشكك فى كل ما تشهده الدولة من تحركات إيجابية فى المسار الصحيح. نعم هناك أخطاء تحدث مثل خطأ كمسرى القطار، وغيرها من الأخطاء الكثيرة، لكن الفيصل بالنسبة لنا جميعا أن هناك تعاملا قانونيا مع المخطئ، أيا كان، فهناك وزير يقبع الآن فى السجن بتهمة الرشوة، ومن قبل وبعده الكثير من المسئولين الذين تم ضبطهم فى جرائم جنائية وتم التعامل معهم وفق القانون دون محاباة لأحد أو تحيز لمنصب.