نفط سوريا مقابل رأس البغدادي
الإثنين، 28 أكتوبر 2019 03:18 م
لا يمكن فصل ما تشهده سوريا من تطورات على صعيد العدوان العسكري التركي الأخير على شمال البلاد، والعملية الأمريكية التي أدت إلى مقتل أبو بكر البغدادي زعيم تنظيم داعش الإرهابي، بالسياسة الأمريكية التي يديرها رئيس الولايات المتحدة دونالد ترامب كرجل أعمال تدخل كل تحركاته الخارجية، في إطار عقد الصفقات. وبمبدأ قياس الربح والخسارة العائدة منها، إذ لم يكن يسمح الأخير بإعطاء الضوء الأخضر لتركيا لشن عملياتها إلا إذا كان هناك عائد منها لصالحه، والأمر ينطبق في كل تفاصيله في مشهد إعلان القضاء على البغدادي.
ندرك جيدًا، أن تنظيم داعش، وقائده أبو بكر البغدادي كانوا في حكم الموتى، ولم يعد له- أي التنظيم- السيطرة الواسعة التي كان يمتلكها في الماضي بالعراق وسوريا، خاصة بعد القضاء على بنية التنظيم الأساسية في الدولتين، وربما الإعلان الأمريكي الصادر من البيت الأبيض، عن مقتل خليفة الدولة «المزعوم»، لم يكن خبرًا مفاجئًا أو جديدًا على آذاننا، وفي السابق بث الخبر ذاته أكثر من أربع مرات، من دول مختلفة، ولكن هذه المرة طريقة الإعلان والاستعداد الأمريكي الواسع له لم يكن هدفه فقط نشر نبأ مقتل البغدادي، فرسالة ترامب كانت واضحة في المؤتمر الصحفي بالبيت الأبيض، وهى إعلانه عن حصول بلاده على ثمن رأس البغدادي.
ترامب خلع رداء الدبلوماسية المعروفة عن رؤساء أمريكا، وكرجل أعمال كشف بصراحته المعتادة عن هدف العملية التي قضت على رأس التنظيم الإرهابي، فقال بشكل واضح ومحدد: «النفط في سوريا كان سببًا في تغذية داعش وعملياته ولكن الآن يجب أن نأخذ حصتنا»، ولم يخجل الرئيس الأمريكي من تقديم اقتراح ربما يكون نفذ قبل عرضه مضمونه بشكل دقيق: «عقد صفقة مع شركتين أمريكيتين للذهاب إلى سوريا والقيام بتقسيم الحصص... وتوزيع الثروة».
الغريب هنا أن تصريحات ترامب عن نفط سوريا وتوزيع الثروة، لم تحرك المجتمع الدولي ساكنًا، ولكنها حركت الرأي العام الداخلي الأمريكي، ليس لخوفه على موارد دولة عربية تمثل الجزء الجنوبي الغربي من قارة آسيا، نهشتها الحرب الأهلية وتهششت بسبب التدخلات الخارجية، لكن بسبب أسلوب ترامب غير الدبلوماسي في الإعلان عن سرقة أمريكا للنفط السوري علنًا.
انتقادات الخبراء والقانونيين في الولايات المتحدة، التي تصدرت الصحف ووكالات الأنباء العالمية لترامب عقب تحدثه عن توزيع ثروة سوريا، في أعقاب مقتل البغدادي، جاءت أغلبها في إطار ما مثله مؤتمر البيت الأبيض من إحراج لشكل السياسة الخارجية الأمريكية التي كشفها ترامب بوضوحه عن تقسيم تركة سوريا وثروتها واحتكار مواردها، ولكن ما أن انتهى الرئيس الأمريكي من مؤتمره الصحفي المثير للجدل، إلا وخرجت بعض الأصوات المعارضة له لتكشف أكثر عن فظاعة اللهجة «الترامبية»، وكان من بينها بروس ريدل، مستشار الأربع رؤساء السابقين للولايات المتحدة، الذي أكد أن اقتراح ترامب بشأن نفط سوريا: «ليس مجرد خطوة قانونية مريبة، بل إنها ترسل كذلك رسالة إلى المنطقة بأسرها والعالم بأن أمريكا تريد سرقة النفط».
في المؤتمر الصحفي بالأمس قدم ترامب الشكر للجميع، حتى المتصارعين في سوريا، الكل أدى دوره بامتياز وفقًا للرئيس الأمريكي، وجاء وقت الإعلان عن توزيع الحصص، وكانت في طليعة الدول التي أثنى على دورها ترامب تركيا التي لولا عملياتها في شمال سوريا، لكانت النتائج مختلفة وربما كانت تتأخر عملية سرقة النفط السوري.
ولكن، وفقًا لترامب فالكل استفاد عدا «سوريا» وشعبها، أردوغان حقق ما أراد بحصوله قطعة من سوريا فيما تسمى بـ «المنطقة الآمنة» وإبعاد الأكراد من حدود بلاده.. وقوات سوريا الديمقراطية رغم انسحابها من الشمال، أصبحت لها قوة عسكرية لا يستهان بها أدخلتها في معادلة التفاوض مع الدول الكبرى، حتى الأسد وحكومته التي كانت حاضرة في كلمة ترامب استفادت من تحجيم قوة الأكراد نسبيًا، وختامًا حقق ترامب هدفه حصل على نصيبه من نفط سوريا.